نحن المسلمين الأجدر بقيادة العالم

عن الراية

قليل من الناس من يدركون أن المبدأ الرأسمالي يحمل أسباب موته في ذاته، فحجم الحريات، والطفرة المادية التي صنعها في حياة المجتمعات، شكلت أضواء صاخبة جعلت الكثير من الناس يفقدون قدرتهم على الرؤية والإدراك فانبهروا به، وصار بعض أولئك المضبوعين بالثقافة الغربية وشكلها المادي لا يجدون حرجاً من تسويقها والدعوة إلى تطبيقها في بلاد المسلمين ظناً منهم أنها العلاج الشافي لما يعانيه المسلمون من تخلف، ومشاكل في مختلف نواحي الحياة.

إن جائحة كورونا التي أصابت العالم أجمع كشفت عوار النظام الرأسمالي، والعفن الكامن في الحضارة الغربية، والفساد المتأصل في منظومة القيم عبر مشاهد لم يخيل لأحد أن تحدث في أكبر دول العالم، وأعظم مدنها وأشهرها، وأكثرها تقدماً وتطوراً، فقد رأينا مشاهد الفوضى، والغوغائية، والسرقة، والتدمير للممتلكات من عامة الناس في غياب واضح للدولة ومؤسساتها.

ورأينا الدول الكبرى كيف تمارس أبشع أنواع القرصنة تجاه بعضها بعضاً فيما يتعلق بالحصول على المستلزمات الطبية، ولو كانت "كمامة"، فقد استولت أمريكا على شحنة للكمامات كانت متوجهة لألمانيا، ومثل ذلك فعلت مع فرنسا.

ورأينا الأنانية العالية التي تمارسها الدول فيما بينها ليصدق فيها مقولة "نفسي نفسي والباقي إلى الطوفان"، فانكفأت دول الاتحاد الأوروبي على نفسها وتمترست خلف حدودها الوطنية، ورأينا كيف كاد الرئيس الصربي يبكي جراء امتناع دول الاتحاد عن الاستجابة لمناشدته بالمساعدة، في تصدع واضح لمسيرة ربع قرن من الزمان تحت شعارات الوحدة.

وتبين فساد الاقتصاد الوهمي، والاستثمارات غير الحقيقية عبر الشاشات، وفي صالات البورصة، وأسواق الأوراق المالية، والتي تكدس ما نسبته 99% من ثروات العالم بيد حفنة من أصحاب رؤوس الأموال يمثلون 1% من سكان العالم، بينما يعاني الاقتصاد الحقيقي من ضعف شديد كشفت عنه أزمة كورونا، فلا السلع متوفرة بما يكفي، حتى بتنا نرى الناس يقتلون بعضهم بعضا من أجل لفافة ورق الحمام، ولا الخدمات قادرة على تغطية الحاجة واستيعاب الطلب، فوصل الأمر بالناس أن يأكلوا من النفايات، أو يموتوا في بيوتهم، أو في مؤسسات دور المسنين، أو على بوابات وفي ممرات المستشفيات.

لقد بات التساؤل عن قدرة تلك الدول الكبرى التي تتحكم في العالم سياسياً واقتصادياً حاضراً وبقوة، وقد كشفت الأزمة عن ضعف في بنية تلك الدول، وإعلاء "الأنا" الخاصة بها، فهي دول لا تنظر إلى العالم إلا بمنظار مصالحها الذاتية، ولا تملك الشخصية الرعوية، فتضحي ببعض ما في يدها، وتؤثر الإنسانية على نفسها ولو كان بها خصاصة، لتأخذ بيد العالم إلى بر الأمان، ولو أصابها في سبيل ذلك بعض الأذى أحياناً.

لقد كشفت الأزمة عن السقوط الحضاري للرأسمالية، ولمس ذلك بسطاء الناس وعوامهم، وهو ما يُلزِم الأمة الإسلامية بالإجابة على سؤال تثيره البشرية بلسان حالها، أما آن لك يا أمة الإسلام من صحوة ونهوض؟ إلى متى سنبقى نتخبط في الظلام، وضنك العيش، ونكتوي بنار الشقاء؟

نعم إن الأمة الإسلامية اليوم هي المعنية الوحيدة بالإجابة على تساؤلات العالم حول الخلاص، وهي القادرة على إنقاذ البشرية من السقوط والفوضى، فهذا خطاب الله فينا ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾، وكذلك قوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ خطاب تكليف بالمسؤولية، وإلزام بالوظيفة.

فمن ناحية مبدئية لا يمكن لفكرة أو مبدأ أن يقارن بالإسلام في صدقه وصوابيته، أو في إقناعه للعقل وموافقته للفطرة، فالإسلام وحي وما سواه كلام بشر، الإسلام حقيقة وما سواه سراب، الإسلام دين الله الحق ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾.

ومن ناحية عملية ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، ولقد شهد العالم على تطبيق الإسلام في الحياة فترة طويلة لم يطبق مبدأ قبله ولا بعده مثلها، فالشيوعية لم تصل القرن (70 عاماً)، والرأسمالية خمسة قرون حتى يومنا هذا، أما الإسلام 13 قرناً من الزمان، نظم فيها حياة الفرد والمجتمع والدولة بنجاح وفاعلية منقطعة النظير، قوانينه تعالج علاقات الناس داخلياً وخارجياً، المرأة والرجل، المال والأعمال، الصحة والتعليم، لم يكن للجنس أو العرق أو اللون أي اعتبار، سوى اعتبار الإنسان كإنسان، ولا فضل لإنسان على آخر إلا بالتقوى.

ولقد كشفت الأزمة أنه لا ملجأ من الشرور كلها إلا للإسلام، فقد نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية مقالاً يستشهد ويسترشد بتوجيهات نبينا صلى الله عليه وسلم حول النظافة الشخصية، والحجر الصحي، والتعامل مع الأوبئة.

إن العالم اليوم يعاني من فراغ على كل المستويات، العالم اليوم بلا رأس فكري يحدد له قيادته الفكرية، وصورته الحضارية، وبلا رأس سياسي يرعى شؤونه بما يصلحها، ويضبط علاقات دوله بما يمنع التناحر والصراع بينها، ويوجه مسار البشرية إلى ما يحقق الطمأنينة لها، وهو ما يستدعي تحمل الأمة الإسلامية لهذا الواجب، والقيام بمسؤوليتها، وأداء أمانة رسولها صلى الله عليه وسلم بحق كما يحب الله ويرضى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.

 

وإن البحث منصب اليوم حول العالم ما بعد أزمة كورونا، وبينما يصارع الكثيرون للبقاء، ويسعى البعض للبروز كقيادة للعالم، فإننا نجدد الدعوة للأمة الإسلامية بكل مكوناتها، أفراداً وجماعات، علماء وعامة، سياسيين وعسكريين، أكاديميين وطلابا، عمالاً وفلاحين، نساء ورجالاً، نجدد الدعوة لكم جميعاً للعمل مع حزب التحرير لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية وعد الله وبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما أصحاب القلوب الضعيفة، الذين لم يثبت الإيمان في نفوسهم، ولم يتجذر في قلوبهم، فقد ثبت أمام أعينكم ضعف دول العالم شرقاً وغرباً عن مواجهة كائن ميت من خلق الله، رغم ما يملكونه من تقنيات وإمكانيات، فلا تمتنعوا عن القيام والنهوض خشية قوى العالم الظالم، فهي أضعف من أن تواجهكم.

ورب قائل يقول ﴿غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ﴾، فنحن لا نذكر أمام قوى العالم الكبرى، ولا مكان لنا في صراعهم لقيادة العالم، أقول لكم أيها الإخوة لا تكونوا كالمرجفين في المدينة، وإن شئتم فاقرؤوا فواتح سورة الروم، التي تحدثت عن الصراع بين قوى العالم آنذاك، فارس والروم، وقد كان أبو بكر رضي الله عنه مهتم بتلك العلاقات، ويقرأ السياسة الدولية، بينما لم يتجاوز عدد المسلمين حينها أصابع اليد الواحدة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم  يشجعه على ذلك، ويأتي القرآن ليعزز من هذه الرؤية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى نفسه، ويبث في أصحابه رضوان الله عليهم أنهم قادة العالم الجدد، وكان يجهزهم عقلياً ونفسياً ليصنع منهم شخصيات إسلامية، ويجهزهم بوصفهم رجال دولة يراد لها أن تكون الدولة الأولى في العالم، وقد كان بفضل الله تعالى وتحققت بشرى الله لرسوله والمؤمنين ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، فسدنا العالم، وكنا له قادة وقدوة، حملنا له الخير، ولم نستأثر به لأنفسنا، وربما مات بعضنا لكي يحيا غيرنا ولم يكن على ديننا، شعارنا "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"، هذه هي دعوتنا وهذه رسالتنا ومشروعنا الذي نحمله، ونحب للأمة أن تعيننا عليه بحمله معنا فيتحقق فينا الوعد ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ فنحن أجدر بقيادة العالم.

 

بقلم: الأستاذ خالد سعيد

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين