الانتخابات الأمريكية ومعضلة البطة العرجاء...هل تستعيد أمريكا توازنها سريعاً؟!

مع انتهاء الانتخابات الأمريكية وفوز جون بايدن بمعظم الولايات المتأرجحة، والتي كانت تُظهر النتائج الأولية وبطاقات الاقتراع المباشر فيها قبل فرز أصوات البريد إلى فوز ترامب وبفارق كبير في بعضها، وما لحق ذلك من غضب ترامب وأنصاره، سواء على مستوى الحزب الجمهوري والسياسيين أو على مستوى مؤيديه من الشعب وأصحاب رؤوس المال والمتنفذين، وحديثهم عن تزوير وتلاعب وقبول أصوات غير قانونية، في إشارة إلى التصويت عبر البريد، ومطالبتهم بعدم احتساب تلك الأصوات وإعادة عمليات الفرز، وعدم رغبتهم بتسليم الحكم وتوجههم للقضاء والمحاكم لإجراء تحقيقات في بعض الولايات، وعرقلتهم للبروتوكولات المعمول بها تقليدياً لضمان الانتقال السلس والطبيعي  للسلطة، وفي المقابل تعهد الحزب الديمقراطي وبايدن بعدم السماح بسرقة الانتخابات وشرعوا في طرح المشاريع وتناول القضايا وعلى رأسها كورونا وتشكيل الفرق لذلك وهيكلة الإدارة القادمة للبيت الأبيض، وكذلك تعهد الدولة ومؤسسات الحكم فيها بانتقال السلطة حسب البروتوكولات المعهودة والحفاظ على صورة أمريكا (وقداسة) نظامها الانتخابي، مع كل ذلك تفاقمت حالة البطة العرجاء وفقدت توازنها وكادت تتعثر، فما هو المقصود بحالة البطة العرجاء؟ وهل تستعيد أمريكا توازنها سريعاً؟ وما هو السبب في وجود هذه الحالة؟ وهل هي حالة ملازمة لكل نظام سياسي فيه انتخابات واختيار للحاكم؟ وهل نظام الإسلام في الحكم يتجاوز هذه المعضلة؟

 

ما هو المقصود بحالة البطة العرجاء؟ وما هو السبب في وجود هذه الحالة؟

البطة العرجاء أو بالإنجليزية: (Lame duck)‏ هو مصطلح سياسي أميركي يطلق على حالة الرئيس الأمريكي في السنة الأخيرة من ولايته الرئاسية المحددة بأربع سنوات والقابلة للتجديد انتخابياً مرة واحدة فقط، ويرمز هذا المصطلح إلى حالة الرئيس السياسية قبيل الانتخابات وتصويرها بحالة البطة العرجاء غير المتوازنة والتي تسير ببطء وحذر، والبعض يستخدمه بشكل خاص للإشارة إلى الفترة التي تفصل بين انتهاء الانتخابات في شهر نوفمبر وفوز رئيس جديد وبين تسليم الرئيس السابق الحكم له في شهر يناير بحيث لا يستطيع الرئيس الموجود أن يتخذ قرارات مصيرية وتمرير مشاريع جديدة لافتقاره إلى الدعم السياسي المطلوب وفي ذات الوقت لا يستطيع الرئيس القادم أن يباشر عمله، وقد لخص هذه الحالة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في خطاب الوداع الذي ألقاه قبل ساعات من انتهاء ولايته الرئاسية الثانية عندما منعه هتاف الجمهور وتصفيقه المتواصل من بدء خطابه فقال مازحاً "يمكنك أن تقول إنني بطة عرجاء لأنه لا أحد يتبع تعليماتي"، وهو أيضاً ما كان محل تهكم موسكو حين طرد أوباما الدبلوماسيين الروس في أخر عهده فجاء الرد الروسي عبر تغريدة من حساب السفارة الروسية في لندن قالت فيها "إنها تشعر بالسعادة وهي ترى آخر الخطوات اليائسة لإدارة أوباما" مُرفِقة التغريدة بصورة لـ بط صغير مع عبارة عرجاء، وكذلك يستخدم هذا المصطلح في عالم الاقتصاد للإشارة للأزمات الاقتصادية وتراكم الديون والإفلاس.

إن السبب في وجود حالة البطة العرجاء هو طبيعة النظام السياسي الديمقراطي وتحديده لفترة الحكم والرئاسة، بغض النظر عن قدرة الرئيس على الاستمرار بالحكم والتزامه بدستور الدولة، وكلما كانت فترة الحكم قصيرة وكلما كانت فترة تسليم السلطة طويلة كلما ازدادت هذه الحالة وتكررت، وهي تبرز بشكل كبير في أمريكا لقصر فترة الولاية -أربع سنوات- وطول الفترة الإنتقالية-70 يوم تقريبا- وهي بشكل أقل في أوروبا، وهنالك دول تتحايل على ذلك قدر الإمكان من خلال تعديل الدستور وتمديد الفترة والحكم من خلف الكواليس والعودة مرة أخرى كنموذج بوتين-مدفيدف، وأيضاً من خلال نقل الصلاحيات من منصب لمنصب ومن ثم تمديد فترة الحكم وتعديل الدستور كما حصل في تركيا.

هل تستعيد أمريكا توازنها سريعاً؟

ما أن بدأ ضباب التفاعل العالمي وغير المسبوق مع الانتخابات الأمريكية، نظراً لسياسات ترامب الرعناء التي استعدت الدول والشعوب والحكومات وكانت تطلق الرصاص في كل اتجاه دفاعاً عن أمريكا ومصالحها، ما أن بدأ بالانقشاع وتراجع الزخم الإعلامي، حتى ظهر على السطح حالة -البطة العرجاء- ولكن بشكل أكبر من المعهود، وبدأت تتفاقم بشكل سريع وتتحول إلى أزمة حقيقية قد تعصف بالولايات المتحدة وتهدد سياستها الداخلية والخارجية بشكل حقيقي، فهل تنجح البطة في استعادة توازنها سريعاً؟ أم تتأخر في ذلك وتسقط على جانبها؟

من المعلوم أن المطابخ السياسية الأمريكية، ومراكز صنع القرار والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والأحزاب السياسية، سوف تبذل قصارى جهدها في تجاوز هذه الحالة سريعاً كي لا تهتز مكانة أمريكا عالمياً وتتعثر سياساتها الاستعمارية ونفوذها في العالم وتتضرر مصالحها، وقد بدأ ذلك يظهر بمتابعة التصريحات الموجهة للداخل الأمريكي من قبل السياسيين من كلا الحزبين، والتي تتحدث عن وحدة أمريكا ووحدة شعبها وعن المصلحة العامة والمصالح العليا للولايات المتحدة وضرورة الحفاظ على صورة النظام الديمقراطي على المستوى الداخلي والخارجي والإبقاء على ثقة الشعب الأمريكي به وبصناديق الاقتراع وضرورة أن يتعاون الجميع لمنع جر البلاد إلى نفق مظلم من النزاعات، وغيرها من التصريحات الموجهة للداخل الأمريكي، وتلك التصريحات لم تكن تلاحظ في السابق بهذا الشكل إذ كانت الانتخابات تسير وفق نسق محدد يكفل للدولة تجاوز فترة البطة العرجاء بشكل تلقائي ودون خسائر كبيرة وإن كان يشوبها بعض التشويش، وهذا يعكس مدى تخوف الوسط السياسي الأمريكي من ما يجري ومآلاته المستقبلية ومن ولاية رئاسية كاملة عرجاء، وهذا قد يحصل بفعل عدة أمور من أهمها:

١- عندما وصل ترامب للحكم سار في خط واضح وحمل شعار "أمريكا أولا"، في محاولة منه لملمة أوراق الولايات المتحدة في ظل مديونيتها الفلكية والتي تجاوزت 24 ترليون دولار، فعمل على الحد من إنفاقها الضخم وتوفير فرص عمل وجلب المصانع والشركات للعمل في الولايات المتحدة بسياسات خشنة وناعمة، ودعمهم بخفض الضرائب المفروضة عليهم والحد من الهجرة إلى الولايات المتحدة والعمل على تعويض النفقات الخارجية بتحصيل بعض الفواتير، كرهاً من بعض الدول وطوعاً من دول أخرى تحت مسميات صفقات عسكرية ومدنية وحجج الحماية والمشاركة في الأحلاف العسكرية، وكذلك عمل ترامب على تقليل العجز التجاري مع أوروبا والصين وكندا والمكسيك مستخدماً الحروب التجارية وفرض الضرائب على بضائعهم والشروط التي توسع حصة المنتجات الأمريكية من الأسواق، وتبنى تقليل الإنفاق على المنظمات العالمية والتوقف عن تمويلها مثل منظمة الأونروا والانسحاب من بعضها مثل منظمة الصحة العالمية والانسحاب من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ ووقف النزيف المالي على القوات العسكرية خارج الولايات المتحدة خاصة في الشرق الأوسط وفي أفغانستان من خلال سحب القوات الأمريكية، وهذه السياسة المتعجرفة التي تفتقد للدهاء والذكاء وتكلف الدولة الأولى خسائر سياسية وتهدد مكانتها مستقبلاً منبعها محاولة ترامب وقف النزيف الاقتصادي الأمريكي بشكل سريع والمحافظة عليه كأقوى اقتصاد في العالم ولو كلف ذلك خسارة الكثير من الحلفاء وضعف التأثير في السياسة الدولية مستقبلاً، وترامب في سياسته تلك يعبر عن نظرة الحزب الجمهوري الذي لم يتخلى عنه منذ توليه حتى خسارته وهي سياسة تبناها الكثير من السياسيين وخاصة المحافظين وساعدوه على تنفيذها بعد أن أتت أكلها في كثير من الملفات، وفي المقابل فإن بايدن يريد اتباع أسلوب على النقيض من ذلك وإن كان لتحقيق ذات الأهداف، حيث تعهد بإعادة الانضمام للمؤسسات والمنظمات والاتفاقيات الدولية ودعم العولمة التي قوضها ترامب بحروبه التجارية واتباع سياسة الجزرة مع أوروبا والصين، ومزيد من الإنفاق الداخلي خاصة على قطاع الصحة وغيرها من الملفات، وهذا التناقض في الأساليب المتبعة والوضع الاقتصادي الأمريكي والمديونية الفلكية الصاروخية في سرعة الازدياد وتفاقم قوة الصين قد لا يعطي مجالا هذه المرة للجمهورين للتسامح مع بايدن وتركه يجرب ويعيد أساليب أوباما الذي فاقم المديونية وأطلق العنان للوحش الصيني للتوسع بشكل أضر بالاقتصاد الأمريكي ورؤوس المال، وقد يلجؤون إلى عرقلة سياسة بايدن خلال ولايته من خلال نفوذهم الذي ازداد في مجلس النواب بمقاعد إضافية وأغلبيتها في مجلس الشيوخ التي نجحوا في الحفاظ عليها.

٢- إن حالة الاستقطاب في الشعب الأمريكي خرجت عن طورها وباتت تهدد النظام، وانقسم المجتمع إلى طبقات؛ طبقة تدعم ترامب، ومعظمها من البيض الذين استهواهم الخطاب العنصري لترامب بأنه يريد أن يحمي الولايات المتحدة -حيث يعتبرون أنفسهم أصحابها- من السود واللاتين والمهاجرين والمسلمين، وأنه يريد إعادة أموال الولايات المتحدة لهم وتوفير فرص العمل وحماية الاقتصاد ومنع الكساد. وعلى الجهة الأخرى طبقة ملونة من البيض والسود واللاتين والمهاجرين المجنسين ترى في ذلك عنصرية وفاشية وتقف مع بايدن والحزب الديمقراطي، وحالة الاستقطاب تلك فاقمها الهجوم الشرس من قبل الديمقراطيين على ترامب ومحاولة عرقلة سياسته خلال ولايته ومحاولة محاكمته وعزله ومهاجمة طريقة تعامله مع أزمة كورونا التي أفقدت ترامب والولايات المتحدة بل والعالم توازنه، ومن ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير، وهي الانتخابات وما حصل فيها، ومن ثم الاحتفال غير المسبوق بالفوز من قبل الديمقراطيين، في مظهر كسر عظام أقرب منه إلى الفوز بانتخابات، وردة الفعل المضادة من ترامب والتحريض لأنصاره، وذلك يجعل من الرئيس القادم رئيسا لمن انتخبوه وليس للشعب الأمريكي، وهو ما قد يفاقم الأزمة السياسية ويعرقل سياسات بايدن القادمة من قبل الجمهوريين وأنصار ترامب كنوع من الثأر.

٣- شخصية ترامب المتعجرفة وعدم رغبته بتسليم الحكم بسلاسة، حيث قال مخاطباً الشعب الأمريكي انتظروا خلال أسابيع سوف تخرج نتيجة الانتخابات وسأكون الفائز فيها! وتلك الشخصية والعقلية مع وجود صلاحيات رئاسية بيديه تمكنه من إلحاق الضرر بالإدارة القادمة ولو كان ذلك على حساب المصالح الأمريكية ومصلحة الدولة العليا، من خلال إقالة مسؤولين وتنصيب غيرهم، كما حصل مع وزير الدفاع مارك أسبر، وهو ما اعتبرته رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي دليل على نية ترامب "زرع الفوضى" في أيامه الأخيرة في منصبه، والحديث عن احتمال إقالة جينا هاسبيل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وكريستوفر راي رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي ( (FBI، وأيضاً من خلال تفجير بعض الملفات الخارجية وخلق الأزمات الداخلية، ولكن إمكانيته في هذا المجال تتوقف على مدى تجاوب وتعاون الحزب الجمهوري معه، والذي بات بين مطرقة ترامب ومصالح الحزب ومنافسة الديمقراطيين وبين سندان المصالح الأمريكية، وبحجم ذلك التجاوب يكون الضرر، وهنالك تجاوب فعلي مع ترامب من شخصيات بارزة مثل الجمهوري ميتش ماكونيل زعيم حزب الأغلبية في مجلس الشيوخ والذي قال "لا أعترف بجو بايدن رئيساً ولا بكامالا هاريس نائبة له"، وهو ما أكد عليه رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز حيث قال "إن على الرئيس ترامب ألا يعلن الخسارة في الانتخابات"، وكذلك موقف وزير الخارجية مايك بومبيو الذي وعد بانتقال سلس نحو ولاية ثانية للرئيس دونالد ترامب! ومؤخرا وزير العدل الأميركي وليام بار الذي تجاوب مع ترامب وأذن لممثلي الادعاء الفدرالي بالتحقيق في مزاعم ارتكاب مخالفات في الانتخابات ما تسبب باستقالة مسؤول هذه التحقيقات بوزارة العدل ريتشارد بيلغر.

٤- إن الانتقال السلس للسلطة يلزمه إقرار الإدارة الحالية بالهزيمة والشروع في نقل السلطة، وهو ما لم يحدث بل على النقيض من ذلك أفادت صحيفة واشنطن بوست "أن البيت الأبيض أمر الوكالات الفدرالية بتجنب التعاون مع الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب جو بايدن"، وذلك بعد أن كان مسؤولوا الوكالات في الحكومة الفدرالية قد شرعوا في تجهيز المكاتب والنشرات الخاصة بالعملية الانتقالية استعداداً لاستقبال فريق بايدن، ونقلت مراسلة الجزيرة "أن إدارة ترامب ترفض منح مبالغ مالية ينص عليها القانون لفريق بايدن وأنها تمنع الوكالات الحكومية من اطلاعها على البيانات المالية والاقتصادية والمعلومات الاستخبارية التي ينص القانون على تقديمها للمرشح الفائز"، وهذا الأمر يؤزم المشهد ويعمق الصراع وهو أمر غير معهود في تاريخ أمريكا السياسي وهو مؤشر على إمكانية اضطراب المشهد السياسي.

 

وهل هي حالة ملازمة لكل نظام سياسي فيه انتخابات واختيار للحاكم؟

حالة البطة العرجاء ليست حالة ملازمة لكل نظام سياسي فيه انتخابات واختيار للحاكم، فلا يوجد تعارض بين الانتخابات واختيار الناس لمن يحكمهم وعدم وجود هذه الحالة، فمثلاً يمكن إجراء انتخابات لاختيار الحاكم من قبل الناس دون تحديد مدة حكمه وحصر المدة المسموح بها لتنصيب غيره في حالة موته أو عدم قدرته أو عزله، وجعلها قصيرة جداً كفيل ببقاء السلطان للأمة دون إدخال الدولة في حالة البطة العرجاء، وهذا موجود في نظام الحكم في الإسلام نظام الخلافة حيث يجعل الإسلام السلطان للأمة وهي التي تختار حاكمها ولكنه لا يحدد فترة زمنية للحاكم وفي حالة موته أو عدم قدرته على القيام بشؤون الدولة ومسؤوليات الخلافة أو في حالة عزله من قبل القضاء -محكمة المظالم- في حال عدم قيامه بما بويع عليه من الحكم بالكتاب والسنة وتنفيذ أحكامهما فإنه -نظام الخلافة- يوجب على الدولة تنصيب غيره خلال ثلاث أيام بأسلوب يضمن أن يكون المسلمون هم من يختارون من يحكمهم، وهذا ليس دكتاتورية كما يسميه البعض ولكنه حكم شرعي قبل كل شيء وسياسة تبقي الدولة متوازنة وقوية ودون انتزاع السلطان من الأمة، أما اغتصاب السلطة وحكم الناس والتسلط على رقابهم بالحديد والنار فهو من مخلفات الاستعمار في بلاد المسلمين وغيرهم، ومن التضليل القول من قبل المضبوعين بالنظام الغربي أن عدم نزاهة الانتخابات وطول فترة الحكم للرئيس سبب ما فيه الأمة من ويلات لأن السبب الحقيقي يكمن في النظام الرأسمالي المطبق وجعل التشريع لغير الله والتبعية للغرب واغتصاب السلطان وانتزاعه من الأمة، أما تمسك الحكام بالعروش والمناصب وتزوير الانتخابات فهو ترجمة لتلك الحالة من التسلط على أمة الإسلام بدعم من أسيادهم في الغرب.

وفي الختام:

لقد انفضح النظام الرأسمالي بديمقراطيته التي جعلت الحكم لغير الله، وبانت عورات الغرب من ضنك وسوء عيش وسرقة لثروات الأمم واستعباد للشعوب وضياع للقيم وانحطاط للأخلاق وانتشار للرذيلة وتفكك للأسر وتفاقم للعنصرية والطبقية والجريمة وتصدير للأزمات وتحقيق المصالح الرأسمالية الاستعمارية بالقتل والتدمير وسفك الدماء وتدمير البلاد ونشر الخراب ونهب الثروات، ولم يبق شيء يغطي على تلك العورات سوى تبجحهم بتداول السلطة والانتخابات، والان جاءت هذه الأزمة لتكشف مدى كفرهم بنظامهم وعدم ثقتهم بمؤسساتهم وعمق الأزمات التي يصارعونها وأن الثغرات والسلبيات في نظام تداولهم للسلطة الذي وضعه دهاقنة السياسة الغربية تفوق بكثير بعض الإيجابيات بنظرهم، وهذا يوجب على المسلمين أن ينقذوا العالم بإقامة دولة الخلافة لتطبق مبدأ الإسلام وتقدم نموذجا حضاريا للعالم أجمع يحقق للبشرية الخير والعدل والطمأنينة ويخلصها مما هي فيه من ضنك وسوء عيش، نموذجا حضاريا يقوم على أجهزة حكم صلبة ومتماسكة لا تترنح عند أول منعطف، وحكام يتعبدون الله في رئاسة الدولة وليسوا منتدبين عن أحزاب ومتنفذين لتحقيق مصالح آنية أنانية، فيستوحشون في الوصول للمنصب ويتمسكون به لخدمة مصالحهم ومصالح حزبهم كما يفعل ترامب حاليا! ويتحسرون على محدودية الفترة الرئاسية بولايتين ويتأسفون على التعديل الدستوري الثاني والعشرين كما فعل أوباما ورونالد ريغان وفي ذات الوقت يتفاخرون بتداول السلطة! نموذجا إسلاميا حضاريا يقوم على أمة إسلامية واعية تبذل جهدها في اختيار حكام سياسيين أقوياء يعلمون من أين تُؤكل الكتف، ودولة تحلق كالنسر، لا وجود للبط الأعرج في قاموسها! دولة يحكمها حكام قادرون على نشر رسالة الإسلام وتأديب الأعداء وتوفير الحياة الكريمة للناس، حكام يجعلون العبرة بما يطبقونه وليس بشخوصهم، حكام أمثال أبي بكر وعمر وعلي وعثمان رضي الله عنهم، يجدون في الموت استراحة من أمانة تنوء عن حملها الجبال.

 

د. إبراهيم التميمي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين

11-11-2020