علاء أبو صالح

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

        هل يمكن للإدارة الأمريكية الحالية أن تحل قضية فلسطين بين عشية وضحاها ؟ أو حتى عام 2012م كما يقولون ؟ وماذا يمكن أن تقدم أمريكا لأهل المنطقة من حلول ؟ وهل مشروع حل الدولتين بلسم شافي لجروح المنطقة غير المضمدة أم أنه سم زعاف ؟  هل يمكن لأمريكا أن تضرب بمصالح يهود التي تربطها بهم "علاقة غير قابلة للانكسار" عرض الحائط؟ وهل تقبل أمريكا أن يراق دم يهودي واحد أو يهجر من بيته لأجل عيون الفلسطينيين "المساكين" ؟ هل يمكن لأي مشروع حلٍ أن يحقق ما يسمى بـ"السلام"؟ وهل تستطيع الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا سلخ شعوب المنطقة عن معتقدات كل منها عن الطرف الآخر وعن أرض فلسطين ؟

 أسئلةٌ وغيرها الكثير تقفز إلى الذهن عند مشاهدة ارتفاع حدة الطرح الأمريكي لحل قضية فلسطين والذي وصل إلى درجة الحمى وملأ وسائل الإعلام ضجيجاً وصخباً هائلاً، فعقب خطاب أوباما في قاهرة المعز، وتأكيده على أن إدارته عازمة على حل قضية فلسطين وفق رؤيا الدولتين، تصاعدت وتيرة ردود الفعل وزاد الحراك السياسي في المنطقة، وانبرى البعض مروجاً لمشاريع أمريكا-التي لا زالت تلغ في دماء المسلمين- كأنها البلسم الشافي لهذه القضية، وأن عزمها هذه المرة ليس كسابقاته، كما من المتوقع أن يتلو هذا الخطاب خطابات "مرتقبة" من الأطراف المعنية بالصراع الدائر في المنطقة، خطابات تعزف على وتر المصالحة والرضا بالطرح الأمريكي بصورة علنية أو خفية، جدية أو مماطِلة؟.

        فما هو مشروع أمريكا للمنطقة ؟ وما هي فرص نجاحه ؟ وأين تقف الأمة الإسلامية وأهل فلسطين وشعوب المنطقة من هذا الطرح؟

        إن طرح أمريكا والمعروف بمشروع الدولتين هو مشروع أمريكي خالص وليس مشروعاً "وطنياً" أو "تحررياً" كما يزعم البعض ويدّعي، ولقد بات ذلك واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، فلم يعد خافياً أن هذا المشروع هو جزء من المخطط الأمريكي للمنطقة بوجه خاص وللعالم الإسلامي بشكل عام، ولم يعد خافياً كذلك أن أمريكا تُقدّم هذا الحل من منطلقاتها السياسية وأنها لا ترتكز في طرحه على المسوغات الدعائية والإعلامية المعلنة كـ "تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني" أو "تحقيق حلمه بإقامة دولته" أو "إنهاء معاناته" أو غير ذلك مما يحاول البعض إلباسه للمشروع الأمريكي لغرض الترويج والدعاية، كما لم يعد خافياً أن تحرك أمريكا اليوم لحل هذه القضية يقف وراءه محاولة ترميم وجه أمريكا القبيح الذي علاه سمات القتل والإجرام واللاإنسانية وصرف النظر عن مخططاتها الاستعمارية وما تخلفه من مجازر بحق المسلمين في كل من العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، كما لم يعد خافياً كذلك أن هذا الطرح يكفل لليهود –وفق النظرة الأمريكية-العيش بأمان في منطقة العالم الإسلامي ويُمَكِنَهم بصورة "مشروعة" وبإقرار أهل البلاد من أكثر من 93% من فلسطين، ويفتح العالم الإسلامي على مصراعيه أمام النفوذ والسيطرة اليهودية، بينما يُبقي هذا الطرح لأهل فلسطين على استحياء وبلا سيادة على أرض أو ماء أو هواء بعض البعض منها.

        إن أمريكا تظن واهمة أن بمقدورها حسم الصراع في فلسطين، وتنسى أن فلسطين ترتبط بعقيدة أهلها لا بمصالحهم لذا فهي غير قابلة للتفاوض أو التنازل وإن زعم البعض تمثيلها ففرّط وضيّع،  وتنسى أمريكا كذلك أن أهل فلسطين هم من المسلمين وأن بيت المقدس يرتبط بعقيدتهم برباط الإسراء والمعراج وأن كل شبر من فلسطين قد روي بدماء الصحابة والفاتحين والمحررين من قبل، وأن أهل فلسطين والمسلمين عموماً لن يقبلوا سوى تحريرها ولو بعد حين، وهي تظن واهمة أن بمقدورها نزع تلك العقيدة من صدور المسلمين، متناسية أن الأمة الإسلامية طوال عصورها وحتى في فترات الضعف والهزيمة لم تتخل عن عقيدتها وأن المسلمين فضلوا أن يبادوا ويقتلوا على التخلي عن بعض إيمانهم، فهل يمكن لأمريكا أن تغير عقائد هكذا قوم ؟! وهل يمكن لأمريكا أن تنزع الإيمان من قلوب امتلأت به ؟!

        إن شدة الحراك السياسي في المنطقة لا يعني أن أمريكا قادرة على حل قضية فلسطين، وإن عزم هذه الإدارة على الحل لا يعني انه سيقدم أو يؤخر شيئاً في هذه القضية التي لا زالت منذ ستين عاماً أو يزيد تراوح مكانها بين شدّ وجذب، فإذا ما أدركنا حقيقة الصراع القائم بين المسلمين ويهود، وإذا ما أدركنا ارتباط هذه الأرض بعقيدة المسلمين مع ادعاء يهود الباطل أن الله أعطاهم أرض فلسطين، يمكننا الحكم بأن هذه الأرض لن تقبل القسمة على اثنين وأن الصراع سيبقى قائماً إلى أن يُحسم لصالح احد الطرفين .

        إن تحركات أمريكا لا يعني قدرتها على التأثير، وإن حملة العلاقات العامة التي بدأتها الإدارة الأمريكية مع العالم الإسلامي مستغلة ورقة القضية الفلسطينية لا يعني أن هذه القضية قد قفزت إلى سلم أوليات هذه الإدارة فلا زالت الأزمة الاقتصادية وأفغانستان والعراق في رأس الهرم لديها .

        إن أمريكا عجزت عن حل هذه القضية في ريعان شبابها وذروة قوتها فهل تستطيع حلها من بعد ما أصابها داء الأمم ومن بعد ما انتكست في كافة القضايا السياسية ؟!

        إن قضية فلسطين ستبقى في شدّ وجذب كخض الماء في القربة لا ينتج شيأ، ولن تحل هذه القضية إلا بأن يقوم للمسلمين كيان يأخذ على عاتقه تحرير هذه الأرض وحسم الصراع فيها وإنهاء كيان يهود السرطاني وإعادتها درة في جبين الأمة .

        إن تحرير فلسطين كاملة من أيدي اليهود الغاصبين هو الحل الذي لا حل سواه لهذه القضية وهو الحل الواقعي الوحيد ولا يُنقص من واقعيته أو إمكانية تحققه دعاوى بعض المثبطين أو اليائسين من أمتهم، أو سير المضبوعين والتابعين في مخططات المستعمرين، وإن الأمة الإسلامية باتت أقرب من أي وقت مضى-برغم كل العوائق التي توضع في طريقها وبرغم كيد ومكر الكافرين- إلى تحقيق بغيتها بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي ستحرر فلسطين كاملة وكل شبر محتل من أرض المسلمين، وإن غداً لناظره قريب .

                                                  (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا)