بقلم: حسن الحسن
 
 
لن نضيف جديداً إذا ما توقفنا عند إدانة العمل الإجرامي الذي اقترفته الأيدي الأثيمة التي سطت على "سفن الحرية" المتجهة إلى غزة، فقتلت وجرحت بعض روادها ومن ثم اختطفت الآخرين. فتلك الأرواح البريئة التي سالت دماؤها على ظهر سفينة مرمرة تفرض علينا تفحص المشهد بعمق، لا سيما أن منع المجزرة بحقهم كان ممكناً لو أرفقت تركيا بعض قواربها العسكرية لحماية السفن التي تقل مواطنيها، أو لو بادرت مصر أصلاً إلى فتح المعابر المغلقة بوجه أهل غزة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
 
اللافت للنظر في هذا السياق، تلك التغطية المكثفة من قبل وسائل الإعلام العالمية لهذا الحدث، لتتحول المأساة بفعل هذه التغطية إلى مادة دسمة لإدانة إسرائيل على كل صعيد، في الشرق والغرب على سواء، لتجد الأخيرة نفسها في موقع المجرم المنبوذ (وهي بالفعل كذلك). فماذا جرى ليتغير فجأة رد فعل المجتمع الدولي وأبواقه الإعلامية على هذه الجريمة النكراء عن مثيلاتها التي سبقتها وفاقتها فظاعة وجرما!؟
 
ثمة تفسير يرجع هذا الاهتمام الدولي إلى التجاوب مع تلك النقمة الشعبية العارمة في العالم العربي والإسلامي، والتي تتضامن معها بعض الشرائح الشعبية الغربية تجاه حصار غزة. إلا أنّنا نعلم يقيناً بأن الغضب أو النقمة الشعبية ليست كافية بالعادة لتغير واقعاً سياسياً، لا سيما إذا كانت تفرضه الدول الكبرى وتتواطأ معها أنظمة وحكومات ومنظمات ذات شأن وتأثير مباشر في القضية المطروحة، وما حصل بشأن حصار العراق والحرب التي شنت عليه مجرد مثال على ذلك.
 
لهذا فإنّ ملاحظة السلوك السياسي من قِبَلِ الدول ذات الشأن والتأثير أمر ضروري عسى أن يتيح لنا بعداً أعمق لفهم ما يجري. حيث نجد أنّ تسلسل الأحداث (بخصوص قضية فلسطين) منذ تسلم إدارة أوباما للحكم في البيت الأبيض يكشف عن مدى تعنت الحكومة الإسرائيلية في تمرير التسوية الأميركية، تلك التي يرعاها السناتور جورج ميتشل في إطار مشروع إقامة دولتين لشعبين على أرض فلسطين. وفيما يزداد نتنياهو معاندة لإدارة أوباما، يهلل الآخرون من معسكري "الممانعة" و"الاعتدال" للمبادرة الأميركية، بل ويتوسلون لأوباما كي يتم تسوية القضية وعلى كافة الجبهات (أي سوريا ولبنان بالإضافة لفلسطين).
 
في ظل هذا التعنت الإسرائيلي بدأت تظهر حالة من سأم الإدارة الأمريكية بنتنياهو وحكومته، وهو ما خلق فسحة لانتقاد إسرائيل على مستويات دولية عليا. فبادر بان كي مون رئيس الأمم المتحدة شخصياً إلى جانب زعماء دول عديدة بالمطالبة بإجراء التحقيقات اللازمة فيما وقع من مجزرة على ظهر سفينة مرمرة وإلى وضع حد للحصار المضروب على غزة!؟ كما بادرت مصر بشكل مفاجئ إلى فتح معبر رفح إلى إشعار آخر. كما أخذت ملفات شائكة لإسرائيل تُفتح بعد أن كانت مختومة سابقاً بالشمع الأحمر، كبرنامجها النووي الذي أثير فجأة على الصعيد الإعلامي وفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. سبق هذا ظهور تقرير لجنة غولدستون الذي أدان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بحق أهل غزة.
 
في نفس الإطار أخذنا نرى نشاطاً متصاعداً للحكومة التركية (حليفة أمريكا) في إثارة الضغوط الدبلوماسية والإعلامية في وجه الحكومة الإسرائيلية، سواء من خلال مبادرات فك الحصار عن غزة (سفن الحرية مثلاً)، أو من خلال الحركات الاستعراضية التي يتقنها رجب طيب أردوغان ويقدمها بين الفينة والأخرى، على نحو ما حدث في مؤتمر دافوس حين هب في وجه شمعون بيريز ثم ترك الندوة غاضباً، ليستقبل استقبال الأبطال من قبل مناصريه في تركيا.
 
هكذا تقود تركيا الحملة لإثارة هذه الضغوط في المحفل الدولي كضرورة لا بد منها لإحراج الحكومة الإسرائيلية المتعنتة، لا سيما بعد أن تبين أن أدوات الضغط التقليدية المصنفة في إطار قوى المقاومة، تلك التي ترعاها سوريا (التي تدأب على مطالبة أمريكا برعاية عملية "سلام" شاملة)، لم يعد بمقدورها تشكيل ضغط كاف لتحريك عملية التسوية وإتمامها.
 
ولهذا فإنّه من المتوقع أن تزداد الضغوط السياسية والدبلوماسية والإعلامية على إسرائيل (بذريعة رفع الحصار عن غزة)، مما يحشد بالنتيجة رأياً عالمياً عاماً ضاغطاً على حكومة نتنياهو قد يضطرها للاستقالة أو للتنازل والانصياع للأجندة الأمريكية.
 
حسن الحسن
 
 

 
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.