نشر الكاتب أشرف الظاهر مقالاً له في عدة مواقع إلكترونية تعقيباً على حلقة "بدون لف ودوران" التي بثت على فضائية فلسطين وخصصت للحديث عن حزب التحرير، ننقله لكم لما فيه من فائدة
حالة الإعلام العربي ...حلقة حزب التحرير نموذجا
اشرف الظاهر  
في بادرة نستطيع أن نقول عنها أنها ايجابية قام تلفزيون فلسطين ومن خلال برنامج بدون لف ودوران الذي يقدمه الإعلامي المتألق ناصر اللحام بتقديم حلقة بعنوان حزب التحرير وهو الأمر الذي بدا مستغربا بالسماح ببث هذه الحلقة من قبل إدارة تلفزيون فلسطين وذلك بعد حالة التشنج والصدام التي شهدتها العلاقة بين السلطة وحزب التحرير في فلسطين في الآونة الأخيرة على اثر قيام السلطة بمنع وقمع العديد من الندوات والمؤتمرات التي دعا لها حزب التحرير مؤخرا في العديد من مناطق الضفة ومدنها ، ومع ترحيبنا جميعا بهذه الخطوة الجريئة التي قامت بها إدارة تلفزيون فلسطين بالعمل على تسليط الضوء على العديد من الحركات السياسية الفاعلة في فلسطين و خصوصا حزب التحرير صاحب الطرح الفكري والسياسي المميز إلا انه كان ضروريا إبداء بعض الملاحظات السريعة على موضوع الحلقة وإدارة الحوار فيها وذلك تقيما للإعلام العربي عموما من حيث النزاهة والإنصاف والطرح الإعلامي والموضوعي للأحداث والقضايا ، حيث أن الحلقة لم تحمل في مضمونها ولا شكلها العنوان المعطى لها وهو حزب التحرير إذ كان الأجدى بمعد ومقدم البرنامج أن يختار عنوانا أخر لموضوع الحلقة كمواقف حزب التحرير السياسية مثلا أو الخصام والصدام السياسي بين حزب التحرير والسلطة . بالإضافة إلى أن طرح عنوان حزب التحرير كعنوان للحلقة لا يتناسب ولا ينسجم مع إشراك محاور أخر يمثل وجه نظر سياسية مخالفة ومناقضة في نقاش أريد له أن يحمل في ظله عنوان الغالب والمغلوب . بالإضافة إلى انه لا ينم عن رغبة حقيقية وجادة في إفادة المشاهدين من حيث تسليط الضوء على حزب التحرير ومواقفه الشرعية والسياسية إذ كان الهدف من هذه الحلقة واضحا في إبراز سلبيات الحزب المفترضة دون إعطاء الوقت الكافي لمن يمثله لشرح وجه نظره وتبيان حقيقة مواقفه وتاْصيلاتها الشرعية .
 
أما فيما يتعلق بطبيعة النقاش وحالاته فلم يكن بمستوى الطرح الفكري والسياسي المطلوب الذي كان منتظرا من حلقة تناقش حزبا سياسيا وفكريا عريقا كحزب التحرير بالرغم أن الدكتور ماهر الجعبري عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين حاول أكثر من مرة أن يسحب النقاش إلى منطلقاته الفكرية والشرعية عندما حاول ان يؤصل لرؤية فكرية وسياسية جديدة تقوم على فهم شرعي للأمور والأحداث من خلال استرشاده بالعديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ومن خلال عمله على محاكمة مواقف السلطة السياسية محاكمة شرعية وسياسية جديدة عبر محاولاته التأسيس لمفهوم سياسي جديد يقوم على تعريف السياسة بأنها رعاية شؤون الناس بحسب الإحكام الشرعية والدينية وليس فقط على أنها مجرد أعمال تخضع لفلسفة الأمر الواقع وفن الممكن.
 
في المقابل لم يكن الأخ زياد أبو عين موفقا كثيرا في انتقاداته لحزب التحرير إذ أن الكثير من هذه الانتقادات كانت تمتاز بالشطط حيث انه ناقض نفسه أكثر من مرة وذلك عندما وجه دعوته إلى حزب التحرير في فلسطين بالمشاركة في الأعمال النضالية والجهادية للشعب الفلسطيني بالرغم أن مواقف السلطة وحركة فتح التي ينتمي إليها لا تؤيد مثل هذه الأعمال على الأقل في الوقت الراهن. بالإضافة إلى انه لم يلتزم بأي منطلقات فكرية وشرعية في مناقشة القضايا وتوجيه الانتقادات إذ أن هذه الانتقادات كانت في مجملها عبارة عن اتهامات مبطنه وفارغة ليس لها أي مضمون شرعي أو سياسي متين سوى أنها حاولت كثيرا أن تختبئ خلف دعاوى وجه النظر الإنسانية ومفهوم الأمر الواقع ناسيا بذلك أن دين الإسلام على اختلاف فهم الكثير من الحركات الإسلامية له يحمل في طياته اسمي معاني الإنسانية بان جاء ونزل رحمة للعالمين وان مفهوم الأمر الواقع لا يعني بالضرورة الاستسلام له والرضى به
 
أما بالنسبة لإدارة الحوار فاقل ما يقال فيه انه لم يكن حياديا إذ أن عدم الحياد في طرح الموضوع كان واضحا وجليا وذلك من خلال وقوع الأخ ناصر اللحام في العديد من الأخطاء بوصفه محاورا يجب ان يتمتع بالنزاهة عبر تقديمه لمعلومات مغلوطة عن الحزب في مقدمة الحلقة وعبر انتهاجه لأسلوب السخرية في توجيه الانتقادات للحزب بعدما عمل على وضع حزب التحرير في خانه الاتهام ، الأمر الذي جعل غاية الحلقة وأهدافها مفضوحة ومكشوفة للمشاهد إلى حد بعيد. وإذا ما أردنا أن نقيم وضع الحلقة ونتائجها بعين النزاهة والإنصاف بوصف الغالب والمغلوب على غرار نهائيات كاس العالم فان حزب التحرير قد خرج متعادلا في هذه الجولة الإعلامية على مستوى رأي الكثير من العوام هذا إن لم يكن قد خرج منتصرا بنتيجة 10 إلى صفر بالنسبة لوجه نظر المثقفين والسياسيين والمفكرين والإعلاميين ممن تابعوا الحلقة وأدركوا مراميها .
 
إن حالة عدم الاستقلال التي تتصف بها الكثير من القنوات الإعلامية العربية وخضوعها إلى أجندة خاصة ورؤية إعلامية تتحكم بها قوى سياسية هي من جعلت الإعلام العربي ينزلق في متاهة الفوضى وعدم الأداء الإعلامي المميز الذي يقوم على أسس النزاهة والإنصاف والطرح الإعلامي الموضوعي والأخلاقي الذي من شانه أن يكون عاملا أساسيا ورئيسيا في نهضة الأمم وتقدمها .
 
وإذا ما كان هناك نصيحة يجب أن تقدم إلى معد ومقدم برنامج بدون لف ودوران وإدارة تلفزيون فلسطين خصوصا والى الإعلام العربي عموما فهي ضرورة الحرص في المرات القادمة على التزام الميثاق الصحفي والإعلامي والمهني من خلال العمل على الطرح الموضوعي للأحداث والقضايا عبر إيجاد الانسجام بين عنوان الحلقة ومضمونها وشكلها ، والعمل على عدم اللف والدوران بالتزام الحياد والبعد عن تنفيذ أجنده سياسية وإعلامية خاصة والتي من شانها أن تفقد الإعلام العربي مصداقيته ومهنيته وذلك حتى يتحلى الإعلام العربي وبرامجه بالمصداقية التي يجب أن تقوم على تقديم وجهات النظر المختلفة بشيْ من الإنصاف والنزاهة والموضوعية.