قضية فلسطين وأزمة تحديد الخيارات!

بقلم: محمد الحلبي

 

لو خُيّرت بين أن تكون أسدًا على مجموعة من الأرانب .. وبين أن تكون أرنبًا على مجموعة من الأسود، فأيهما تختار؟!

لا بدّ أنك بدأت تبحث عن إجابة لهذا السؤال المحيّر نوعًا ما، وبالتأكيد ستختار ما يُهيّأ لك أنه الأفضل من وجهة نظرك مدعمًا إجابتك بتبرير لهذا الجواب، والحقيقة أن السؤال في حد ذاته ملغوم ومضلل، وخياراته كذلك، ذلك أنه يحصرك في دائرة تفكير ضيقة لا تُحسن التفكير خارجها، سنصير أسارى للخيارات المحدودة دون أن نفكر في سواها..

هذا بالضبط ما أرادته أمريكا رأس الشر في العالم من أبناء المسلمين، أرادت أن تحصرهم ضمن خياراتٍ تضعها لهم، فيصبح أبناء المسلمين مسلوبي الإرادة ولا يفكروا في إطار غير الذي رسمته لهم أمريكا، ونحن بكل ما فينا من ضعف ما زلنا نقبع في جحيم هذه الخيارات المحصورة المضللة، نُفكّر في إطار ضيِّق لا نُحسن الخروج منه، تعوّدنا ومع الأسف أن نكون في موضع المفعول به لا الفاعل، في صدى الأحداث لا موضع صناعتها!

في سوريا، حُصر الناس بين خيارين أحلاهما مر : إما أن تقبلوا بفوضى الثورات، وإما أن يبقى نظام بشار! وفي العراق كذلك : إما نار داعش أو نار العلمانية! وأيضا في اليمن وليبيا وفلسطين وكل بلاد العالم الإسلامي، وبالأخص تلك التي تعيش على الصفيح الساخن..

وحتى تتضح الصورة بشكل أعمق، نعرض لقضية فلسطين وما يُحاك ضدها من مؤامرات، والجدران المسدودة والخيارات المحصورة التي وضعت القضية في إطارها..

قبل أيام حضرت ورشة عمل بعنوان : نحو رؤية وطنية للنهوض بالمشروع الوطني، تناقش مآلات القضية، وآليات مقترحة للخروج من عنق الزجاجة، ومع الأسف لم يكن القائمون على الورشة وكثير من المشاركين على دراية بأنهم يكرسون بقاءنا والقضية في عنق الزجاجة هذه، ذلك أن جوهر النقاش فيه لغط ودخن كبير وذلك لما يلي :

أولًا : العنوان بحد ذاته فيه إشكالية، فهو يُضيّق واسعًا، ذلك أن حصر زاوية النظر تجاه قضية فلسطين في بعد وطني مقيت هو إجحاف في حق القضية التي من المفترض أن تكون قضية أمة وهي آية في كتاب الله، وما ضاعت القضية أصلًا إلا يوم أن سلخت عن مركزيتها وحضنها الحقيقي ألا وهو الإسلام  والمسلمين، تسلمها العرب الذين سرعان ما أخلوا مسؤوليتهم من القضية وتنصلوا منها بتسليمها لمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للقضية فصارت القضية وطنية، ثم أصبحت صراعًا على سلطة موهومة تحت احتلال ليس لها من الأمر أن تفتح معبرًا أو تعبر حاجزًا دون إذن المجندة عليه! وما زال مسلسل التنازل مستمرًا، أقصيت القضية عن حضن الأمة، وما عادت صراع مليار ونصف مليار مسلم مع كيان يهود، بل صراع أهل فلسطين وحدهم مع هذا الكيان الغاصب، والأمة في أفضل حالاتها تستنكر وتندد وتخرج في مسيرات وتقاطع منتجات ثم تعود إلى بيوتها مقفلة كأن شيئًا لم يكن..

ثانيًا : طرحُ القضية في مظلة السّلطة الفلسطينية التي ما هي إلا ذراع أمنية تحمي أمن يهود وتحافظ على وجوده ، وما التنسيق الأمني عنا ببعيد، وفي كل يوم تثبت هذه السلطة عداءها لأهل فلسطين وتطبيعها مع كيان يهود التي دائمًا ما تخطب وده لكنه يردها خاوية اليدين..

ثالثًا : طرحُ القضية في إطار دعم الدول والأنظمة المانحة التي تشكل الحاضنة لكثير من الفصائل الفلسطينية على حساب انتزاع المواقف وحرف البوصلة، فالمال السياسي هو أداة قذرة تفرض الأجندة وتضع المخططات، وقديمًا قالوا : "قل لي من تصاحب، أقل لك من أنت" واليوم نقول : "قل لي من يقدم لك المال، أقل لك ما هو قرارك السياسي"..

رابعًا : طرح القضية في إطار ما يسمى "بالشرعية الدولية" و "المجتمع الدولي" الذي كان من الأساس سببًا في تكريس وجود يهود على أرض فلسطين..

أُطر وخيارات كهذه تُطرح في ورشة العمل ليتم التفكير على أساسها دون تجاوز لها، ويفترض القائمون على هذه الورشة أنها ستنجيهم والقضية من الجحيم الذي تعيشه فلسطين اليوم..

إن التفكير الجاد والوحيد الذي يساعدنا في تجاوز عتبة الألم التي تمر بها القضية الفلسطينية يبدأ أولًا بكسر كل الأطر والخيارات التي حُصرنا داخلها، ومن ثم البدء بالتفكير على أساس قرارات نصوغها نحن..

وحتى تكتمل الصورة نقول إن حل القضية حلًا كليًا يكون كما يلي :

أولًا : إعادة القضية من جديد إلى حضن الأمة، ومخاطبة الأمة وأهل القوة فيها خطابًا جادًا من أجل التحرك نصرة لفلسطين وأهلها، هذا التحرك الذي لا يكون إلا بزحف جيوش المسلمين بإمرة قائد مسلم يدفع عن أهل فلسطين الضيم ويقتلع كيان يهود من جذوره .. فالله تعالى يقول : "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر".

ثانيًا : نبذ مشروع السلطة القائمة على أرض فلسطين بكل رجالاتها، وقطع الطريق أمام أي محاولة للعبث والتفريط بالقضية، وأن نعلي أصواتنا في وجههم بأنه لن تمر مخططاتهم الآثمة إلا على جثثنا.

ثالثًا : التبرؤ من كل الأنظمة العميلة الخائنة التي لا ترقب فينا إلا ولا ذمة، التي ما هي إلا أدوات للكافر المستعمر في بلادنا يسوقها كيف يشاء، والله تعالى يقول : {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}.

رابعًا : الانعتاق من عباءة التبعية للغرب الكافر الذي يسوم المسلمين سوء العذاب، فلا خير يُرجى ممن كانوا سببًا في إيجاد كيان يهود على أرض فلسطين وسعوا وما زالوا لترسيخ وجوده على الأرض المباركة، فالسير في ركاب الغرب ما هو إلا انتحار سياسي وشر مستطر، والله تعالى يقول : {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.

 

هذه الرؤية هي التي ينبغي علينا أن نحملها إذا أردنا خلاصًا وحلًا للقضية، وإلا فإننا سنظل ندور في حلقة الخيارات المحصورة ونُضرب كل يوم على رؤوسنا ونحن "مكانك سر".

{لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}