ترامب صَفع حكام المسلمين فردوا عليه بصفعات أقوى....ولكن لقضية فلسطين!

                                                                   د. إبراهيم التميمي

لقد وضع حكام العرب والمسلمين جميع قضاياهم بيد أمريكا بشكل خاص وبيد الغرب عموما لحلها وفي مقدمة هذه القضايا قضية فلسطين، وفي الوقت الذي اعتبر الحكام ومنهم قادة السلطة أمريكا راعية للسلام ووسيطا نزيها بينهم وبين كيان يهود، وجه لهم ترامب صفعة قوية بإعلانه أن القدس عاصمة لكيان يهودمما وضعهم في وضع حرج أمام الشعوب فذهبوا يتخبطون يمنة ويسرة ويجعجعون هنا وهناك فهل ما قاموا به فيه رد أو ريحة من رد على ترامب أم أنهم استمرئوا تضليل الشعوب والاستخذاء أمام الأعداء وطعن القضية في الظهر بل وفي البطن والرأس...!؟

 وفي هذا المقال سنتعرض لبعض مواقف حكام العرب والمسلمين وغيرهم من الأعداء لتبيان جواب السؤال... فقدصرح وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن ال ثاني عقب إجتماعه بوزير الخارجية الجزائري عبد القادر يوم الإثنين الموافق 18\12\2017م أنه تناول مع نظيره الجزائري القضية الفلسطينية مشدداً على "موقفهما ودعمهما الثابت لهذه القضية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطين على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية".

وصرح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال زيارته للفاتيكانيوم الثلاثاء الموافق 19\12\2017م بضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس وعدم المساس به،وأكد أن القرار الأمريكي الأخير يشكل خرقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية،حيث أن وضع القدس يجب تسويته ضمن إطار حل شامل يحقق إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية تعيش بأمن وسلام إلى جانب "إسرائيل"، وهو ما أكد عليه البابا فرنسيس حيث دعا إلى احترام الوضع القائم في القدس،تماشياً مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بما يسهم في تجنب المزيد من العنف والتوتر.

وصرح وزير الدفاع الماليزيبأن الحكومة تدرس فتح سفارة لها في القدس الشرقية وإرسال قوات حفظ سلام إلى فلسطين.

وتقدمت مصر يوم الاثنين 18\12\2017م بمشروع قرار لمجلس الأمن ينص على رفض قرار الرئيس ترامب باعتبار القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة أبدية "لإسرائيل" ويدعوه إلى التراجع عن قراره ومطالبة الدول الأعضاء في مجلس الأمن بعدم الاعتراف بأي إجراءات تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة بشأن وضع المدينة.

فيما قام رئيس السلطة محمود عباس بجولات مكوكية ومن ضمنها زيارته إلى السعودية في محاولة منه لحشد التأييد الدولي لمشروع حل الدولتين القاضي بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين على 20% من الأرض المباركة.

والناظر إلى هذه التصريحات والزيارات وإلى ما سبقها من مقرراتقمة التعاون الإسلامي في اسطنبول،يجد أنها تتمحور حول نقطة مركزية واحدة وهي المشروع الأمريكيالقاضي بحل الدولتين والذي لم يُقطع إلى هذه اللحظة بأن أمريكا قد تخلت عنه بل هناك إشارات كثيرة على أنها متمسكة به...

وأوروبا تعلن أنها تؤيد هذه التوجهات وتدعمها من خلال التصريحات الرسمية لقادتها ومن خلال موقفها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة حيث أيدت القرارت التي تعتبر القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين وتدعوأمريكا للتراجع عن قرارها.

وفي المقابل نجد أن أمريكا لا تعارض هذه التحركات فجعلت عملائها في مصر وتركيا يسيرون ضمن هذه الموجة بل ويقودونها فسمحت لعميلها السيسي في مصر بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يعارض قرار رئيسها،وسمحت لتركيا بجمع حكام المسلمين في قمة منظمة التعاون الإسلامي والتظاهر بالوقوف ضد قرارهاوأعلنوا جميعا أن القدس الشرقية فقط عاصمة لدولة فلسطين في حدود المحتل عام 1967 إلى جانب دولة لكيان يهود على المحتل عام 1948 وعاصمتها القدس الغربية.

وفي هذا دلالة على أن عنجهية أمريكا جعلتها غيرآبهة بهذا التوجه ولا تعير له اهتماماً ولا تحسب له حساباً ولا ترى سعي أوروبا وعملائها لإحراجها أمام المجتمع الدولي والرأي العام الدولي أمر يستحق الوقوف عليه، بل أكثر من ذلك فهي تستخدم هذا الرد المستخذي من الحكام والسلطة والموقف الدولي لخدمة توجهاتها ومخططاتها تجاه قضية فلسطين وهذه المواقف لم تكن عبثية بل لها أهداف سياسية تظهر الهدف من وراء القرار وتتعدى هذه المواقف مجرد التنفيس عن حالة الاحتقان الشعبي ضد تخاذل هؤلاء الحكام عن نصرة القدس وإن كانت أمراً مهماً بالنسبة للحكام،ومن هذه الأهداف.

نجحت أمريكا من خلال قمة اسطنبول برعاية وقيادة عميلها أردوغان بأن تختم لكيان يهود بختم إسلامي بعد أن كان عربيا فقط بأحقية وجوده على 80% من أرض فلسطين بما في ذلك القدس الغربية، وجعل الخلاف معه على حدود 1967م ومنها القدس الشرقية وتمرير هذه الخيانة العظيمة على شعوب العالم الإسلامي فإذا ما سويت هذه النقطة كان التطبيع مع كيان يهود أمراً مشروعاً أمام شعوبها ولذلك كانت مقررات القمة أخطر من القرار الأمريكي، لأن القرار الأمريكي من دولة لا تملك وتعطي لمن لا يستحق، بينما فلسطين للمسلمين جميعا وقمة اسطنبول تنازلت عن معظم فلسطين باسمهم لكيان يهود.

وأمريكا تهدف أيضا لإفهام كيانيهود بهذا الضجيج والإجماع العالمي بأن حقكم هو بالقدس الغربية وحدود المحتل عام 1948م والباقي تفاوضوا بشأنه مع قادة السلطة وما تحصلوه هو زيادة، وأن العالم أجمع مع حل الدولتين، وهذه ورقة قد تستخدم في قادم الأيام للضغط على كيان يهود للسير في المفاوضات بحسب التعديلات التي سوف تجريها أمريكا على مشروع حل الدولتين تحت مسمى (صفقة القرن).

وهكذا يتبين أنالسلطة وحكام العرب والمسلمين يحاولون الرد على هذهالصفعة القوية من ترامب لهم من خلال رد القضية إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها وجمعياتها وهي التي أضفت الشرعية على هذا الكيان المسخ، لإيهام الرأي العام بأن تحركاتهم في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات أهمية والتركيز على هذه التحركات إعلامياً،

والبحث عن راعي جديد لعملية السلام (من خلال أوروبا وروسيا)،وفي ذلك صرف للأنظار بمساعدة الإعلام المأجور وعلماء السلاطين والأحزاب المنتفعة عن الرد الحقيقي على هذه الصفعة والذي لا يكون إلا بتحريك الجيوش واقتلاع كيان يهود من جذوره، ومع إقرارهم بأحقية وجود كيان يهود على 80% من أرض فلسطين ونقل الصراع إلى ما تبقى من الأرض المباركة لإقامة دويلة هزيلة لا تملك من أمرها شيء،وهم بذلك يكونوا قد ردوا على الصفعة بصفعات أقوى منها ولكن ليس للإدارة الأمريكية أو طفلها المدلل الكيان الغاصب وإنما لقضية فلسطين وللمسلمين.

ولكننا متيقنون من أن هذه العنجهية الأمريكية في التعامل مع أمة الإسلام تسهم وبشكل كبير في يقظة الأمة الإسلامية ومنها أهل فلسطين، وتسهم في زيادة الوعي عند الأمة على أصل المشكلة وكيفية الخلاص منها خاصة في البلاد التي يتواجد فيها حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، حيث يبين للناس ويوعيهم أن هذه العنجهية  في التعامل معهم لم تكن لو كان للمسلمين دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة تدافع عنهم وتنسي أعدائهم وَساوس الشيطان، ويوضح لهم أن ما شجع أمريكا على التمادي في غيها وطغيانها ووقاحتها على المسلمين ومقدساتهم ومنها المسجد الأقصى هو حالة الانبطاح والاستخذاء من قبل حكام المسلمين، ولكن ظن الأمريكان  بأن حال أمة الإسلام هو من حال حكامها الأنذال سيرديها بإذن الله.