حمل الدعوة فرض من الله عز وجل على الشاب والكهل سواء، وشاء الله لهذا الدين أن يحمل دعوته بالأمس واليوم كثرة من الشباب في مقتبل العمر، فكان منهم علي ومصعب وعمار وطلحة والزبير والأرقم، نقلهم الإسلام من صغر سنهم فأكبرهم وجعل صغر سنهم بوابة لهم لكي يصبحوا قادة للدنيا، تراهم كأنهم كهول في فكرهم جبال في ثباتهم.
والدعوة اليوم ضمت أمثال هؤلاء الشباب الذين التحقوا بركب الدعوة في صغرهم، فكان من هؤلاء الشباب حامد الذي نروي قصته وثباته في حمل الدعوة أمام الظالمين.
 
البداية: من العمرة إلى السجن
وصل حامد إلى منزله قافلا من رحلة العمرة، فجاءت قوة من المخابرات الفلسطينية إلى منزله بغية اعتقاله، فكان من أخيه أن خرج إليهم وجادلهم وأقنعهم بأن يتركوه أو يؤجلوا اعتقاله بسبب قدوم حامد من السفر الساعة.
توجه حامد في اليوم التالي إلى جهاز المخابرات، حيث تم إجلاسه لمدة ساعتين قبل إدخاله إلى المحقق، وهذا أسلوب تستعمله الأجهزة الأمنية بغية ترويع المعتقل ومحاولة العبث بأعصابه من خلال إجلاسه لوحده فترة من الزمن فيظنوا أن الأفكار ستتداعى في رأسه عن مدى ما سيتعرض له من ضغوط.
 
التكفير تهمة خطيرة
كثير من محققي الأجهزة الأمنية مصابون بمرض الجهل المزمن، فهم لا يفرقون بين المحاسبة السياسية وبين تكفير الناس، فإن اخبروا بأن فلانا يتعرض للسلطة بالقدح على سوء فعالها ظنوا أن المتحدث يطلق الأحكام بالكفر والتكفير يمنة ويسرة، وهم لا يعلمون أن التكفير مسألة ليست بالأمر الهين، وأن الظلم الذي يقع من هذه الأجهزة على أهل فلسطين ومنهم شباب الحزب لا يعمي رؤية شباب الحزب وحملة الدعوة فيجعلهم يطلقون الأحكام بالكفر جزافا، على الرغم من الظلم الواقع عليهم وعلى الرغم من تعاون السلطة الفاضح مع يهود، فترى المحقق يسأل حامد إن كان يكفر العاملين في السلطة فيرد حامد لا أكفر أحدا منكم.
قال المحقق إن تهمة حامد هي مناهضة السلطة والتحريض على القوانين، فيرد عليه حامد: لا أحرض على السلطة لأني لا أراها، وهو بذلك إنما يستهتر بهذه السلطة التي يرى أنها أقل من أن تكون كيانا يسعى لإزالته، بل هي في نظر حامد خادمة ذليلة للاحتلال.
 
الجميع يتحدث عن خيانة السلطة
أي كيان في العالم لا يخرج من رحم الأمة يكون عرضة لأن تتناوله الأيدي وتأخذ بحلاقيمه، فكيف بهذه السلطة التي هي مولود غير شرعي وهي التي جاءت عن خيانة البعض من أهل فلسطين وتآمرهم مع يهود، لذا ترى السلطة تبث الجواسيس والعيون بين الناس وتجمع المعلومات عنهم خشية منهم وخدمة لأسيادها، كيف لا وهي تدرك ويدرك قادتها أنها ليست سوى قشرة خارجية للاحتلال وغطاء له، وعلى الرغم من علم حملة الدعوة بهذا وعلمهم بتتبع جواسيس السلطة لهم، فإن ذلك لم يثن حملة الدعوة كما لم يثن حامد عن الصدع بالحق والجهر به على الملأ، وهو ما كان لجواسيس السلطة في نقله إلى كبرائهم حظ وافر.
أخذ المحقق يقلب تقارير الجواسيس التي وصلته والتي احتوت على أبرز الأعمال التي كان حامد قد باشرها، والمتعلقة بدعوة الطلبة للتجمع والحديث معهم وفضح السلطة سياسياً أمامهم وبيان الأحكام الشرعية في تصرفات السلطة وجرائمها السياسية. كان المحقق يسرد ما جاء في التقارير ذاكراً يوم وتاريخ وساعة النشاط وعنوانه. وفي كل مرة يرد حامد بالقول: نعم ومثل هذه المواضيع كل الناس يتحدثون فيها، أي أن الحديث حول خيانة السلطة وجرائمها السياسية بات شأناً شائعاً يتداوله الناس على رؤوس الأشهاد.
 
السلطة ورئيسها يحمون يهود
يسأل المحقق حول خطبة خطبها حامد وبين فيها حقيقة السلطة ورئيسها مستشهداً بسحب السلطة لتقرير غولدستون خدمة ليهود وأمريكا، فيقول المحقق لقد شتمت رئيس السلطة؟ فيرد حامد بل أنا أقارع الحجة بالحجة ولا أشتم.
من فرط جهل المحقق يظن أن حامد يعول على تقرير غولدستون وما شاكله، فتراه يناقش حامد ويسأله فيقول: يعني هل ترى أن تقرير غولدستون أنصفنا؟! أو هل أرجع لنا فلسطين؟! فيرد حامد بالقول:"بل إن ما جرى يبين واقع ما وصلت إليه السلطة بقيادة محمود عباس الذي سحب التقرير حماية لقادة اليهود من محاكمتهم في المحاكم الدولية."
 
العبرة بالدليل الشرعي
يحاول المحقق أن يسجل نقطة في مرمى حامد بالقول "إنكم لا تقومون بالجهاد وأن الخلافة لا تقام بالشعارات"، فيرد حامد عليه بقوة بأن العبرة عندنا بالدليل الشرعي، وما درى هذا المحقق الغر أن الكلام والفكر الذي يحمله ويقوله حامد من شدة وقوة تأثيره هو الذي دفع جهاز المخابرات لاعتقال حامد والتحقيق معه.
 
إيقاف المحقق عند حدوده
لا يداهن شباب الحزب في العالم كله السلطات والأنظمة القائمة، ففي التحقيق معهم تراهم يحملون أفكارهم بشكل واضح وقوي، ولكن حين السؤال عن التكتل والأمور التي لا يلزم ذكرها يقوم شباب الحزب بإيقاف المحقق عند حدوده غير آبهين بالنتائج، كما فعل حامد عندما سأله المحقق ما رتبتك التنظيمية وهل أنت رئيس كتلة الوعي؟ فما كان من حامد إلا أن أجاب أنا تحريري دون أي تفصيل إداري.
 
السلطة منكر و لا أحب لقاؤكم لا أنتم ولا اليهود
يسأل المحقق حامد عن سبب عدم اعترافه بالسلطة وعدم إقراره بشرعيتها، وربما كان سبب السؤال هو تلك العقدة الدفينة التي تظهر في تصرفات وسلوك الأجهزة الأمنية التي يدرك رجالاتها مدى احتقار أهل فلسطين وحملة الدعوة خصوصا لهذه السلطة، يجيب حامد دون مواربة لأنها منكر فأساس وجودها وأفعالها حرام، فقال: يعني أنت تنهى عن هذا المنكر؟ فيرد حامد بقوة: وهذا فرض على كل المسلمين.
كان جهاز المخابرات قد أرسل في طلب حامد قبل اعتقاله بفترة للحضور إليهم ولكنه لم يذهب، وعندما سأله المحقق لماذا لم تأت إلينا، أجاب حامد متحديا لا أحب لقاؤكم لا أنتم ولا يهود ولا أي نظام في العالم، وذلك في إشارة واضحة له بأن هذه السلطة بأفعالها تلك إنما تماثل يهود في حربهم للإسلام.
 
لن أوقع 
من فرط حنق المحقق وما ألم به من مذلة نتيجة سماع أقوال حامد التي هزت جبروت هذا المحقق وأظهرته كخادم في هذه السلطة الوضيعة، قام المحقق بإخراج حامد إلى الساحة الخارجية وإيقافه في الشمس لمدة خمس ساعات.
أثناء وجود حامد في الساحة الخارجية للسجن حضر مدير التحقيق إليه وكان من أقاربه، فجاء إليه قائلا: "يا خالي وقع على الإفادة"، وحاول أن يؤثر في نفسية حامد بالقول كذبا وزورا "كل أكابركم يأتون إلى هنا ويوقعون" حتى امتد كذبه لينال من شباب بارزين ذكرهم بالاسم افتراءً عليهم.
تم نقل حامد إلى النيابة العسكرية!!!! وكأن حمل الدعوة هو قضية عسكرية يجب أن يحاكم عليها !!! دخل عليه وكيل النيابة وهدده بالقول إننا سنوجه إليك تهمة مناهضة السلطة وإثارة النعرات، لكن سرعان ما أسقط في يدي وكيل النيابة عندما سمع رد حامداً سافراً متحدياً: "لا لن أوقع".
تم إدخال حامد على رئيس النيابة العسكرية الذي ظهر عليه الغيظ الحنق لأقوال حامد وعدم اعترافه بالسلطة قائلاً:" أنا لا أوافق على 90% من أعمال السلطة، ولكن ذلك في قلبي، وأنت كذلك لا تريد ان تعترف بالسلطة فلك ذلك ولكن ليكن ذلك في قلبك، وأما في الحياة والممارسة العملية فعليك أن تقر بوجود السلطة وأن تحترم قوانينها".
وكأسلوب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، أبدى رئيس النيابة استعداده لمساعدة حامد وكأن حامد بحمله للدعوة مذنب أو غريق في بحر لجي ينتظر من يمنّ عليه بالمساعدة لا سيما من أمثال هؤلاء الظالمين!!!! بدلا من أن يشفق هؤلاء على أنفسهم إذ يحاربون دعوة الحق وحملتها وإذ ينتظرهم مصير أسود أمام الله عز وجل إن لم يرعووا ويتراجعوا عن غيهم وظلمهم.
ولما لم يفلح الترغيب مع حامد، عاد رئيس النيابة مهدداً حامد بالسجن قائلاً: "إن ما قلته في الإفادة يعد جريمة تحاكم عليها من ستة شهور إلى سنة".
فرد حامد عليه: "فليكن هذا ما أحمله ولن أغير أقوالي" ولم يدر رئيس النيابة أن شعار حامد وأخوته في حملهم للدعوة وتعرضهم لضغوطات الظالمين هو قول الحق سبحانه على لسان يوسف عليه السلام " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ".
  
حامد يتكلم عن أيام سجنه
لا يصح للمسلم أن يتمنى المكاره ولكنه يجب عليه أن يصبر على المصاب والابتلاء إذا حل به، فكيف إن كان الابتلاء من أجل إعزاز دين الله عز وجل؟ لا شك أن الصبر يصب على صاحبه الأجر العظيم بإذن الله صبا في الآخرة، كما يملأ قلب المرء طمأنينة وإحساسا بالعزة في الدنيا، وهذا كان عين إحساس حامد في السجن مع إخوته الذين كانوا معه.
فلنترك لحامد التعبير عن هذه الأيام:
"لقد أمضيت 15 يوماً في السجن، أمضيتها في طاعة الله تعالى، فكانت من أحلى الأيام التي شعرت فيها بالعزة أمام هؤلاء الظلمة الضعفاء، وأمضيت من تلك الأيام مع حملة الدعوة الذين تم اعتقالهم من يطا والفوار والخليل، فقد كنا يداً واحدة في كل شيء، كنا نحضر الطعام في الصباح والمساء سوياً، ونقرأ القرآن بعد صلاة العصر، ونقرأ من سيرة المصطفى عليه السلام ونأخذ منها العبر وذلك بعد صلاة العشاء، وكنا نناقش السجناء حول الدعوة وفرضيتها، وكنا نتحدث فيما بيننا حول ما جرى مع كل واحد منا عند المحققين، لقد كانت أياماً رائعة. ثم جاء الإفراج لكل الشباب، لقد كنا والحمد لله ثابتين على الحق، صامدين على مواقفنا، لا يهمنا إلا إرضاء الله سبحانه وتعالى."
 
نعم لقد كان حامد على الرغم من صغر سنه قويا بالله عز وجل، لم يهن أو يهتز، وكان لتلك الأيام التي قضاها في السجن لذة أنعم الله عليها به، فهو في طاعة الله، لم يرض أن يتنازل عن جزئية مقابل الإفراج عنه فكان أن منّ الله عليه وعلى أخوته بالصبر والسلوان، ثم منّ عليهم مرة أخرى بالإفراج، ولأجر الآخرة أكبر.
2 رمضان 1431هـ

 

12-08-2010