إنّ الشيطان يستغل كل فرصة ليتسلل بها إلى نفوس وعقول البشر ليوسوس لهم ويزين لهم المعصية، فيحبب إليهم الفسق والفجور وينفرهم من الطاعة والانقياد لله رب العالمين، فالشيطان إنما يجري من الإنسان مجرى الدم. ولكن الشيطان عندما يجد الباب موصداً أمامه بالأقفال المتينة فإنه يعود خائبا حزنا، وهذا حاله مع عباد الله المؤمنين الأتقياء الذي اعتصموا بحبل الله، والتجأوا إليه، كشباب حزب التحرير الذين باعوا أنفسهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله بعملهم الحثيث لتحكيم شرع الله.
وفي هذه القصة سنرى كيف لم يتمكن الشيطان وأعوانه من فتنة أخينا حسن، ذلك الطالب الجامعي الذي أبى أن يقدم مصلحته الجامعية على مصلحته الشرعية، رغم أنّ كثيرا من الطلاب الجامعيين كثيرا ما يفرطوا بالغالي والنفيس من أجل دراستهم التي لن تغني عنهم شيئاً أمام الله في حال تقصيرهم في حمل الدعوة والعمل للإسلام.
 
الإصرار على أداء الواجب
من الناس من يعبد الله على حرف، ومن الناس من يعبد الله رفعاً للعتب كما يُقال، فلا يكابد ويناضل ويكافح من أجل طاعة الله، بل يكتفي بالحد الأدنى من الطاعة فإن وجد الباب أمامه مغلقا أدار ظهره ولم يكلف نفسه عناء محاولة فتحه، ومن الناس من يبقى يطرق الباب بمطرقة حتى يفتح.
وهذا الشاب حسن الذي ذهب لأداء واجب وأصر على القيام بهذا الواجب وبذل الوسع في الوصول إلى الغاية، فقد كانت مهمته أن يذهب إلى مسجد البلدة ليعلق أوراقاً دعوية على لوحة المسجد لعلها تساهم في نشر الفكرة الإسلامية والدعوة إلى تحكيم شرع الله، ومن باب الأخذ بالأسباب فقد ذهب باكرا إلى المسجد، أي قبل ما يقارب الساعة والنصف من موعد صلاة الجمعة، ولكنه فوجئ بأنّ المسجد مغلق (وهذه إحدى النقاط التي حاربت فيها السلطة دعوة الله وبيوت الله حين منعت الأئمة من فتح المساجد إلا أوقات الصلوات) حينها لم يقرر حسن أن يعود أدراجه ويكتفي بمحاولته الأولية، بل أصر على تأدية الواجب وتحقيق المطلوب، فقرر الانتظار حتى يفتح المسجد أبوابه ليلصق الأوراق، فجلس على صخرة كبيرة في أرض بجانب المسجد ووضع المغلف الذي بداخله الأوراق خلف الصخرة وأخذ ينتظر.
ولكن فات حسن أن يتذكر أنّ للظالمين عيون يسوءها أن ترى كلمة الحق تنتشر، فما أن مضت خمس دقائق حتى أقبلت نحوه سيارة للاستخبارات العسكرية التابعة للسلطة مسرعة، نزل عسكريان من السيارة ليسأل أحدهم الشاب حسن عن المغلف الذي كان معه.
فأدرك حسن أنّ حضورهم لم يكن عشوائيا، فأجابه بتورية، ولكن ذلك لم يمنع العسكري من تفتيش المكان ولكنه لم يجد المغلف، ثم أجرى اتصاله مع مخبريه ليتأكد من أنّ حسن هو الشاب المقصود، ولما تأكد من أنه هو المقصود، وقبل أن يغادر وجد المغلف وقاموا باعتقال حسن. 
 
الثبات على الموقف منذ البداية
وصل حسن مقر الاستخبارات، فبدأ التحقيق
المحقق: ما اسمك وعمرك وعملك؟
أجاب حسن وأخبره بأنه طالب جامعي.
المحقق: ما انتماؤك السياسي؟
حسن: حزب تحرير والحمد لله.
المحقق: منذ متى وأنت مع حزب التحرير؟
أدرك حسن أنّ المسألة غايتها تشكيل قاعدة بيانات عن الحزب، فأجابه بجواب لا ينفعهم قائلا: "من زمان".
أصر المحقق على معرفة التوقيت، فأجابه حسن بجواب شبه عام قائلا: منذ أن وعيت وأنا حزب التحرير.
هنا طمع المحقق في مزيد من المعلومات، فسأل حسن عن أسماء اثنين من أصدقائه من غير حزب التحرير؟
فكان جواب حسن مما لا يحبه المحقق.
حسن: كل الناس الطيبين أصدقائي.
سأل المحقق حسن عن الأوراق.
فأخبره حسن بأنّها له وأنه كان ينوي تعليقها على لوحة المسجد.
اكتفى المحقق بهذه المعلومات، فطلب من حسن التوقيع على أقواله وظن أنّ الأمر سيكون بالسهولة التي اعتاد عليها المحقق، ولكن حسن فاجأه برفضه للتوقيع.
فطلب مرة ثانية وثالثة، ولكن حسن ظل مصراً على رفضه التوقيع.
حينها طلب المحقق من أحد عساكرهم أن يأخذ حسن إلى السجن.
وعندما أقتاده السجان أخذه في البداية إلى غرفة الأمانات، ففتشوه ولم يجدوا معه شيئا، فطلبوا منه التوقيع على ورقة الأمانات والتي تنص على أنه لم يترك أمانات.
وهنا أيضا رفض حسن التوقيع.
فأخذ السجان يستجدي حسن ليوقع على الورقة خشية أن تطاله المساءلة، ولكن حسن رفض التوقيع وقال له: إن سألني أحد عن أماناتي سأخبره بأني لم أترك أمانات.
حينها نقله إلى الحجز والذي كان فيه معتقل أخر.
 
وفي السجن حكاية
بعد قليل دخل عنصران إلى غرفة الاحتجاز، فوقف لهما الشاب الذي كان مع حسن في نفس الغرفة، أما حسن فبقي جالسا دون أن يأبه بهما.
أغضب ذلك العنصرين، فبدأ أحدهما يصرخ على حسن قائلا له: عندما يفتح الباب يجب أن تقف.
وتابع، عندما تكون في منزلك ويأتيك ضيف، هل تقف أم تبقى جالسا؟
حسن: أنا الآن لست في منزلي، أنا معتقل.
العسكري "ساخرا": وقع على الأمانات لنفرج عنك.
حسن: ومن قال لك أني أريد المغادرة ؟
حينها يئسا من حسن وانصرفا عنه.
 
أخاف الله، ولا أعمل عندك حتى أعطيك معلومات
بعد قليل من انصراف العسكريين فتح السجان باب الزنزانة مرة أخرى واقتاد حسن إلى محقق جديد.
المحقق: من أعطاك هذه الأوراق؟
حسن: سألني المحقق الأول وأجبته.
المحقق: أريد أن تجيبني أنا.
حسن: امتنع عن الإجابة.
غضب المحقق وقال: هل تخاف ممن أعطاك الأوراق؟
يعلم حسن أنّ كشف أشياء عن الحزب قد يلحق ضررا بالحزب وهو حرام، لذا أجاب حسن: بل أخاف من رب العالمين.
وهنا أحس المحقق بأن مسمارا دق في رأسه، فهو لم يعهد مثل هذه الردود القوية والأجوبة السافرة، وعندها استشاط غضبا ولم يتصور أن يقدم حسن مصلحة الدعوة على مصلحته الشخصية،
فقال لحسن بصوت مرتفع: إذا كنت تخاف منهم فهذه مسألة، وإذا كنت تخاف من الله فمسألة أخرى وإذا كنت لا تريد الإجابة فمسألة ثالثة.
أجاب حسن المحقق متحديا سافراً: أخاف الله، ولا أعمل عندك حتى أجيبك (ويقصد حسن أنه لا يعمل جاسوسا عنده حتى يعطيه المعلومات التي يريد).
حينها يئس المحقق منه وصرخ في وجه السجان أن خذه إلى السجن.
 
الصدع بالحق سمة المؤمنين
وبعد خمس دقائق من السجن أتى عنصران من المباحث التابعة للشرطة لأخذ حسن عندهم.
وفي الطريق وفي السيارة أخذوا يدردشون مع حسن، قائلين له بأسلوب لين: وآخرتها معك يا حسن متى ستكف عن أعمالك هذه، يظهر أنك محترم ومهذب؟.
فكان جواب حسن الذي قطع قول كل بليغ: وهل تريد لمنحرف أو ساقط أن يعلق كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم على لوحة المسجد؟
حينها بدأ أحدهم يصرخ على حسن: نحن "دللناكم" يا شباب حزب التحرير.
حسن: نعم والدليل أنكم تريدون تدليلي!!
العسكري: لو كنتم في غزة لمسحتكم حماس.
حسن: لا تخف فلم يقصروا فينا في غزة، لقد اجتمع الظلم علينا.
العسكري: لا تزاود علينا نحن نناضل من عام 65.
حسن: وماذا تفعلون الآن لمن يقاتل اليهود؟
العسكري: اليوم يوجد قرارات واتفاقيات سياسية.
حسن: وماذا إذا تعارضت هذه القرارات مع كلام الله عز وجل؟
حينها خرج العسكري عن طوعه وبدأ يتهجم ويهذو فتجاهله حسن وأنهى الكلام معه.
"التحريريون لا يوقعون إطلاقا"
وصلوا إلى مقر الشرطة، وبعد سويعات أُخذ حسن إلى التحقيق.
المحقق: اسمك وعمرك وعملك؟
أجاب حسن
المحقق: وما اسم أمك؟
أدرك حسن أنّ في الأمر إهانة واختبار للمروءة، فقال: وما يعنيك اسم أمي، ورفض إعطائه اسمها.
المحقق:هل شاركت في الانتخابات التشريعية؟
حسن: لا.
المحقق: وانتخابات البلدية؟
حسن: لم أشارك فيها.
وبعد أن سأله المحقق عن الأوراق، وأراد أن ينهي التحقيق قال هو لحسن: انتم لا توقعون؟.
حسن: نعم صحيح.
تدخل الضابط الموجود فقال لحسن: وقع يا حسن ليس فيها أي شيء.
أجاب المحقق نيابة عن حسن: "التحريريون" لا يوقعون إطلاقا.
حينها بدأ الضابط يحاول إقناع حسن بأنه مخطئ بإلصاق الأوراق وأنّه يتوجب عليه التنازل.
فجاء رد حسن: قدمت ما عندي ولم يبق لدي شيء لأقوله.
حينها بدأ الضابط بتهديد حسن بأنهم سيفتحون له سجلاً.
ولكن حسن بدأ يستهزئ به وبتهديده.
لم يعجب ذلك الضابط، وأمر بتحويله إلى النظارة.
 
وللشيطان أعوان
وفي اليوم التالي، أخذ السجان حسن إلى محقق أخر، وبدأ المحقق يزين لحسن المعصية والتنازل، مثلما يفعل الشيطان مع أوليائه، ولكن كيد الشيطان كان ضعيفا.
 فيقول المحقق لحسن: أنت محترم وجامعي ومشكلتك محلولة ولا داعي للمحاكم فقط وقع على هذا التعهد وروح.
حينها جاء الرد حازما وسريعاً من حسن، إذ كان جالساً فوقف وقال له: أرجعني إلى السجن.
المحقق: اصبر واقرأه أولا.
نظر حسن إلى التعهد نظرة سريعة فوجده ذات التعهد الذي يتعهد فيه الموقع باحترام وتنفيذ قوانين السلطة التي تخالف شرع الله جملة وتفصيلاً.
فقال حسن: لن أوقع.
ظن المحقق أنّ حسن صغيرا وسهلا فحاول أن يغرر به قائلا: وقع ولن نخبر أحداً عنك.
حسن: ولكن الله يرانا.
المحقق: ولكن كبيركم (وذكر هنا شخصا باسمه) وقع.
حسن: ومن هذا؟
المحقق: أحد شبابكم، وقع وغادر.
لم يقع حسن في حيلة المحقق الساذجة، فقال: غفر الله للشاب وتاب عليه.
جن جنون المحقق حينها فصرخ: هل نحن كفار؟
حسن: لم أكفركم.
المحقق مهددا حسن: سترجع إلى السجن.
حسن: لست من أتيت إليك، أنت من أتى بي إلى هنا.
حينها أرجعه إلى النظارة بعد أن يئس منه أيضا.
 
المحكمة المهزلة
وفي اليوم التالي أُخذ حسن إلى المحكمة،
القاضي: أنت متهم بالانتماء لجماعة غير مشروعة وإلصاق أوراق على جدران المسجد.
ولأنّ القاضي مثله مثل كل السلطة التي لا تمتثل لقانونها ولا تطبق منه إلا ما يخدم مصالحها، قال لحسن: ولكن يوجد حل وهو أن تتعهد بعدم الرجوع إلى هذا الأمر وتنتهي قضيتك هذا اليوم.
وهو ما يدل على أنّ القاضي لا علاقة له بالقانون لا من قريب ولا من بعيد.
حسن:هذا الحل لا يناسبني.
حينها بدأت المسرحية المسماة بالمحاكمة.
النيابة: تهمتك يا حسن الانتماء لجماعة غير مشروعة وإلصاق أوراق على جدران المسجد.
القاضي: هل أنت مذنب؟
حسن: غير مذنب ولم أخطئ.
القاضي: هل تريد محامياً؟
حسن: لم أر أحداً من أهلي ليوكل لي محامياً.
القاضي: ابعثوا له ب... (وسمى محامياً قال عنه بأنه محامي "التحريرين")
فحضر المحامي ووقع حسن على التوكيل.
وبدأ المحامي بدفاعه عن حسن حتى قرر القاضي الإفراج عن حسن بكفالة.
وبذلك أثبت القاضي أنّ المحكمة ما هي إلا مسرحية، بدليل أنّ المشكلة كانت ستحل بمجرد تعهد لم ينص عليه القانون، ولكنها البلطجة والأهوائية التي تتعامل بها السلطة الذليلة.
وها هي مسيرة الثبات تُعاد مرة أخرى، وها هو حسن يخرج سالما منتصرا ثابتا لم يصبه أذى في دينه أو في ثباته الذي هز أركان ضباط التحقيق، فلا يأبهون لسلطة ذليلة منحلة، وهم يوقنون أن من كان مع الله فلن يضيعه أبدا.
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس62
28-12-2010