بسم الله الرحمن الرحيم

في سوريا تتعاظم المحنة وتشتد، والثوار صابرون صامدون، وعلى إقامة دولة الخلافة الراشدة عازمون

 على الرغم من أن نظام بشار الجبان أصبح محروقاً بكل المعايير وينتظر إعلان موته ودفنه، إلا أنه لا يزال يصبُّ حمم براميله المدمِّرة على المدن المحاصرة. وهو يقترف كل هذا الإجرام تحت سمع العالم وبصره لأنه يعرف حجم عداء الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا لهذا الشعب الأبي المسلم، فبشار هذا يطمع أن يأخذ تقاعداً مريحاً من سيده في البيت الأبيض مكافأة له على تدمير البلد وإنهاك أهله الثائرين كي يرضوا بأي حلٍ تقدمه أمريكا لهم. ولكن هيهات له ولسيده ولكل أعداء الأمة أن ينالوا من أبطالنا المؤمنين أهل الشام الميامين الذين كلما حَزَبَهم الكربُ والشدة من بطش النظام ومهَلِ الغرب ومؤامراته التجأوا إلى الله فوجدوه يرعى ثورتهم ويدبر لها من الخير الظاهر والخفي ما يعجز عن توقعه أيُّ مراقب تابع فصول الثورة منذ بداياتها وإلى يومنا هذا، وكأني بهذه الثورة هي ترجمانُ قول الله تعالى: ((وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)).

 نعم، إن هذه الثورة أحيت في نفوس كل المسلمين، في سوريا وخارجها، نصوص القرآن الكريم والسنَّة المشرَّفة التي تحدَّثت عن الصراع الدائم بين الكفر والإيمان: طبيعتِه ووجهتِه وشدتِه وعاقبتِه، وتسليتِه وعِبَرِه وأوجاعِه، وبحيث تكون بداياته استعلاءً من الكفار على المسلمين وإشاعةً وقتلاً وذبحاً وتعذيباً وتشريداً لهم... ولكن نهاياته تكون نصراً وتمكيناً واستخلافاً من الله لهم وانتقاماً من أعدائهم... فالله سبحانه وتعالى ذكر لنا من أحوال الأقوام السابقين كقوم نوح وعاد وثمود، أوقوم فرعون وأصحاب الأخدود... ما يشابه ما نراه اليوم في سوريا. قال تعالى: ((قتل أصحاب الأخدود. النار ذات الوقود. إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود. وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله الغزيز الحميد)) وقال تعالى: ((ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد.التي لم يخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد. الذين طغوا في البلاد. فأكثروا فيها الفساد. فصبَّ عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد)) وقال تعالى: ((فكلاً أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليهم حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)) وقال تعالى: ((و نريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)) وهذا ينطبق على بشار ومن معه، ومن هو مثله.

 وكذلك فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذكر لنا من الأحاديث ما يكشف به طبيعة الصراع وشدة المواجهة وحسن العاقبة، فعن خباب بن الأرتّ رضي الله عنه قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعوَ لنا؟ فقال: قد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض، فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل بنصفين فما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك، والله ليتمنَّ الله عز وجل هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله تعالى، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" [رواه أحمد]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "كونوا كحواريي عيسى بن مريم، رفعوا على الخشب وسمروا بالمسامير وطبخوا في القدور، وقطعت أيديهم وأرجلهم وسُمِّرت أعينهم، فكان ذلك البلاء والقتل في طاعة الله أحب إليهم من الحياة في معصية الله". وهكذا يشبه حال المسلمين في سوريا حال من سبقهم من أهل الإيمان، وحال فرعونهم حال فراعنة ذلك الزمان. وتبقى سنة الله سبحانه وتعالى "والعاقبة للمتقين" هي الماضية.

 أيها المسلمون الثائرون الأحرار:

 إن التضحيات الجسيمة التي قدمتموها وتقدمونها لَتهونُ في جنب نصرٍ يُعزُّ به الإسلام وأهله ويُذلُّ به الكفر وأهله، وإن بذل النفس والمال يرخص في جنب سلعة الله الغالية الجنة، وإن نصر الإسلام والمسلمين وعزهم وحصنهم الحصين هو في إقامة دولة الخلافة الإسلامية، فرض ربنا ومبعث عزنا وقاهرة عدونا، والتي في جنباتها يحكم بالحق والعدل، وفي ظلالها يحيا الناس حياة كريمة وتتحقق فيها أعلى مراتب الإنسانية، وفي سبيل إقامتها يهون الغالي والنفيس، ودون ذلك مما يدعو إليه أعداؤنا من المدنية والديمقراطية والعلمانية لهو الهلاك والشقاء، ولا يساوي عند الله ظفر طفل قتله هذا النظام الآثم. فاصبروا، أيها المسلمون، على ما أصابكم، ولا يلفتنَّكم اشتداد المحن عن غايتكم التي أعلنتموها "لن نركع إلا لله" فالاحتكام لغير شرع الله هو ركوع لغير الله، والله لا يرضى أن ينازعه ولا أن يشاركه في الحكم أحد، قال تعالى: ((إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)).

 أيها المسلمون في شآم الخير:

 إن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكرمكم ويتخذ منكم شهداء، ولكم في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي خصَّ بها أهل الشام بشارات، ولله درها من بشارات، فأولاها هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقر دار الإسلام بالشام" وفي هذا الحديث ما فيه من تأييد الله لأهل الشام ونصرتهم وهزيمته لأعدائهم. وأما البشارة الثانية فهي في قوله صلى الله عليه وسلم: "... ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ". ومن ينظر إلى واقع ما يجري في سوريا اليوم يرى أن الأوضاع تتجه نحو إقامة الخلافة الرشدة الثانية الموعودة بإذن الله. وإن هاتين البشارتين ستتبعهما تلقائياً بشارة ثالثة من الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهي قوله: "تقاتلكم يهود فتقتلونهم" وفي هذا الحديث ما يشير إلى القضاء على الحكم الجبري الذي مكَّن ليهود وحماهم ومنع كل عمل مخلص يهدد وجودهم. وهذه البشارات الثلاث ستتبعها إن شاء الله بشارات وبشارات، منها فتح روما معقل النصرانية، وأن يعم الإسلام الأرض مشارقها ومغاربها... فانظروا يا أهل بلاد الشام كم يهون ما تدفعونه مقابل ما تقبضونه، قال تعالى: ((فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)).

 وإننا في حزب التحرير نستبشر بنصر من الله وفتح قريب، وها هي بشائر النصر تلوح في أفق وعد الله للصابرين في سبيله. ونسأل الله تعالى أن تكون بلاد الشام عقر دارها.

 اللهم لا نرى خيراً للمسلمين وللعالم أجمع إلا بهذا الدين، اللهم فاكتب نصرك للمسلمين عاجلاً غير آجل. إنك وليُّ ذلك والقادر عليه.

 01 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/17م

حزب التحرير

ولاية سوريا

للمزيد من التفاصيل