بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال

المستجدات السياسية على الساحة الليبية

السؤال:

أعلن أمس 2014/6/2 أن رئيس الوزراء المتنازع على شرعيته أحمد معيتيق قد تمكن من دخول مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة طرابلس، وسط تعزيزات عسكرية مشددة تابعة لدرع المنطقة الوسطى "مصراتة"...، وكان المؤتمر الوطني العام قد عقد في 2014/5/25 جلسة في طرابلس أقر خلالها منح الثقة لرئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق، بينما رفض عبد الله الثني رئيس الوزراء السابق تسليم الحكومة للجديد، وفي 2014/5/29 عقد السابق اجتماعا لحكومته في مقرها وعقد الجديد اجتماعا لحكومته في أحد الفنادق. وأعلن عن موعد الانتخابات البرلمانية في 2014/6/25. وقد أعلن الضابط المتقاعد خليفة حفتر في 2014/5/16 تمرده على المؤتمر ورافضا للحكومة ومطالبا بحل البرلمان وتأجيل الانتخابات. وقد لوحظ تحرك أمريكي وأوروبي فيما يتعلق بما يجري على الساحة في ليبيا. فما علاقة هذا التحرك بما يجري هناك؟ وما علاقته بتمرد هذا الضابط المتقاعد وإلى ماذا يهدف؟

الجواب:

1-إنه من المعروف أن ليبيا بلد إسلامي عريق منذ الفتح الإسلامي على عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجميع أهلها مسلمون، وبقيت تنعم في ظل الخلافة وحكم الإسلام بالأمن والأمان والرخاء والاستقرار طوال 13 قرنا، إلى أن جاء المستعمرون الطليان عام 1912 وبسطوا نفوذهم عليها، وقد قاومهم أهلها المسلمون المجاهدون. وبعد هزيمة إيطاليا أثناء الحرب العالمية الثانية دخلتها بريطانيا وسيطرت عليها، وأقامت فيها نظاما ملكيا في نهاية عام 1951 عندما منحتها الاستقلال الشكلي. وعندما رأت بريطانيا أن نفوذها في ليبيا أصبح مهددا من قبل أمريكا عن طريق عبد الناصر في مصر أوعزت لعميلها القذافي ومعه مجموعة من الضباط بالقيام بعملية انقلابية عام 1969 متسترين بستارة الناصرية في محاولة منهم خداع الناس والاحتماء من تسلط أمريكا على النظام التابع للإنجليز في ليبيا، وبذلك حافظ الإنجليز على نفوذهم في ليبيا.

2-حاولت أمريكا لعقود طويلة كسب نفوذ في ليبيا فلم تنجح، وذلك لأن القذافي كان مخلصاً لبريطانيا حريصا على استمرار نفوذها في ليبيا. وقد تعرفت بريطانيا عليه وهو طالب في ساندهيرست ثم رعته وحمته لعقود عدة، واستمر يحفظ لها مصالحها في أفريقيا...

وهكذا فإنه حتى حصول الانتفاضة في ليبيا في عام 2011 لم يكن لدى الولايات المتحدة أي نفوذ في ليبيا، وظل القذافي عميلاً مخلصاً لبريطانيا. وبمجيء الربيع العربي وإسقاط حسني مبارك وزين العابدين بن علي في تونس، امتدت الانتفاضة بسرعة كبيرة عبر الحدود إلى ليبيا. وبإحساس بريطانيا بقرب نهاية القذافي لأن الأمة تريد التغيير، قررت التخلي عنه، وإعداد البديل... فشرعت بريطانيا مع فرنسا بإيجاد القيادة السياسية الجديدة. فأنشأت المجلس الوطني الانتقالي(NTC) في شهر فبراير 2011، وفي 2011/3/5 تم اختيار وزير العدل المنشق عن نظام القذافي مصطفى عبد الجليل رئيساً لهذا المجلس، وقد توالى على رئاسة الحكومة محمود جبريل ثم عبد الرحيم الكيب... واستمر المجلس إلى أن تشكل المؤتمر الوطني العام في تموز/يوليو 2012 واستلم المهام رسمياً من المجلس الوطني في 2012/8/8، ثم انتخب علي زيدان رئيساً للوزراء إلى أن أقاله المؤتمر الذي يرأسه نوري أبو سهمين، وكلف المؤتمر عبد الله الثني رئيساً مؤقتاً للوزارة ثم أقاله وانتخب معيتيق، ولم تحسم الناحية الرسمية بين الثني ومعيتيق حتى تاريخه... وكان الثوار الليبيون والفصائل المسلحة التي انتشرت في طول البلاد وعرضها لهم تأثير في هذه المجالس والمؤتمرات والحكومات، فيزول مجلس ويخلفه مجلس، وتزول حكومة وتخلفها حكومة...

لقد كان تشكيل المؤتمر الوطني لوضع دستور والتحضير لانتخابات عامة في غضون 18 شهراً، وإذا حُسبت هذه بعد استلام المجلس مهمامه في 2012/8/8 فهذا يعني أن ولاية المؤتمر يفترض أن تنتهي في 2014/2/7، ولكنه مدد لنفسه ليبقى حتى 2014/12/24، وانقسم الناس بين موافق على التمديد ومعارض... وتشكلت حكومة مؤقتة تدير الأعمال، وانتهى المطاف بأن قررت مفوضية الانتخابات إجراء انتخابات عامة في 2014/6/25 لإيجاد شرعية للوضع الجديد: رئاسة وبرلمان وحكومة...

3-إن أمريكا تدرك أن الوسط السياسي في ليبيا هو صناعة بريطانية مع بعض النتوءات الفرنسية التي تقوي الوسط السياسي الموالي لبريطانيا في ليبيا، ما يعني أن أي انتخابات قادمة سيكون الصاعدون فيها رجال أوروبا مع نزر يسير من "المستقلين"، ومن ثم يستقر الوضع وتذهب أطماع أمريكا التي كانت تريد استغلال تأثيرها العسكري الفعلي في إنهاء حكم القذافي، استغلال ذلك في أن يكون نصيبها من النفوذ هو الأكثر والأوفر، وهذا لا يتأتى لها بإجراء الانتخابات في هذه الأجواء التي لا زالت أجواء أوروبية، فكان أن فكرت في خلط الأوراق عسكرياً وإعادة ترتيب الأجواء في ليبيا لإنشاء طبقة سياسية جديدة موالية لها ثم بعد ذلك إجراء الانتخابات. وكانت الخطوة الأولى أن تكلف رجلاً عسكريا بالتحرك بما يشبه الانقلاب ضد الوضع القائم الذي يهيمن عليه المؤتمر الوطني حيث الغالبية فيه لرجال أوروبا... وذلك لخلط الأوراق وتأجيل الانتخابات إلى ظروف أفضل لأمريكا، فإن لم تكن خالصة، فتكون بالمشاركة مع أوروبا، فلا تخلو الساحة لها. وهكذا تحرك حفتر وسيرة حياته تنطق بولائه لأمريكا... فبعد أن خذله القذافي في حرب تشاد وأنكره، ومن ثم أُسر حفتر هو ونحو 300 من الجنود الليبيين في آذار 1987، بعد ذلك قامت أمريكا بوساطة مع تشاد، وفاوضت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1990 للإفراج عنه، وتولت طائرات أمريكية نقل حفتر ومجموعته إلى زائير ثم إلى أمريكا ومنحوه اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، حيث انضم إلى حركة المعارضة الليبية في الخارج. وهكذا أمضى حفتر السنوات الـ 20 التالية في ولاية فرجينيا الأمريكية، حيث تدرب على حرب العصابات من قبل وكالة المخابرات المركزية، ولم يعد إلى ليبيا، إلا بعد ثورة 17 شباط (فبراير) 2011، التي لعب دوراً فيها خصوصاً في مدينة بنغازي. وفي نهاية عام 2011، اتفق القادة العسكريون الجدد في ليبيا على اختيار حفتر رئيساً جديداً لأركان الجيش الوطني، الذي تم إنشاؤه خلفاً لجيش النظام السابق، وبعد انتقادات من العديد من المعارضين الذين أبدوا شكوكا واضحة تجاه مشاركته بسبب تاريخه في تشاد واتصالاته بالأمريكيين... بعد هذه الانتقادات أُبعد عن هذا الجيش وتم إسناد رئاسة أركانه لوزير الداخلية السابق عبد الفتاح يونس العبيدي.

4-تحرك حفتر في 2014/2/14 معلنا سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في ليبيا وأعلن في بيان له عن تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان) والحكومة، وأطلق ما أسماها خارطة الطريق لمستقبل ليبيا السياسي. وقال: "ما قمنا به ليس انقلابا ولا نسعى لحكم عسكري، وإنما انسجاما مع مطالب الشارع التي خرجت تطالب برحيل المؤتمر العام". وبذلك كانت هذه أول محاولة لحفتر للقيام بعملية للضغط على الحكم في ليبيا لتحقيق مآرب سياسية له حسبما رسم من خارطة طريق حتى يصل إلى الحكم أو يسقط الحكم القائم في ليبيا. ومن ثم استأنف حفتر حركته في 2014/5/16 فشن هجوما على مجموعات مسلحة وصفها بالإرهابية في بنغازي باسم عملية عسكرية أطلق عليها اسم كرامة ليبيا. ومن ثم انتقلت العملية إلى العاصمة طرابلس. ويقدم نفسه باعتباره قائد الجيش الوطني ومنقذ ليبيا من الجماعات الإرهابية. وقد اقتحمت قوات تابعة له في 2014/5/17 البرلمان وسيطرت على محيطه لمدة وجيزة ومن ثم انسحبت. فأعلن محمد حجازي المتحدث باسم الجيش الوطني التابع لحفتر لوكالة رويترز "أن من قاموا بالهجوم هم تابعون للجيش الوطني الذي يشن هجوما على من يصفهم مجموعات إرهابية". وباقتراب موعد انتخابات جديدة في 25 حزيران/يونيو عام 2014، وقعت ليبيا في مزيد من الاضطراب عندما قام خليفة حفتر وقواته بمهاجمة العاصمة طرابلس والبرلمان. وقد قام قبل أسبوع من ذلك بعملية ضد قاعدة لواء شهداء 17 فبراير في بنغازي. ويعتبر هذا اللواء الموالي للحكومة واحداً من أكبر وأفضل الجماعات المسلحة في ليبيا، ثم أعلن قادة القاعدة الجوية الليبية الشرقية في طبرق دعمهم لحفتر يوم 19 أيار/مايو. وأعلن الولاء له بعد ذلك مباشرة مجموعة من الجيش المنشقين وشخصيات من الشرطة الوطنية. ونتيجة لذلك استطاعت بعض قوات حفتر الاستفادة من بعض القوات الجوية في البلاد، وذلك باستخدام طائرات ومروحيات في محاولته لبناء وجود له في بنغازي. وقد تحالفت الآن أيضاً جماعات الزنتان المسلحة مع حفتر؛ وهكذا نمت قوته إلى حد ما.

لقد أراد حفتر أن يقلد ما حدث في مصر من التركيز على محاربة جماعة الإخوان المسلمين وعلى الإرهاب. ففي 2014/5/20 نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقابلة معه أشار فيها إلى تأثره بالأسلوب التي اتبعته أمريكا في مصر قائلا: "نتأثر بما يحصل في مصر"، وقال أنه أخذ تفويضا من الشعب على شاكلة ما فعل السيسي في مصر، فقد صرح العقيد محمد حجازي الناطق الرسمي باسم اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائلا: "حفتر سيسير على خطى السيسي، إذا طالبه الشعب الليبي بالترشح، خاصة أن السيسي نجح في مهمة صعبة مماثلة، وهي استعادة مصر من الإخوان المسلمين". (وكالة الأناضول 2014/5/30).

5-سارع بعد ذلك المؤتمر الوطني الليبي العام للاجتماع يوم الأحد 2014/05/25م، وذلك رغم تهديدات خليفة حفتر. وصوّت البرلمان على إعطاء الثقة لحكومة رئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق. ونالت حكومة أحمد معيتيق ثقة المؤتمر الوطني بأكثرية 83 صوتاً من أصل 94 نائباً حضروا الجلسة. وكان الإصرار واضحا على عقد الجلسة فقد كانت رئاسة المؤتمر قد حثت النواب، في رسالة قصيرة، على المشاركة في الاجتماع، مشيرة إلى أنه ربما "يكون الأخير". وتأخر انعقاد الجلسة، التي كان من المفترض أن تنعقد في الساعة 11:00 (09:00 بتوقيت غرينيتش)، إلى المساء، بسبب عدم توافر النصاب، كما يظهر الإصرار على عقد الجلسة من أن النواب اجتمعوا في قصر ولي العهد بطرابلس (قصر من العهد الملكي)، لأن مبنى المؤتمر أغلق بعد هجوم المسلحين الموالين لحفتر عليه. وتولى جنود من إحدى كتائب طرابلس حراسة القصر...

لكن حفتر أعلن رفضه لتنصيب رئيس الوزراء الجديد داعيا إلى تأجيل الانتخابات، فقال "إن رئيس الوزراء الجديد لن يستطيع إعادة الاستقرار إلى البلاد ودعا إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في حزيران". (أ ف ب 2014/5/26) وقد طالب حفتر "مجلس القضاء الأعلى" في 2014/5/21 باسم "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" بتكليف "مجلس أعلى لرئاسة الدولة يكون مدنيا ويكون من مهامه تكليف حكومة طوارئ والإشراف على الانتخابات البرلمانية القادمة. وأن المجلس الرئاسي سيسلم السلطة للبرلمان المنتخب". وقال "إن الجيش اتخذ هذه القرارات بعد رفض المؤتمر الوطني العام (البرلمان) تعليق أعماله كما يطالب الشعب". وقال: "إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيتولى الأمن خلال المرحلة الانتقالية وما يليها". (أ ف ب 2014/5/22) وقد رد "مجلس القضاء الأعلى" على ذلك في 2014/5/26 حيث أعلن عن "إنشاء لجنة اجتماعية بهدف تحقيق الوفاق بين جميع الأطراف تتكون من رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور ورئيس رابطة العلماء ورئيس هيئة تقصي الحقائق والمصالحة ورئيس لجنة مراجعة التشريعات ورئيس المجلس الوطني الانتقالي ورئيس مجلس الحكماء والشورى ورئيس لجنة فبراير. وأن من مهام هذه اللجنة الاتصال بجميع الأطراف". (الجزيرة 2014/5/26) "ولم يوضح رئيس هذا المجلس ما إذا كانت مبادرة إنشاء اللجنة رفضا لمبادرة حفتر الأخيرة؟ عندما سألته الجزيرة عن ذلك". ولكن يظهر أن مجلس القضاء الأعلى لم يتجاوب مع دعوة حفتر ولم يعلن رفضه لها مباشرة، وإنما يعلن عن تشكيل لجنة لتحقيق الوفاق بين الأطراف. ما يعني أن حفتر لم ينل تأييد القضاء.

6-أما الموقف الأمريكي فقد كان واضحاً أنه وراء ما يقوم به حفتر، وأمريكا هي المحرك له... فعلاوة على سيرة حياة حفتر منذ نقلته أمريكا من سجون تشاد، وتربيته في أحضان أمريكا نحو عشرين سنة عاشها في ولاية فرجينيا... إلا أن دلائل أخرى تشير إلى ذلك:

أ- تصرحيات المسئولين الأمريكان التي تشير إلى ذلك منطوقاً ومفهوماً ومنها:

- خلال هذه الأحداث، وخلال الفترة ما بين بدء حفتر أعماله العسكرية في 2014/2/14، واستئنافه تلك الأعمال في 2014/5/16 أرسلت أمريكا إلى ليبيا نائب وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز، وقد صرح أثناء زيارته قائلا: "إن تزايد التطرف المصحوب بالعنف تحد هائل لليبيا في المقام الأول وأيضا للشركاء الدوليين". وأضاف: "إن إعادة بناء الأمن أمر حيوي لنجاح ليبيا ووعد بزيادة المساعدات الأمريكية في مواجهة عنف المتطرفين". وقال: "إن الولايات المتحدة ستواصل مع شركاء آخرين تدريب الجيش وقوات الأمن". (رويترز 2014/4/24) أي أنها ستستخدم ورقة محاربة التطرف والإرهاب لإحكام سيطرتها على ليبيا. ولذلك قام عميلها خليفة حفتر باستخدام هذه الورقة بعدما قدمها له الأمريكان.

- ولم تنف أمريكا اتصالها بحفتر. فقد صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر ساكي في مؤتمر صحفي يوم 2014/5/20 "لم نجر اتصالا مع خليفة حفتر في الآونة الأخيرة، منذ ما يزيد عن ثلاثة أسابيع، نحن لا ندين ولا ندعم الحراك في ليبيا على الأرض..." ورفضت أن تصف عملية حفتر بالانقلاب العسكري عندما سئلت عن ذلك وقد أشارت المتحدثة الأمريكية في مؤتمرها إلى "عودة السفير السابق ديفيد ساترفيلد من ليبيا مؤخرا. وأن بلادها تراقب الأحداث الليبية عن كثب في اليومين الأخيرين...". فهي لم تنف الاتصال به بل نفت في الآونة الأخيرة... فكاد المريب أن يقول خذوني! ومن اللافت هنا أن الحياة ذكرت يوم السبت 24 أيار/مايو 2014 أن السفيرة الأمريكية لدى ليبيا ديبورا جونز قالت "إن اللواء المتقاعد حفتر يقوم بقتال مجموعات محظورة بالنسبة إلينا".

ب - ثم إن المقابلات معه تحمل دلالة الدعم الأمريكي والتأييد.

أجرت واشنطن بوست مقابلة مع حفتر يوم 20 أيار/مايو عام 2014، حيث قال: "لقد بدأنا الهجوم للقضاء على الحركة الإرهابية الموجودة في ليبيا، وبدأنا منذ حوالي أسبوع مع جميع وحدات الجيش النظامي، ونسير الآن بهذه المهمة قدماً ونحن نرى أن المواجهة هي الحل، أما ماذا عن التنسيق مع الزنتان؟ أنا أقول لك نحن وحدة واحدة"

ج- وكذلك فالإعلانات المتكررة بتحرك القوات الأمريكية إلى صقلية تؤدي هذا الغرض، وذلك لمحاولة إخافة الداخل في ليبيا ولدعم عميلها حفتر بتقوية معنوياته، وإظهار استعدادها لمساعدته:

- أعلن الناطق باسم البنتاجون جون كيربي الثلاثاء 2014/5/20م تمركز قوات تابعة لمشاة البحرية الأمريكية (مارينز) في جزيرة صقلية. وعلل كيربي هذا بمهام أخرى كإجلاء الرعايا الأمريكيين والعاملين في السفارة الأمريكية في طرابلس.

- نقلت الشرق الأوسط في 2014/5/21 (أكد مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأميركية أمس وجود طائرات في إيطاليا على أهبة الاستعداد لإجلاء الأميركيين من السفارة الأميركية في طرابلس مع تزايد الاضطرابات في ليبيا، مشيرا إلى أن مسؤولي البنتاغون يتابعون الوضع «دقيقة بدقيقة وساعة بساعة»). وجاء في الصحيفة كذلك نقلاً عن مسئولين أمريكيين (إن الولايات المتحدة زادت عدد مشاة البحرية والطائرات التي ترابط في صقلية، والتي يمكن استدعاؤها لإجلاء الأميركيين... وأن نحو 60 جنديا آخرين من مشاة البحرية وأربع طائرات أخرى من طراز «أوسبريV - 22» يجري إرسالهم إلى القاعدة البحرية الجوية سيجونيلا في صقلية من قاعدتهم في إسبانيا. وقال المسؤولان اللذان طلبا ألا ننشر اسميهما إنه بذلك يصل العدد الإجمالي لمشاة البحرية المنشورين في صقلية على سبيل الاحتياط إلى نحو 250. ويجعلهم وجودهم في إيطاليا قريبين من ليبيا ويساعد على تسريع الاستجابة).

- نقلت فرانس برس عن مسؤول أمريكي في 2014/5/27 "أن بارجة أمريكية هجومية سوف تصل خلال أيام إلى السواحل الليبية وعلى متنها ألف جندي من مشاة البحرية للمشاركة في إجلاء متوقع لعاملين في السفارة الأمريكية بطرابلس". وطلبت وزارة الخارجية الأمريكية من المواطنين الأمريكيين في ليبيا مغادرتها قائلة: "تحذر وزارة الخارجية المواطنين الأمريكيين من السفر مطلقا إلى ليبيا وتوصي المواطنين الأمريكيين الموجودين حاليا بالرحيل على الفور"، وقالت: "الوضع الأمني في ليبيا يبقى لا يمكن التنبؤ بتداعياته وغير مستقر".(رويترز 2014/5/28).

7-وهكذا فإن أمريكا تعمل على تأجيل الانتخابات في ليبيا بواسطة حركة حفتر، وتريد أن تستنسخ تجربتها في مالي بالرغم من فشلها فيها، حيث قادت انقلاباً هناك عن طريق أحد الضباط في 2012/3/22 وذلك قبل موعد الانتخابات المقرر بنحو شهر خشية منها أن الانتخابات إذا حدثت فإن الطبقة السياسية الموالية لفرنسا ستفوز في الانتخابات، فأرادت أمريكا عدم عقد هذه الانتخابات في الأجواء تلك إلا بعد تغييرها عن طريق الانقلاب، ولكنها لم تنجح في استمرار ذلك، بل استطاعت فرنسا أن تنهي موضوع الانقلاب وأجرت انتخابات بعد أقل من سنة ونصف على ذلك الانقلاب، وأفرزت الانتخابات رئيساً جديداً لمالي من أتباع فرنسا "أبو بكر كيتا" وتم تنصيبه في 2013/9/19، ويبدو أن أمريكا تتوقع أن حظها في ليبيا أفضل من حظها في مالي..!

ثم إنها حاولت استنساخ تجربة السيسي... ولكن الواقع مختلف بين الحالة في مصر والحالة في ليبيا، فالسيسي كان قائد الجيش، فالقوة العسكرية راجحة في جانبه، وأما حفتر فقوته أشبه بفصيل عسكري شأنه شأن أي فصيل عسكري آخر في ليبيا، وقد يزيد قليلاً مع ما تبعه من قوى، ولكن الفرق ليس كبيراً، فهو يختلف كلياً عن واقع الجيش المصري بقيادة السيسي حينذاك، فالقوى المسلحة في ليبيا موزعة بين حفتر وبين المؤتمر الوطني، فمثلاً: أعلنت كتائب الزنتان "الصواعق والقعقاع" انضمامها لمساعي حفتر، وأما درع المنطقة الوسطى "مصراتة" فأقرب إلى المؤتمر الوطني ضد حفتر... وهكذا بالنسبة للقوى العسكرية من فصائل ووحدات عسكرية، فهي مختلفة التوجه إلى هنا وهناك، ومن ثم فإن تقليد حفتر للسيسي ليس على سواء، فإن الواقع العسكري مختلف، فالسيسي كان قائد الجيش ومعه القوة الفاعلة، وقد عطل البرلمان وعزل الرئيس والحكومة، لأنه كان في موقع قوة لكونه قائدا للجيش. ولكن حفتر ليبيا هو عبارة عن عسكري متقاعد يقود تمردا بدعم أمريكي، ولم يتمكن من عزل الحكومة ولا حل البرلمان ولا تعطيل مؤسسات الدولة، وهناك قوى ليست بالبسيطة تواجهه. ولهذا فإن حفتر الذي هدد المعيتيق إذا اجتمع في مجلس الوزراء بالاعتقال ونحوه قد فشل في منع هذا الاجتماع، وتحركت قوات عسكرية تابعة لدرع المنطقة الوسطى "مصراتة"، وقامت بمرافقة مدير مكتب رئيس الوزراء المتنازع على شرعيته أحمد معيتيق وهاجمت مقر رئاسة الوزراء واستولت على الوثائق...

وتمكَّن رئيس الحكومة الليبية الجديد، أحمد معيتيق مساء 2014/6/2 من دخول مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة طرابلس، وسط تعزيزات عسكرية مشددة تابعة لدرع المنطقة الوسطى "مصراتة"، وقد دخل مقر الحكومة قبل أن يتسلم المهام من رئيس حكومة تسيير الأعمال عبد الله الثني، ودون أن يعبأ بتهديدات حفتر! وإذا جرت الانتخابات في موعدها فمن غير المحتمل أن يفوز فيها عملاء أمريكا. ويبقى رهان أمريكا على إثارة الفوضى والاضطرابات بواسطة حفتر وغيره بدعوى محاربة الإرهاب، وربما تشن غارات معينة على حركات إسلامية مسلحة معينة لتزيد الفوضى والاضطرابات في البلد حتى تتمكن من تعطيل الانتخابات أو تأجيلها لتجد فرصة أخرى لتعزيز نفوذها بتقوية عملائها وكسب المزيد منهم. ولهذا فإنه من المنتظر أن تستمر أمريكا في دعمها لعملية حفتر حتى يتحقق لها ذلك. وإذا رأت أن ذلك غير مجدٍ ولا يحقق النتيجة المرجوة وأن الانتخابات ستجري فإنها ستعمل على الاتفاق مع الأوروبيين أصحاب النفوذ الأقوى هناك على صيغة معينة.

8-هذا من ناحية القوة العسكرية، ومن ناحية أخرى فإن الوضع في ليبيا يختلف عن الوضع في مصر، فإن الأوروبيين وخاصة الإنكليز لهم جذور في ليبيا وهم أصحاب النفوذ فيها منذ الحرب العالمية الثانية حتى سقوط القذافي، فبإمكانهم أن ينبتوا العملاء ويمسكوا بزمام الأمور بمساعدة فرنسا لهم وغيرهم من الأوروبيين بالإضافة إلى الأنظمة العميلة لهم في المنطقة. وأما في مصر فإن الأمريكان قد ضربوا جذورهم فيها منذ انقلاب 23 تموز/يوليو عام 1952 بواسطة عبد الناصر ومن معه من الضباط، فبقيت مسيطرة على المشهد المصري حتى اليوم. وهكذا فإن الواقع مختلف، والنفوذ الأوروبي هو الأقوى في الوسط السياسي الليبي، والمتوقع أن تبذل بريطانيا الوسع بدعم من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها، مستعينة بعملائها في قطر ودول الجوار في شمال أفريقيا، وذلك لاستمرار هذا النفوذ، وبخاصة وأن ليبيا بسبب موقعها هي منطلق ما يسمى الهجرة غير المشروعة التي تخشاها أوروبا، وتخشى أن تتولى النفوذ في ليبيا غيرها، وستتمسك بهذا الأمر إلى آخر رمق، ويشجعها في ذلك أن الوسط السياسي لا زال الغالب عليه الولاء لأوروبا "بريطانيا"، وأمريكا تدرك ذلك، وتدرك هذا الحرص القوي من أوروبا وبخاصة بريطانيا، ولذلك فإن أمريكا تتصرف بخط رجعة أي دون القطيعة مع أوروبا في موضوع ليبيا، فهي في الوقت الذي تحرك فيه حفتر لإثارة القلاقل بالعمل العسكري فهي كذلك تشارك أوروبا في الاهتمام بليبيا... فقد أصدرت دول أوروبية مع أمريكا بيانا مشتركا في 2014/5/23 (رويترز) يتعلق بالوضع في ليبيا ورد فيه: "يشعر الاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة بقلق بالغ من أعمال العنف المستمرة وتدعو كل الأطراف إلى عدم استخدام القوة وتسوية الخلافات بالسبل السياسية". وقال البيان: "العملية التي تقود إلى نقل سلمي للسلطة يجب أن تقوم على توافق واسع وتجنب أي أعمال تستهدف تقويض هذه العملية". وأضافت رويترز تعليقا قالت فيه: "وتخشى قوى غربية من أن تؤدي الحملة التي يقودها حفتر إلى تقسيم الجيش الليبي وإحداث مزيد من الاضطراب في البلاد". وهذا يعكس مدى تأثير الدول الأوروبية في ليبيا وإلا لما اشتركت أمريكا مع هذه الدول في إصدار بيان مشترك.

9-وهكذا فليس من المتوقع نجاح أمريكا وأداتها حفتر في إزالة النفوذ الأوروبي في ليبيا، ولكنهم سيوجدون قلقاً واضطرابا، ويوجهون رسالة قوية للوسط السياسي الأوروبي وبخاصة البريطاني يقصدون بها أن زمن استفراد بريطانيا بليبيا قد ولى، وأن أمريكا يجب أن تكون في الصورة بقوة... ومع ذلك فإن النار ستستمر قابلة للاشتعال ما دام الصراع الأوروبي والأمريكي قد دخل البيت الليبي بأدوات ليبية، والكفار المستعمرون لا يؤثر فيهم أن يستحر القتل في المسلمين وتسيل دماؤهم، بل هذا يسرهم وينعشهم... فبسط النفوذ هو هدف دول الغرب، والنفط الليبي هو غرضهم... وهم يختلفون باختلاف مصالحهم ولكنهم يجتمعون في عداوتهم للإسلام والمسلمين.

وهكذا وقعت ليبيا في دوامة الصراع الدولي، وجعلت هذه الدول ليبيا حلبة صراع بينها على بسط النفوذ والاستحواذ على أكبر قسط من الغنائم. ولذلك لم تهدأ الأمور ولم تستتب الأوضاع ولم يحقق الشعب أهدافه من الثورة بسبب هذا التدخل الدولي وبسبب عدم وضوح الرؤية لدى الكثير من القائمين على العمل والمتصدرين له من أهل البلد الذين انتفضوا ضد القذافي الذي كان يمثل الغرب وخاصة الأوروبيون ويحقق لهم مصالحهم على حساب الشعب... فكيف يقع الناس مرة أخرى في أحابيل الدول الغربية ويصبحون أدوات للصراع بين هذه القوى الغربية؟!

10-وخلاصة ما يجري في داخل ليبيا هو أن بريطانيا وأوروبا من خلفها تحاول جاهدة أن تستبق الأحداث، فهي في سباق مع الزمن للخروج من المأزق الحالي بإرساء القواعد لحكومة منتخبة تضفي عليها صبغة الشرعية بإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن، بحيث تعيد إنتاج ذات النظام السياسي القديم ولكن بوجه جديد من الموالين لها، فلا تخرج ليبيا عن دائرة نفوذها، لذلك باشرت بالسعي لعقد انتخابات في أقرب فرصة، وحددت مفوضية الانتخابات الليبية 25 حزيران/يونيو موعدا لانتخاب برلمان جديد في ليبيا يحل محل المؤتمر الوطني العام الذي يزداد الجدل بشأنه، كما ذكرت وكالة الأنباء الليبية الرسمية.

وقد انتبهت أمريكا وأتباعها لهذا الأمر فحاولت عرقلته، ومنع تشكيل حكومة جديدة تشرف على المرحلة الحالية لتنظيم الانتخابات كما حددت مفوضية الانتخابات الليبية الموعد في 25 حزيران/يونيو، وكان حفتر هو أداة أمريكا في ذلك، فأعلن يوم الأحد 2014/5/25م، في بيان قرأه متحدث باسم الجيش الليبي الوطني الذي يقوده حفتر بأن "أي انعقاد للمؤتمر الوطني العام سيكون هدفاً للمنع والاعتقال"، كما اعتبر الجيش أن "أي اجتماع للمؤتمر في أي مكان يعد عملاً غير مشروع ويقع تحت طائلة المساءلة القانونية". وأضاف في وقت متأخر من يوم السبت 2014/05/24، أنه إذا أراد أعضاء البرلمان الاجتماع غداً فسيكونون هدفاً شرعياً للاعتقال. وتهدف أمريكا من وراء ذلك إلى الإبقاء على حالة الصراع وعدم الاستقرار قائمة، ما سيمكِّنها لاحقا من فرض عملائها على الخارطة السياسية الليبية والوسط السياسي الفاعل في ليبيا، إن استطاعت، أو على الأقل تكون شريكاً فاعلاً في ليبيا مع أوروبا وبخاصة بريطانيا.

وهكذا فإن بريطانيا وتدعمها أوروبا تبذل الوسع لاستمرار نفوذها في ليبيا بإجراء الانتخابات في ظل الأوساط السياسية الحالية الموالية لهم، وأمريكا تريد تأجيل الانتخابات لتخترق صفوف الوسط السياسي الحالي لتغييره لصالحها أو على الأقل لتطعيمه برجالها وبعد ذلك تكون الانتخابات، وغرضها من هذا الأمر أن يكون لها حظ "وافر" من النفوذ في ليبيا.

11-وفي الختام، فإنه لمن المؤلم أن بلاد المسلمين التي كانت منطلق الفتوحات ونشر الإسلام الذي يحمل العدل والخير لربوع العالم... أصبحت هذه البلاد ميدان قتال يتسابق فيه الكفار المستعمرون على قتلنا ونهب ثرواتنا... يضحكون بملء أفواههم عند كل قطرة دم تسيل منا، ليس بأيديهم فحسب، بل كذلك بأيدي عملائهم من أبناء جلدتنا!

إن الكفار المستعمرين هم أعداؤنا فليس غريباً أن يبذلوا الوسع في قتلنا، أما أن يصطف معهم فرقاء ليبيون، يوالي بعضهم أمريكا، وبعضهم يوالي أوروبا، ثم يقتتلون فيما بينهم، قتالاً ليس من أجل الإسلام وإعلاء كلمة الله، بل لمصالح الكفار المستعمرين... فإنها لإحدى الكبر، فاقتتال المسلمين فيما بينهم جريمة كبرى في الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»، وفي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن ابْن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا»، وفي الحديث الذي أخرجه النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ«.

وخاتمة الختام فإن ليبيا لا تخلو من فريق ثالث، صادق مخلص، همه أن يعيد الخير والعدل إلى ليبيا بتحكيم الإسلام في الحياة والدولة والمجتمع، ونحن نأمل من هذا الفريق أن يقف في وجه أتباع أوروبا وأمريكا، فيردهم إلى جادة الصواب، ويوقف اقتتالهم فيما بينهم، وأن تتوجه أسلحتهم معاً إلى نحور أعداء الإسلام والمسلمين، فتتطهر ليبيا من كل كافر مستعمر ومن كل خائن عميل... وتعود ليبيا إلى أصلها وفصلها: منطلق الفاتحين، وبلد حفظة القرآن الكريم... قلعة إسلامية محروسة بالإسلام، وحارسة له بحول الله وقوته

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

05 من شـعبان 1435

الموافق 2014/06/03م

للمزيد من التفاصيل