اجتمع في "مؤتمر ماردين" في تركيا 15 عالماً من بلدان متعددة من بينها المملكة العربية السعودية وتركيا والهند والسنغال والكويت وإيران والمغرب وإندونيسيا، لإعادة النظر في فتوى منسوبة للعالم ابن تيمية، والتي تقسم البلاد إلى دار إسلام ودار كفر، يأتي هذا المؤتمر في إطار مساعي الأنظمة التي تقف خلف هؤلاء العلماء لسحب البساط أو الغطاء الشرعي عن الحركات الإسلامية الجهادية، وعن فكرة دار الإسلام ودار الكفر ومحاولة استبدالها بما أسموه بفكرة الدولة المدنية والتي يسودها التسامح الديني بحسب تعبيرهم.
واللافت للنظر في هذا الاجتماع أنه يأتي كحلقة من حلقات ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب وبات دور العلماء في هذه الحرب دوراً مفضوحاً.
والغريب أن هؤلاء العلماء-بعيداً عن مناقشة المسألة التي أثاروها من ناحية فقهية- ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا من أعوان السلاطين الذين تآمروا على الأمة وحاربوها في دينها، فوقفوا مواقف سياسية كسوها بلباس الدين، وسكتوا عن بيان الحق في قضايا يتعارض الموقف الشرعي فيها مع سياسة هؤلاء السلاطين.
فلم نر اجتماعاً لعلماء السلاطين يطالبون الجيوش والحكام بضرورة التحرك لنصرة الأقصى والقدس وفلسطين، وهم يشاهدون الأقصى ينقص من لب لبابه ومن أحشائه، مع العلم أن وجوب تحرك الجيوش لحماية المقدسات ولا سيما أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين لا خلاف عليه بين علماء الأمة قاطبة من المتقدمين والمتأخرين.
إن العلماء كانوا عبر تاريخ الأمة العريق هم مصابيح الدجى الذي ينير للأمة الدرب حين تدلهم بها الخطوب، لكن الزمان قد تغير وأبى ثلة من علماء هذا العصر إلا أن ينحازوا إلى جانب السلاطين فدخلوا عليهم وصدقوهم بكذبهم وأعانوهم على ظلمهم وسكتوا عن قول كلمة الحق لهم، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
إن الحق سبحانه قد أخذ ميثاق العلماء على أن يبينوا الحق للناس ولا يكتمونه (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) كما وصف العلماء الحقيقيين والذين هم على خطر عظيم بقولهم الحق ومجابهتهم للباطل بقوله سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وبقوله (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا) .
إننا نتوجه بنداء الناصح الأمين لعلماء الأمة الذين والوا السلاطين تحت مبررات واهية وذرائع واهنة أن يؤوبوا إلى رشدهم وأن ينحازوا إلى صف أمتهم وان يقوموا بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم فيقولوا الحق ويحاسبوا السلطان الجائر ويكافحونه كفاحاً سياسياً لا يخشون في الله لومة لائم ولا سطوة حاكم، ليكونوا مشاعل نور وهداية للأمة في ظل الظلمة الحالكة التي تخيم عليها، وليعلم علماء الأمة وهم على علم من ذلك وبينة أن وقفة الحق منهم لا يغني عنها غيرها وتراجعهم وتخاذلهم وموالاتهم لمن حارب الله ورسوله والمؤمنين عاقبتها وخيمة وعقابها عند المنتقم الجبار عظيم.
(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
1/4/2010