أفادت دراسة أعدها «المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية» في لندن، أن الولايات المتحدة قد تبدأ بخسارة موقعها على الساحة الدولية من دون مساعدة حلفائها في الخارج. وأكدت الدراسة أن اعتماد الرئيس الأميركي باراك اوباما على الجهات الخارجية سوف يتزايد شيئا فشيئا، لعدم توافر بدائل أخرى.

مضيفين أن الصراع الأميركي مع المتمردين في العراق وأفغانستان أظهر حدود القدرات العسكرية الأميركية، بينما زعزع شبه انهيار الأسواق المالية العالمية الأسس الاقتصادية التي تقوم عليها هذه القدرات. و«من الواضح أن الحصة الأميركية من «السلطة العالمية» في تدن، مهما كانت طريقة قياسها»
أما عن الإستراتيجية الأميركية في أفغانستان، فيقول رئيس «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» جون شيبمان إن «الموازنة بين مواصلة استخدام القوة العسكرية، والتفاوض على التنازلات السياسية، ستكون واحدة من المهام الأكثر تعقيدا التي تواجه قوات التحالف في أفغانستان»، ويضيف شيبمان إن «هذه المهمة لن تنفذ إلا إذا ساهمت روسيا، وآسيا الوسطى، والهند، والصين في النقاشات وصناعة القرارات بشكل أكبر».
من جهته، قال مدير مركز دراسات «شاتهام هاوس» البريطاني، روبن نيبليت إنتنامي نفوذ الصين، والهند، وروسيا والاتحاد الأوروبي، قد صعّب على الولايات المتحدة ممارسة نفوذها»، معتبرا أن «الولايات المتحدة تبقى الأمة الأقوى في العالم، لكنه من الصعب عليها أن تمارس قوتها وتؤثر في الآخرين»
****
هذه هي حقيقة الأمور كما يدركها المفكرون والباحثون والسياسيون، وتلك هي النهاية التي باتت حتمية لأمريكا بحسب كل التقديرات والدراسات والحقائق، وهذا التقرير لم يأت بشيء جديد سوى أنه يكشف شيئا من المستور عن أعين العامة ومن أعماهم الله عن رؤية حقائق الأمور بعد أن غرتهم قوة أمريكا وحضارتها الفاسدة.
فمن جانب، هذه الدراسة تؤكد على حقيقة أزمة أمريكا التي تعاني منها سياسياً واقتصادياً وعسكريا وقبل ذلك كله، أزمتها الحضارية. حضارتها التي أكلت الأخضر واليابس، ولم ترحم فقيرا أو ضعيفا أو معدوما، فسحقت البشرية وأورثتها الضنك والشقاء، فإن نظرت يمنة أو يسرة ترى البؤس والحزن والشقاء ماثلاً حيثما يقع بصرك، لا فرق في ذلك بين بلاد المسلمين أو البلاد الرأسمالية، فكلهم باتوا في البؤس شركاء وإن اختلفوا في المستويات.
ومن جانب أخر، فإن هذه الدراسة لم تلق الضوء على الضعف الذي يعتري كل البلاد الرأسمالية سواء كانت بريطانيا أم فرنسا أم ألمانيا أم روسيا أم الصين، فالضعف والتراجع لم يصب أمريكا فحسب، بل قد أصاب كل الدول الغربية، فاقتصادها الوهمي انهار أو كاد، وقوتها العسكرية فضحت في العراق وأفغانستان والشيشان وتركستان الشرقية. وإن تفاوتوا في سرعة الانهيار إلا أنهم كلهم قد أصابهم المصاب نفسه.
ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا بأنّ هذا الانحطاط الفكري الذي تعاني منه أمريكا ودول الغرب كلها هو نتاج حضارتهم وأفكارهم، فليس الأمر طفرة في سجل المبدأ الرأسمالي، ولا هو نتاج غباء بوش أو عنجهيته مثلا. وليس الإفلاس المالي والأزمة الاقتصادية نتاج جشع المستثمرين أو بعض أصحاب رؤوس الأموال أو بعض الأخطاء المؤقتة، كما حاولوا إيهام العالم بذلك، بل كل هذا هو من صلب مبدئهم، وجوهر عقيدتهم وأفكارهم. وهو إن دل على شيء فإنّما يدل على أفول نجم الرأسمالية وقرب زوالها بعد أن سقط القناع الذي كان يسترها. قال تعالى :{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }. الرعد17
وما حرص أمريكا على الاستعانة بحكام العرب والمسلمين والتقرب إلى العالم الإسلامي، والاستماتة في إنجاح الانتخابات في أفغانستان، والحكومة في العراق، والاستعانة بأوروبا، ما كل ذلك إلا محاولة للتخفيف من سرعة انهيارها أو إيقافه. وليست أوروبا بأحسن حال من أمريكا.
وكل هذا إنّما يمهد للمارد القادم، وللحضارة العائدة لتصدر العالم، وللدولة التي ستطيح بكل أصنام الرأسمالية ودولها، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تملك حضارة لا تضاهيها حضارة، لترتقي بالبشرية الارتقاء الحقيقي، وتأخذ بيدها إلى سعادة والدنيا والآخرة.
19-9-2009