تعليق صحفي

القادة يحررون البلاد بالسلاح ... ولا يحرّرون القرارات الباطلة بالانبطاح

 

يكرر رئيس السلطة الفلسطينية عبّاس مسعاه فيما تصوره ماكينة الإعلام السلطوية كأنه "هجوم دبلوماسي" من أجل "تحرير مرسوم" أممي يحوّل اسم السلطة الفلسطينية إلى اسم دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، فيما يحافظ على واقع السلطة تحت الاحتلال على حاله. وقد حرّكت السلطة رجالاتها ومن يتحركون بفلكها لإخراج مشهد التأييد لعباس.

إن العارف بتاريخ منظمة التحرير الفلسطينية يبصر بوضوح كيف ظلّ قادتها يُدحرجون القضية في منحدر سحيق من التخاذل والتنازل وتقزيم القضية، ومن ثم تتواقح وهي تحاول تصوير هذا الانبطاح على أنه كفاح، بينما تشهد أدبياتها "التاريخية" على بطلان مشروعها، وتَحكُم كلماتُها القديمة على خيانة مسيرتها، كما يؤكد بيانها الأول الذي أصدرته اللجنة التنفيذية للمنظمة عام 1965، والذي قالت فيه "تسعى الحركة الصهيونية والاستعمار وأداتهما إسرائيل إلى تثبيت العدوان الصهيوني على فلسطين–بإقامة كيان فلسطيني في الأراضي المحتلة بعد عدوان 5 حزيران ... إن مثل هذا الكيان المزيف هو في حقيقة حاله مستعمرة إسرائيلية، يصفّي القضية الفلسطينية تصفية نهائية لمصلحة إسرائيل".

إذا كان هذا وصف الكيان في حدود 1967 عند منظمة التحرير، فكيف يكون وصف السعي "لتحرير قرار لاسم دولة تحت الاحتلال"؟

إن منظمة التحرير الفلسطينية التي تعاقبت جرائمها في تأسيس مشروع أمني يحمي الاحتلال وترسيخ مؤسسات خدماتية تجعله رخيصا، تضيف اليوم جريمة اختزال مفهوم "الدولة" لتكون على الورق، وجريمة التآمر على وعي الأمة، وعلى تحريف ثوابتها الراسخة بتحويل المعركة عن التحرير العسكري بالجهاد إلى المعارك القانونية على الورق وإلى الجولات الدبلوماسية في المحافل الدولية، وخصوصا وهي تحرّك المشاهد الشعبية لتمرير هذه التصفية للقضية.

ولقد أثبتت الأحداث المتعاقبة أن ما تضلل به قيادة السلطة والمنظمة حول القضايا القانونية هو سراب يحسبه الظمآن ماء، وقد عاين الناس كيف ظلت "إسرائيل" تتمرد على القرارات الدولية وعلى المحاكمات والتقارير القانونية؟ ومنها تقرير جولدستون حول الحرب على غزة عام 2008-2009، بل لقد كشفت التسريبات التي نشرتها الجزيرة أن عبّاس كان مشاركا في تنسيق العدوان اليهودي في حينه، فكيف يكون الخصم محاميا؟وكيف يفوّضه اليوم من اتهمه قبل سنوات؟

ثم هل يمكن لعاقل يقرأ بيان المنظمة الأول ثم يصدّق قادتها من جديد؟ بل يقف في الشارع الفلسطيني يصفّق لرئيس اكتسب صفة الكرازاي بجدارة بعدما ظل يدحرج قضية فلسطين، بينما يحاول أن يعيش حالة من البطولة الواهمة أمام حركة كانت قد خوّنته واتهمته بقتل زعيمها الراحل. 

من المؤسف أن ما تسمّى بالقيادات المحلية والرموز الفصائلية وهي تقف في الشوارع تعلي الصوت للمطالبة بدولة تحت الاحتلال تعيش حالة من مخادعة للنفس، أو النفاق السياسي، وهي تسهم في تسخيف النضال وتسطيح الكفاح، وفي تمكين عباس من تمرير جرائمه التي لن ينساها التاريخ ولن تنساها الأمة.

والأبشع من ذلك أن تضع قادة فصائل المقاومة بصمتها فوق سجل هذه الجرائم، وتبدي تأييدها للرئيس في مسعاه الباطل، لتكون شاهدة زور على جرائمه المتتابعة، وكان الأولى بها أن تتوقف عن الحديث عن إصلاح كيان المنظمة والدخول فيه، وهو كيان ضرار وتضليل أسس لتصفية القضية، وأن تتوقف عن الدندنة حول مشروع دولة في حدود 1967.

"يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ"

2-12-2101