تعليق صحفي

لا يمكن التخلص من الفساد إلا بالتخلص من الرأسمالية والاستعمار

 قال مدير منظمة النزاهة المالية العالمية ريموند بيكر إن مبالغ فلكية من الأموال غير المشروعة ما زالت تتدفق من العالم النامي إلى ملاذات ضريبية في الخارج وبنوك في الدول المتقدمة. وأضاف أن الدول النامية تنزف المزيد والمزيد من الأموال في وقت تكافح فيه الدول الغنية والدول الفقيرة على السواء لتحفيز النمو الاقتصادي، وأن هذا التقرير ينبغي أن يدق ناقوسا لتنبيه زعماء العالم إلى أنه يتعين عمل المزيد للتصدي لهذه التدفقات الضارة.

إن الفساد المستشري في دول العالم بشكل عام، وفي الدول "النامية" على وجه الخصوص، مردّه إلى النظام الرأسمالي المتحكم في العالم، والطغم الحاكمة التي نشأت على الفساد، والتبعية للغرب المستعمر؛

أما النظام الرأسمالي، فهو نظام لا يقيم وزناً سوى للقيمة المادية، ويطلق العنان للمرء -تحت غطاء حرية التملك- لانتهاج الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة لتحصيل المال وحيازته ولو كان ذلك على حساب قوت الفقراء وحاجتهم، ولو كان ذلك عبر التجارة بالممنوعات أو البشر، ولو كان ذلك عبر السرقة والاحتيال! وهو ما انتج "مافيا" حاكمة تتكون من كبار الرأسماليين، في أمريكا والدول الغربية، تسخر الدولة لمصالحها الخاصة وتستعمر العالم لنفس الغرض.

أما الطغم الحاكمة، ولا سيما في الدول النامية وفي بلاد المسلمين على وجه الخصوص، فهم نواطير للغرب الكافر المستعمر، نشأوا على الفساد والسرقة، وهم ليسوا من جنس الأمة ولا يشعرون بشعورها وليسوا أمناء على ثرواتها وأموالها، بل إنهم رأوا في مناصبهم وسيلة للسرقة ونهب الأموال والغنى الفاحش لقاء الخدمات القذرة التي يؤدونها لأسيادهم في واشنطن ولندن وباريس ومنها سكوتهم عن سرقة هؤلاء لثروات البلاد، ولعل في ثروات الهارب ابن علي، والهالك القذافي والمسجون مبارك والطريد ابن صالح، لعل في ثروات هؤلاء الباهظة وبذخ قصورهم وحساباتهم البنكية وامتلاكهم للمليارات المنقولة وغير المنقولة شاهد متواضع على فساد الطغم الحاكمة التابعة والعميلة للغرب.

أما الاستعمار، فهو يغرس أنيابه الزرقاء في قلب بلاد المسلمين الفائضة بالخيرات والثروات، فيسرق أموالها دون رقيب أو حسيب من قبل الحكومات والأنظمة التي تدين له بالولاء، ليزداد كبار الرأسمالين لديه غنى وتتضخم أرصدتهم البنكية في الوقت الذي لا يجد فيه أهل البلاد أصحاب الثروات لقمة يقيمون بها صلبهم.

إن الحديث عن الفساد في زماننا هذا يعني الحديث عن الرأسمالية والاستعمار، وبغير التخلص من النظام الرأسمالي وقلع نفوذ الاستعمار من بلادنا، سيبقى الفساد مخيماً على حياة الناس ولن يعيشوا حياة كريمة.

إن في النظام الإسلامي العدل والحياة الكريمة، عدلاً يجعل الحاكم يؤثر الرعية على أهل بيته، ويجعل من الحاكم أباً للعيال ويسهر على توفير الحياة الكريمة للناس وحتى على تمهيد الطرق لدوابهم مخافة أن يحاسبه الله على ذلك، عدلاً يحاسب كل مسيء بما يستحق، لا أثرة فيه ولا ظلم ولا محاباة.

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(

18-12-2012