تعليق صحفي

مصر وإيران ... الإسلام شعار ... والسياسة أمريكية

غادرت مطار القاهرة، السبت، أول رحلة طيران بين العاصمة المصرية وطهران للمرة الأولى منذ 34 عاما (سكاي نيوز 30-3-2013)، وتداولت وكالات الأنباء خبر مرور سفينة محملة بالأسلحة الإيرانية عبر قناة السويس لسوريا (العربية نت 30-3-2013). ورغم تشكيك بعض المصادر المصرية بمرور السفينة، إلا أنها أكدت أن "القناة لا يمكنها منع عبور أي من السفن التي تحمل على متنها أسلحة طالما بيننا وبينها علاقات" (الوطن 31-3-2013).

ليست هذه المرة الأولى لمرور شحنة من السلاح لسوريا عبر قناة السويس، فقد سبق أن ناشد ثوار الشام أهل الكنانة أن يمنعوا مرور سفينة أسلحة سابقة، ولكن النظام المصري أصر على الجريمة، وعلّقت في حينها بعض صفحات الثورة (مثل صفحة الشهيد السوري الطفل حمزة الخطيب) بالقول أنها "تشعر بالأسف لأنها علّقت يومًا آمالاً على الرئيس المصري في نصرة الثورة السورية". ولكن الغطاء السياسي للنظام صرّح في حينها مدافعا ومبررا للجريمة -من خلال قيادي في حزب الحرية والعدالة- بالقول إنه "ليس من حق مصر أن تمنع أي سفينة من المرور في قناة السويس، إلا إذا كانت تابعة لدولة في حالة حرب معلنة مع مصر" (الشروق 29-7-2012)، وهو بذلك يكشف عن منطق تمزيق الأمة، إذ إن مصر -في نظام ما بعد الثورة- لا ترى العدوان على المسلمين عدوانا عليها، وهو منطق مفضوح عندما يتعلق الأمر بالعدوان على اليهود في سيناء، الذي اعتبرته مصر عدوانا سافرا عليها يهدّد أمنها القومي، فتصدت للجهاديين فيها بالقتل والتنكيل!

وتتزامن عودة حركة الطيران هذه التي تشير إلى انفتاح سياسي بين النظامين، مع خبر عبور سفينة الأسلحة الذي يشير إلى دعم لوجستي يقدمه النظام المصري للجيش الإيراني في مشاركته الحرب على المسلمين في الشام، ويأتي هذان الخبران مكمّلين لتأكيد الرئيس المصري في مؤتمر الدوحة قبل أيام على ترويج اللجنة الرباعية التي اقترحها حول "الأزمة" في سوريا، والتي دعا فيها لجعل إيران المجرمة جزءا من الحل، وبذلك يكتمل ثالوث التآمر المصري على ثورة الشام بدعم سياسي فوق الدعم اللوجستي والانفتاح مع أعداء الثورة.

وهنا لا بد أن يبرز تساؤل في عقول وقلوب المسلمين في أرض الكنانة: هل يمكن لهذا النظام المتأسلم أن يدعي أنه يعبّر عن ثورة مصر ضد الهيمنة الغربية وضد عملاء أمريكا فيها؟ وهل ثمة تغيّر تحرّري ولو قيد أنملة بعيدا عن المصالح الأمريكية وإملاءاتها؟

إن الوقائع تشير بوضوح إلى أن النظام المصري لم يخرج عن تبعية أمريكا، بل إن أمريكا تنجح اليوم في ركوب الحاكم، وفي امتطاء شعاره الإسلامي لتمرير مخططاتها العدوانية على الأمة، مما يعطيها فرصة أكبر وخصوصا وهي تجد المخدوعين من المسلمين من الذين يبدون الاستعداد للدفاع عن كل انبطاح للنظام المصري، حتى لو شارك في قتل المسلمين في الشام بتمرير السلاح، تماما كما نجحت من قبل بعد الثورة الإيرانية تحت الشعار نفسه، وهي التي تمخضت عن نظام إيراني عميل اشتبك مع المسلمين في العراق لسنوات طوال تحت شعار الإسلام، فيما تخاذل عن التصدي لأمريكا وهي تقصف المسلمين من فوقه في أفغانستان ومن تحته في العراق.

إن هذا الاستغباء السياسي الذي يمارسه الحكام تحت شعار الإسلام مكشوف لكل من يحمل بقية من وعي، وهو مفضوح لمن يقرر أن يضع حدا لحالة تقديس السياسيين ممن يريدون استعباد الناس بمظهرهم الملتحي، بدل أن يكسبوا الأمة بأفعالهم العظيمة.

ماذا كان يمكن للرئيس المصري السابق أن يفعل وأن يخدم أمريكا أكثر من النظام الحالي؟ أما الفرق في الحاليين، فإن النظام الحالي يستطيع تجنيد جهات "إسلامية" تغطّي على جرائمه بدعوى مصلحة الدعوة، وتزوّده بالفتاوى التي تحافظ لأمريكا على نفوذها، وهذا النظام المتأسلم يُخرج تلك الجهات الإسلامية من مواجهة هذه السياسات لو تمت من قبل النظام السابق، إذ لملأت الشوارع حينها مليونيات ضده!

إنه التجسيد العملي لجعل الثورة في حضن الاستعمار، وهو التعبير الميداني عن ارتهان النظام المصري المتجدد تحت شعار الإسلام بأمريكا ومصالحها، مهما طبّل المنخدعون به ومهما نافح المبررون له، ومهما انتظر المقدسون لرئيسه من فرص.

ويبقى السؤال قائما: ما الذي صنعته ثورة مصر من جديد في دعم قضايا الأمة بل حتى في تغيير واقع التبعية في مصر؟

 

3-4-2013