تعليق صحفي

نماذج من الرعاية بين الديمقراطية والإسلام!

 

ذكرت الجزيرة نت (30/9/2013) نقلا عن صحيفة "صنداي ميرور"  أن أكثر من 1200 مريض مُقعد يعانون من صعوبات في التعلم، يموتون في المستشفيات البريطانية كل عام نتيجة الإهمال. ونسبت الصحيفة إلى مواطنة بريطانية فقدت ابنتها عن عمر ناهز 21 عاما، قولها "إن كلبها نفق بطريقة أفضل من وفاة ابنتها" نتيجة الإهمال.

وفي سياق متصل، نشر موقع إخباري ايرلندي (The Irish Timesفي 25/9/2013) خبرا مفاده أن ظاهرة الناس بلا مأوى تعيش أسوأ أوقاتها (في ايرلندا) ونسب إلى مسئول في مؤسسة خيرية قوله إن الاختراق الوحيد في مواجهة تلك الظاهرة يعود إلى المؤسسات (غير الحكومية)، ولكن المسئول شبّه مستوى تلك الجهود الطوعية "كالثقب الذي يحدثه التبول في الثلج" (a pee-hole in the snow).

 

لا شك أن مثل هذه الأخبار تصعق المخدوعين والمضبوعين بالإفرازات السياسية والفكرية للعالم المتمدن، وهي معبئة بريح الإفرازات البشرية الناتجة عن المرض والتشرد في الشوارع بلا مأوى. وهنا يبرز السؤال الجوهري أمام الغرب الذي يمتلك التكنولوجيا والكوادر الطبية، ويتفاخر بأنظمته السياسية ويروجها للأمة الإسلامية:

ما قيمة الأنظمة السياسية إذا لم تحقق معنى السياسة الرعوي بأنها رعاية شؤون الناس ومصالحهم؟!

 

وهنا يهوي نموذج الدولة المدنية بعقليته الرأسمالية، وهنا يجب أن يتوقف اللهث خلف نظامها الديمقراطي الذي أعفى الدولة، كحالة ايرلندا هنا، من المسئولية الرعوية الجبرية تجاه المواطنين، بل طالب كل فرد منهم أن يستمر في الركض حتى يأكل أو يعيش، تماما كصورة المثال المتداول في بعض الأدبيات: أن الأرنب يجب أن يركض أسرع من الأسد حتى يعيش، وأن الأسد يجب أن يركض أسرع من الأرنب حتى يأكل!

وعلى نقيض هذه الصورة الوحشية في التدافع الحيواني من أجل العيش، نجد أن الإسلام جعل الحاكم مسئولا عن رعيته، فألزم الدولة بالرعاية، وتأمين الأساسيات وما تتمكن من كماليات لكل فرد من أفراد الرعية، كما يسطّر مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعده حزب التحرير، والذي نصّت مواده صراحة على ذلك، كالمادة 125: "يجب أن يُضْمَنَ إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فرداً فرداً إشباعاً كلياً. وأن يُضْمَنَ تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع"، ومن ثم ضمنت المادة 156 تغييب ظاهرة العيش بلا مأوى بالنص: "تضمن الدولة نفقة من لا مال عنده ولا عمل له، ولا يوجد من تجب عليه نفقته، وتتولى إيواء العجزة وذوي العاهات". ومن ثم ضمنت للجميع الرعاية الصحية حسب المادة 164 بالنص "توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجاناً للجميع، ولكنها لا تمنع استئجار الأطباء ولا بيع الأدوية".

 

وهنا تتضح المقارنة بين المبدأ الديمقراطي-العلماني الذي جعل تأمين العيش والخدمات الأساسية مسئولية الفرد لا الدولة، وبين نظام الإسلام الرباني الذي جعل الحاكم مسئولا عن كل ذلك من خزينة الدولة، وهي عامرة بما يفد إليها من عوائد الملكيات العامة من البترول والمعادن الثمينة التي تستخرج من باطن الأرض، ومن مقدرات الأمة التي تنهب اليوم من قبل الحكام، وتُسلب ضمن سياسات الخصخصة واحتكار الاستخراج للشركات الرأسمالية العابرة للدول والشعوب!

 

ومن أجل هذه المسئولية الرعوية الإلزامية في الدولة الإسلامية تغييب المؤسسات غير الحكومية (وهي التي وجدت مبرر وجودها في المجتمع الديمقراطي عندما قصّرت الدولة المدنية عن هذا الدور)، بل إن تلك المؤسسات تمنع من أن تنافس دولة الخلافة على أداء واجبها، "فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (رواه البخاري ومسلم).

وتوفر الدولة الإسلامية ما يلزم من مستشفيات وتكنولوجيا طبية لتلبي احتياجات رعاياها، إضافة للكوادر البشرية الذين يقومون بواجباتهم الطبية برضا ذاتي، وبدافع الأجر الأخروي قبل الأجر الدنيوي، وخصوصا أن الإسلام ألزم الدولة تجاههم بالتعليم المجاني، وهي تضمن لهم الدخل المناسب. بينما يُلاحظ أن تنشئة الكوادر الطبية في المجتمعات الغربية هي أقرب للاستثمار في ظل غلاء التعليم والرسوم الباهظة في الجامعات المرموقة، مما يجعل الطبيب ينظر لمستقبل مهنته كاستثمار يجب أن يعود عليه بأكثر مما دفع أضعافا.

 

وخلاصة القول: شتان بين أنظمة الجباية الغربية التي تقوم على نهب أموال الناس عبر الضرائب الباهظة ولا تلتزم تجاههم بأساسيات الحياة والخدمات، وبين نظام الخلافة الذي يحرّم المكوس والضرائب وفي الوقت نفسه يلزم الدولة بالرعاية الكاملة لكل من قصرت به السبل. فأي جريمة يرتكبها أولئك الذين يحاولون إعادة إنتاج نموذج الحكم السياسي الغربي الفاشل والباطل؟

"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"

3-10-2013