تعليق صحفي

وقفة مع أسباب الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا

تسلط العديد من وسائل الإعلام مؤخرا الضوء على الأوضاع الداخلية في ليبيا والتي تتصف بالفوضى وعدم الاستقرار وصل إلى درجة استباحة الدماء وإزهاق الأرواح في الشوارع من كلا الطرفين، وهو مشهد يتكرر منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011، وانهيار الجيش الليبي، حيث تشهد البلاد اضطراباً أمنياً وسياسياً شديداً، خاصة مع سيطرة الجماعات المسلحة، التي كانت تقاتل القذافي على عدد من المناطق، وتكليف الحكومة لبعضها بمهام أمنية؛ ما أظهر تضاربا في الاختصاصات والمهام في بعض الحالات بين الأجهزة الحكومية وبين تلك الجماعات. وتحاول الحكومة الليبية السيطرة على الوضع الأمني المضطرب في البلاد؛ جراء انتشار السلاح وتشكيل ميليشيات تتمتع بالقوة ولا تخضع لأوامر السلطة الجديدة، التي تشكلت في البلاد بعد سقوط نظام القذافي.

لم تهدأ الأحوال في ليبيا منذ سقوط الطاغية القذاقي عام 2011، ولذلك عدة أسباب عامة وأخرى خاصة ببعض الأحداث والمناطق والناحية القبلية والولاءات القديمة، ولكن هذه الأسباب الخاصة بسيطة من حيث أثرها مقارنة بما تسببت به الأسباب العامة من اتصاف المشهد الليبي كله بالفوضى وانعدام الاستقرار والدموية.

ومن هذه الأسباب العامة:

1-لقد حرص الغرب الكافر، أمريكا وبريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص، على إبقاء البلدان التي حدثت فيها ثورة كتونس ومصر واليمن وليبيا تحت سيطرته ونفوذه حتى إن لزم ذلك تغيير بعض الوجوه أو اقتسام النفوذ فيما بينهم (الغرب)، ولكن المهم كان بالنسبة للغرب هو ألا تخرج البلاد عن تبعيتها لهم، وذلك من خلال الإبقاء على الفكر العلماني الرأسمالي الديمقراطي وعلى الرجالات والتشكيلات الأمنية والوسط السياسي ما أمكنه ذلك. ولذلك نجد أنّ التغيير في هذه البلدان الأربعة لم يتعد الشكليات وبعض الشخصيات والمسميات، في حين أبقى على النظام كفكر وهيكلية، وعلى الكثير من التشكيلات الأمنية والوسط السياسي، لذلك كان طبيعيا ألا يتمخض عن هذا التغيير أي أثر يلمسه المسلمون والثوار على نحو يحقق ولو جزءا يسيرا من طموحاتهم في التغيير والتي كانت جزءا من ثورتهم على الأنظمة.

2-بناء على خصوصية كل بلد من هذه البلدان الأربعة بدأ الثوار في كل واحدة يتعاطون مع الواقع الجديد، فدخلت مصر في نفق مظلم وساحات تحريض واقتتال بين طرفي النزاع اللذين تشكلا مؤخرا (الإخوان والمعسكر القديم)، وتواصلت الأحداث بالغليان في تونس، سياسيا وفكريا وأحيانا عسكريا، وبقيت اليمن على فوهة بركان الاضطرابات والمظاهرات العارمة، وفي ليبيا كان المشهد أكثر دموية لخصوصيتها من حيث بقاء السلاح بيد قسم كبير من الثوار الذين لم يقبلوا التخلي عنه حتى يطمئنوا على تحقيق مطالب الثورة.

3-من الواضح أنّ هناك مؤامرة كبيرة تُدار ضد الثوار والكتائب المسلحة من قبل الحكومة وأسيادها في بريطانيا ومنذ اليوم الأول من إسقاط القذافي، فبريطانيا وأدواتها في ليبيا أدركوا ومنذ الأيام الأول ما بعد سقوط القذافي أنهم وقعوا في مشكلة كبيرة من حيث قدرتهم على احتواء الثوار بعدما تيقن الثوار أنهم أصحاب القوة والقدرة على التغيير، وبعد أن أعلنوها صراحة أنهم لن يسمحوا بأن يحكموا بقذافي جديد ولن يسمحوا أن تضيع دماؤهم هدرا، وكان قد تشكل لدى الكتائب والثوار مشاعر إسلامية استشهادية إبان ثورتهم على الطاغية ساعدهم ذلك على الإصرار والتصميم لتحقيق المطالب، ولأن برنامج الحكومة وأسيادها في بريطانيا ما هو إلا إعادة استنساخ للنظام القديم وقع الصدام، ودخلت الحكومة في صراع مرير لمحاولة فرض السيطرة وإحكام القبضة على الشعب وبطرق متعددة، بالترغيب والوعود ومحاولات الاحتواء تارة، وبالترهيب والوعيد وإراقة الدماء تارة أخرى.

4-ومع عدم انتفاء أن تكون هناك أطماع شخصية لبعض قادة المليشيات والكتائب، إلا أنّ المحرك الأساس والرئيس يبقى هو شعور الناس بعدم حدوث تغيير، ومشاهدتهم وصول حفنة من الرجالات إلى الحكم ليسوا أهلا للتغيير ولا توجد عندهم نية لإحداثه.

والحقيقة أنّ الأمة لن تلمس التغيير الحقيقي ولن تجده إلا إن تمكنت من إسقاط الأنظمة القديمة بكامل مكوناتها، فكرها ورجالاتها وهيكلياتها وولاءاتها، فالتغيير لن يحصل بمجرد الإطاحة بالرؤوس فحسب، أو تغيير بعض الأمور الشكلية، بل يجب أن يتم إسقاط الفكر الديمقراطي العلماني وكل هيكليات الدولة السابقة الأمنية والسياسية، والإطاحة برجالات الوسط السياسي والأمني والفكري السابقين، وكذلك خلع النفوذ الغربي من جذوره من البلاد، ليحل محل كل ذلك نظام الحكم بالإسلام (الخلافة)، بفكر الإسلام وعقيدته وأجهزة الدولة في الإدارة والحكم، ورجال حكم مخلصين أتقياء، وولاء كامل للأمة ودون أدنى سلطان للغرب.

21/11/2013