تعليق صحفي
السلطة الأمنية تجبي الأموال وتقمع الناس بينما تتقاعس عن تأمين متطلبات سلامتهم وصحتهم!

شهدت مدينة الخليل حادث حريق مأساوياً استشهد فيه ثلاثة أطفال من عائلة القواسمي وأصيب فيه آخرون، وكشفت الوقائع الميدانية عن عدم التمكن من السيطرة على الحريق وإنقاذ الأطفال، مع غياب الحضور الميداني لأجهزة السلطة الأمنية في مواجهة الموقف. وسيطرت مشاعر الحزن العميق والاستنكار على أجواء المدينة.
إن هذه الحادثة ومثيلاتها تكشف عن مدى تقاعس السلطة الفلسطينية عن رعاية أهل فلسطين، وعن بطلان الشعار الذي رفعه مروجو "المشروع الوطني" عند انطلاقه بأن السلطة الفلسطينية ستكون "سنغافورة الشرق الأوسط"، وعن بطلان الحديث الزائف عن وعود مالية من القوى الدولية التي فرضت مشروع حل الدولتين.
وهي أيضا تفضح أجندات كافة الجهات الدولية المانحة التي تسهر على دعم مشروعات التخريب الثقافي من مثل الجندرة وما تدّعيه من حقوق المرأة والطفل عبر توفير المال السياسي الوسخ، بينما لا تولي ما يوجبه الأمر من اهتمام في تأمين متطلبات السلامة والصحة العامة.
ومن المعروف أن البيانات المالية للسلطة الأمنية تكشف عن أن ما يزيد عن ثلث موازنتها موجهة للأجهزة الأمنية، وطالما أن جهاز الدفاع المدني هو أحد أفرع الأجهزة الأمنية، فأين نتائج تلك الموازنة في حماية أرواح الناس؟ ثم هل نسي الناس كيف هبّت أجهزة الدفاع المدني للمساعدة في إطفاء الحرائق التي اندلعت عند اليهود قبل أعوام؟
إن الجواب يؤكد أن الأمن المقصود عند قادة السلطة هو أمن الاحتلال اليهودي لا أمن أهل فلسطين. وهو ما يلحق العار بالمشروع الوطني الفلسطيني‬ وقادته ومروجيه، لأنه مشروع في خدمة الاحتلال لا في خدمة الناس تحت الاحتلال. وإن المشاهد الملموس أن السلطة متلبسة في "مكافحة الإرهاب" الذي يهدد أرواح جنود الاحتلال اليهودي ومستوطنيه، بينما لا تنشغل بمكافحة الحرائق التي تحصد أرواح أطفال فلسطين لتؤكد المؤكد من أنها مشروع أمني يقوم على الجباية لا الرعاية.‬
ولذلك يجب أن ينصب غضب الناس على السلطة وقادتها، لا أن تتركز وتنحصر ردة الفعل تجاه دوائر إدارية وموظفين إداريين، فالقضية قضية سياسة تنتهجها السلطة وسوء رعاية منها بل اهمال.
إن الحاكم الذي يدرك أن الحكم رعاية وأمانة ومسئولية، ويستلهم التوجيه النبوي: "كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته"، يكون منطقه كمنطق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لو أن شاة عثرت في العراق لسئل عنها عمر"، ولكنّ أنّى لأشباه الحكام من أمثال كرازاي فلسطين، أن يتحدث في نفسه لو أن طفلا قتل في الخليل نتيجة إهمال السلطة لسئل عنه؟!.
وإنه لحقيق على من يطالب القائمين على الجهات الخدماتية بالاستقالة في تحمل المسئولية، أن يبدأ بمطالبة قادة السلطة والمشروع الوطني بالاستقالة من العمل السياسي، مع طلب العفو من الناس، لا أن يكون المدراء أكباش فداء للساسة المتآمرين.
رحم الله شهداء عائلة القواسمي من الأطفال الذين قضوا في الخليل في حريق عجزت موازنة السلطة الأمنية عن التصدي له، وندعو الله أن يلهم أهلهم الصبر والسلوان، "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ".
26-2-2015