الاهتمام بدعم المؤسسات النسويَّة في فلسطين.. لماذا؟!!

فيما يلي مقال للكاتبة مها عبد الهادي نشر على موقع أون اسلام نت نورده للقراء الكرام للفائدة والاطلاع.

والمقال يتساءل عن حقيقة الدعم الغربي المشبوه للجمعيات النسوية وأهدافه.

نص المقال:

منذ التوقيع على اتفاق أوسلو في العام 1993 بدأت وتيرة النشاط النسوي في فلسطين في التزايد بشكل بات يفوق التوقعات، ويتجاوز مختلف النشاطات الاجتماعية والسياسية الأخرى. وبدأ انتشار هذه المؤسسات يتسع ليشمل مختلف المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، بأوجه النشاط المختلفة؛ الصحية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية..

النشاط النسويّ في فلسطين

واللافت للنظر والنقاش ليس تزايد النشاط بحد ذاته، فلا يمكن لأحد أن يقول: إن الدور النسوي وهذا النشاط غير مقبول طالما يجري في سياق ثقافة المجتمع وأولويّاته. لكن اللافت للنظر حقا هو ذلك العدد الكبير من الجمعيات والمنظمات النسوية التي تقوم على هذه الأنشطة، ومن اللافت كذلك -أكثر- هو الدعم الأوروبيّ والدوليّ السخي للنشاط النسوي. لذلك فقد أصبح موضوع المرأة بجوانبه المتعددة هو حديث الساعة، وأصبحت النشاطات النسوية على درجة من الاهتمام لدى المجتمع بأسره كموضوع تُثار حوله التساؤلات.

وربما يكون مكمن هذه الخطورة هو أن موضوع المرأة بمؤسساته وجمعياته المختلفة بات يأخذ حصة وافرة من حجم المساعدات الدولية المخصصة للأراضي الفلسطينية على حساب القطاعات الأخرى. فقد حصلت الجمعيات والمؤسسات النسوية ـ التي يبلغ عددها على سبيل المثال (1200) من مجموع (1800) مؤسسة غير حكومية أخرى، مشاركة مع مؤسسات حقوق الإنسان ـ على مبلغ (68.9) مليون دولار من أصل (1527) مليون دولار تم دفعها في الفترة بين أيلول/سبتمبر 93 وآذار/مارس 97 حسب التقرير الاقتصادي الفلسطيني الصادر في حزيران/يونيو 1997، وهذا يعني أن حوالي (5%) من إجمالي المعونات الدولية وُجهت لهذا الموضوع فيما لم يخصص للمجال الزراعي والصناعي إلا مبلغ (24) مليون دولار أي أقل من (1.2%) من إجمالي المعونات. وتذهب 70%من أصول المبالغ المخصصة والممنوحة لهذه المنظمات والمراكز إلى المصاريف الإدارية (مكاتب، سيارات، أثاث، ضيافة، تذاكر سفر، حلوى، أجور الخبراء الأجانب، الرواتب العالية للمسئولات الكبيرات في هذه المؤسسات).

أجـسـامٌ بـلا عـمـل

في الفترة التي تلت أيلول (سبتمبر 1993) حولت النساء مراكز نشاطهن تجاه إقامة المزيد من المؤسسات غير الحكومية النسوية. وأصبحت هذه المنظمات غير الحكومية هي المكان الأكثر تأثيرًا في النشاط النسائي. ووجود هذه المنظمات ليس بالجديد على الساحة الفلسطينية. فقد وجد في الأراضي الفلسطينية -حسبما يذكر بحث موَّله برنامج الأمم المتحدة للتنمية عن المنظمات النسوية- أكثر من (174) منظمة حتى عام 1993، منها (34) في قطاع غزة، و(60) في القدس ومنطقة رام الله.

وهذه المنظمات النسوية كغيرها من التكتلات السياسية الفلسطينية، وعلى رأسها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية -الذي يضم في عضويته (55) جمعية نسائية- كثيرة إلا أن ما تقدمه على صعيد حقوق المرأة أقل بكثير من حجم التوقعات.

المنظمات النسوية في دائرة الاتهام

يثور جدل في المجتمع الفلسطيني حول المنظمات غير الحكومية عموما والنسوية بشكل خاص.. بالنسبة لدورها، ومصادر تمويلها، وأهمية وجدوى وجودها وما يرفع السؤال إلى درجة الإلحاح هو التعدد الملحوظ لهذه المنظمات في مجال الاختصاص الواحد. والمرأة والطفل مثال على هذا التعدد، والنتائج المتواضعة لجهد هذه المنظمات رغم طول سنين عملها؛ تزيد من هذا الإلحاح.

فهذه المنظمات غير الحكومية النسوية تتصرف بإمكانات وأموال مقدَّمة للشعب الفلسطيني، لهذا فإن مالها أساسًا هو مال عام، والمال العام لا بد وأن يخضع لضوابط تحميه من الهدر وسوء التصرف. فمن المعروف أن ملايين الدولارات تصل سنويًا إلى حسابات هذه الجمعيات الأهلية، والمعروف أيضًا أن هذه الحسابات لا تخضع للمراقبة والتدقيق، بل إن عددًا من هذه الجمعيات يتعامل بحسابات بنكية خارج البلاد، إضافة إلى أن المشاريع التي تنفذها هذه الجمعيات لا تخضع لرقابة سوى رقابة الجهة المانحة، بل إن عددًا كبيرًا من الجمعيات الأهلية العاملة في الأراضي الفلسطينية تعمل كجمعية لرئيسها!! والأخطر هو خضوع هذه الجمعيات لمبدأ العرض والطلب ومتطلبات السوق؛ فإن كان الممولون يطلبون جهات تعني بشئون الديمقراطية تشكَّلت عشرات الجمعيات منها، وإن كانوا يريدون جمعيات تتعلق بالمرأة؛ تشكل كم هائل منها، حتى أصبح لدينا المئات من هذه المراكز والجمعيات في شتى المواضيع.

وكما هو معروف فإن هوية هذه الجمعيات هي هوية الجهات المانحة، خصوصا وكالتي: الإنماء الأمريكية، ومؤسسة فورد وغيرهما. ويصف العديد من المراقبين ما يجري بأنه محاولة لربط المجتمع الفلسطيني بمختلف فئاته بسياسات الجهات المانحة أولا بما يخدم مصالحها، ويكرس وجودها ماديًا ومعنويًا.

أهـداف تـثير التساؤل

يرى العديد من الفلسطينيين أن سياسة التمويل التي تتلقَّاها مراكز ومؤسسات المرأة تثير حقيقة الكثير من علامات الاستفهام حول أهداف التمويل الخارجي المؤقت المقدم للشعب الفلسطيني، والذي كما يتضح له شروطه ومحدداته السياسية. فالمساعدات والقروض الممنوحة للفلسطينيين؛ سواء كسلطة أو كمنظمات حكومية هي ليست أكثر من مساعدات سياسية شكلية في جوهرها، هدفها الأساسي هو دفع ما يُسمى بمسيرة السلام المتعثرة، وهذه المساعدات والقروض لا علاقة لها أصلا ببناء البنية التحتية أو البنية الفعلية على الأرض، علمًا بأن القطاعات التي يتم اختيارها للاستثمار الأجنبي أو المشاريع المرشحة للتمويل تحددها أساسًا الدول المانحة بالاتفاق مع البنك الدولي وإسرائيل غالبا.

ومعظم المشاريع الممولة من الخارج -وضمنها مشاريع مؤسسات المرأة- تحتاج لكي تُنفَّذ إلى الموافقة من إسرائيل، خاصة وأن المرجعية الاقتصادية الحقيقية هي الدولة العبرية حسب الاتفاقيات الواقعة على الأرض. والأدهى من ذلك أن الأطر النسوية هذه تفتقر أساسًا إلى برامج عملية حقيقية تتعامل مع قضايا النساء في المجتمع الفلسطيني، وتركز هذه المؤسسات على قضايا شكلية كالعنف، والزواج المبكر.. وغيرهما من القضايا التي ليست في الحقيقة هي المشاكل التي تؤثر على حياة الأغلبية العظمى من النساء. والحقيقة التي تغيب عن عدد من هذه الأطر هي أن مجتمعنا الفلسطيني ذو بيئة ثقافية ودينية متميزة، فهو مختلف أصلاً عما هو في الغرب، وهو ما كان يتطلب منها تطوير مفاهيم وأدبيات ناتجة من هذا المجتمع وتراثه لمواجهة تغريب الحركة النسوية لا تعميقها. وتقول الناشطة النسوية "خلود المصري": إن الأطر النسوية المدعومة لا تخرج في وضع أولوياتها عن الالتزام بأولويات وثقافة الجهات المانحة لها من أجل استمرار الدعم المالي لها فحسب، وهي بالضرورة تختلف عن أولويات مجتمعنا الفلسطيني الذي لا يزال يحتاج إلى أساسيات في عملية التطوير، وإلى برامج نسوية موجهة ذات طابع خاص. وتقول الناشطة النسوية "ماجدة فضة": إن الظروف التي يمر بها الشعب الفلسطيني ـ حاليا باعتبارها ظروفا استثنائية في طبيعتها ـ تتطلب من الاتحادات جميعًا العودة بكثافة إلى ساحة العمل الوطني والاجتماعي فالاحتلال لا يزال يجثم على صدر الوطن، وممارساته تعمق من حالة التناقض بينه وبين الشعب الفلسطيني، وتدفع بها نحو الانفجار. وتضيف أن أساليب التضييق التي تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع الشعب الفلسطيني برجاله ونسائه كثيرة، وتتطلب من المرأة استعدادات استثنائية تغفلها الأطر النسوية حتى الآن.

مستقبل مجهول

إن هذه الفوضى في ظهور الجمعيات والمراكز النسوية، وغياب الرقابة على عملها وبرامجها ودخلها سيؤدي حتما إلى وضع خطير سيهدد العمل النسوي الفلسطيني وجهوده، بل سيهدد نسيج المجتمع الفلسطيني بأكمله إذا لم يتم وضع حد لتدخل الدول المانحة في تحديد أهداف هذه الجمعيات.