maqal121225

لم يكن مونديال كأس العرب حدثاً رياضياً عابراً، بل كان مناسبة سياسية فاضحة، مناسبة كشفت ما تحاول الأنظمة إخفاءه كل يوم. فقد رأينا كيف تتحرك الحكومات وتتسابق، وكيف تُسخَّر الأموال، وتفتح المطارات، وتُزيَّن الشوارع، وتُشعل المنصات، وكل ذلك من أجل مباراة! بينما لا تتحرك نصف هذه الهمّة عندما تُهدم البيوت في غزة، أو تُحاصر المخيمات، أو تغرق الخيام أو يدنس المسجد الأقصى صباح مساء.

كم هو مؤلم أن ترى صراعاً حقيقياً وهيجانا جماهيريا واهتماما إعلاميا على كأس من المعدن، بينما لا ترى الصراع ذاته على أناس تبتلع الأمطار خيامهم ويصطادون من الماء أطفالهم
كم هو محزن أن نرى من يستميتون في الدفاع عن ألوان القميص، ولا يستميتون في الدفاع عن دماء الأمة.
ولو أنهم تنافسوا على إنقاذ غزة كما تنافسوا على رفع الكأس، لكانت غزة بل القدس اليوم محررة، ولما بقي طفل يبحث عن لقمة عيش في ركام منزل.

لقد رأينا اهتمام المسؤولين على أعلى المستويات في إصابة لاعب ، وشغفا شديدا في جلب مدرب، ولكننا لم نر هذا الشغف، ولا هذه الغيرة عندما يتعلق الأمر بأرض الأنبياء. لم نرَ وزيراً يستقيل لأنه فشل في إنقاذ غزة لكننا نرى وزراء يُحاسَبون أشهراً لأن منتخبهم خرج من دور المجموعات!
فأي سخرية هذه؟!
إن ما يجري اليوم لا أجده حباً بالرياضة بقدر ما هو استخدام محسوب لإلهاء الشعوب، فتح الملاعب لتُغلق العقول، وتُرفع رايات التشجيع لتُخفّض رايات الوعي، ويُطلب من المواطن أن يهتف للاعبين لا يعرف أسماءهم، بينما يُمنَع من الهتاف لقضية كُتب اسمها بدماء أجداده، وإن هتف بما يُمليه عليه ضميره كان متهما بزعزعة أمن الدول
المونديال وكل حدث ضخم في هذا الزمن لم يعد بريئاً.
إنه جزء من هندسة الوعي، وصناعة الوهم، وتوجيه الغضب نحو نتائج المباريات بدل توجيهه نحو مظالم التاريخ. يجعلون الشعوب تبكي على خسارة فريق، ولا يسمحون لها بأن تبكي على خسارة أرض وعرض

لقد تحول المونديال إلى مسرح كبير للتغطية على عجز الأنظمة في بلاد المسلمين، إلى ستار ملون يخفون خلفه فشلهم، إلى صخب يُراد له أن يحجب عن الأمة صمتاً أطول وأخطر. فبينما تنشغل الملايين بالنتائج والترتيبات، تنشغل غرف السياسة بالتطبيع، وتنشغل العواصم بالمصالح، وتنشغل الأنظمة بترتيب العلاقات بدلا من ترتيب الصفوف
هذا المقال ليس ضد الرياضة، إنه ضد تحويل الملاعب إلى بديل عن المواقف، وضد تحويل الهتاف إلى مخدّر، وضد تحويل الشعوب إلى جمهور ينتظر صافرة النهاية في كل شيء حتى في القضايا التي لا نهاية لها إلا
بالتحرير
فلو كان الحماس في الملاعب مثل الحماس لإنقاذ غزة، ولو كان الغضب لدم شهيد كما هو الغضب لخروج منتخب من المونديال لما بقي الاحتلال يوما ،
ومع ذلك فإن فلسطين ليست مباراة…
بل هي معيار الرجال، واختبار الأمة، وقضية أكبر من أن تُدفن تحت ضجيج المونديالات.


عبد الله النبالي

12/12/2025