maqal181225

 

وزير الخارجية الأمريكي يتحدث عن الإسلام الذي يكره أمريكا وإسرائيل، ويحدده بأنه الإسلام الراديكالي، وقد نسمع هذه المصطلح ولا نعرف المقصود منه، وهو بالمعنى الاصطلاحي، الإسلام الجذري، أي الإسلام الذي يؤمن بالتغيير الجذري وليس بالتعايش مع الغرب والخضوع له، فالمعنى واضح، والمقصود هو الإسلام الذي يريد أن يغير المنظومة القائمة تغييرا جذريا، ليعود كحضارة ومنهج متحكم في أحوال الأمة بل والعالم،
 لكن وزير الخارجية  يتعمد خلط الأمور، فيقول مرة الإسلام الراديكالي ومرة الإسلام المتطرف حتى يشوش صورة الإسلام الذي نتحدث عنه، وبكل الأحوال فالثابت عند وزير خارجية أمريكا هو أن هذا الإسلام الذي يكره أمريكا وإسرائيل ند وعدو حضاري، فقد قال حرفيا في المقابلة ( كل فكرة تطرح بأن الإسلام الراديكالي  قد يكتفي بالسيطرة على  محافظة في العراق أو سوريا هي فكرة لا يؤيدها التاريخ، فقد أظهر الإسلام المتطرف أن رغبتهم ليس مجرد احتلال جزء واحد من العالم والاكتفاء بخلافة صغيرة خاصة بهم،  إنهم يريدون التوسع، طبيعتهم ثورية يسعون إلى التوسع والسيطرة على مزيد من الأراضي والمزيد من الناس  ولدى الإسلام المتطرف  نوايا معلنة تجاه الغرب والولايات المتحدة  وأوروبا).
 ورغم أن المقطع الذي وردت فيه المقابلة  قد احتوى على كثير من التضليل، حيث الكلام  عن احتلال محافظة في العراق أو سوريا يراد به الإيحاء أن الإسلام الراديكالي هو "داعش"، ولكن نفس كلامه يدرك من خلاله أنه لا يقصد ذلك وإنما أراد التضليل، فعندما يقول (كل فكرة تطرح بأن الإسلام الراديكالي  قد يكتفي بالسيطرة على  محافظة في العراق أو سوريا هي فكرة لا يؤيدها التاريخ) فإن داعش لم يكن لها تاريخ يدرس، وهي طارئة ومحصورة في العراق والشام كما يدل اسمها، والتاريخ الذي لا يؤيد ذلك هو التاريخ الذي عرفه أسلافه وهم يرون الإسلام يجتاز المحيطات ويفتح البلاد ويقضي على الامبراطوريات، ويفتح القسطنطينية ويضرب عميقا في أوروبا في قلب أوروبا، الإسلام الذي صهر شعوبا ووحدها حتى أخرج منها أمة واحدة لا يتكرر نظيرها، هذا هو الإسلام الذي تخافه أمريكا، الإسلام الثوري المنتشر الذي لا يعرف حدودا ولا يتوقف جنده عند نقطة، 
ثم يعود روبيو للتضليل مرة أخرى فيقول "وهم مستعدون لتنفيذ أعمال إرهابية"  ، وهنا يريد أن يظهر المسلم بالصورة النمطية أنه رجل يلبس عمامة له لحية غير مهذبة وفي وجهه كل معاني القسوة، حتى يقول إن الإسلام الذي يريد التوسع هو إسلام القتل وتفجير المدنيين، مع أن التاريخ والحاضر كما يعلم روبيو يقول العكس، يقول إن المسلمين لم يسجل في تاريخ فتوحاتهم مذبحة للأطفال والمدنيين، بل كل مكان يقوم به المسلمون إنما هو معركة بين جيش وجيش، ثم لا تلبث أن تحتضن الأمم هذا الدين الجديد وتنصهر فيه فتصبح هي والجيش الواحد أمة ، لا غالب ولا مغلوب، 
والتاريخ يقول أن من كان إرهابيا دائما هم الغرب ابتداءاً من محاكم التفتيش إلى الأمريكيتين يوم أن دخلها الرجل الأبيض وصولا إلى آسيا وأفريقيا، وقد اعتاد الغرب أن يرمي الإسلام  بتهمة الإرهاب على طريقة رمتني بدائها وانسلت، ثم إن روبيو ومرة أخرى من باب التضليل، يمثل بإيران، مع أن إيران ليست نموذجا للإسلام وربيو يعلم ذلك، ومع أن جرائم نظام إيران حتى في الشام على بشاعتها لا تصل عشر معشار ما قام به الغرب وما قامت به أمريكا في حق البشرية، ومع ذلك فالنظام الإيراني لطالما كان شريكا في جرائمه أمريكا، فجرائم النظام الإيراني في العراق جاءت مع وبعد جرائم الأمريكان في العراق، وحققت لأمريكا ما لم تستطع هي تحقيقه، ومع ذلك فإن روبيو يريد إسقاط صورة النظام الإيراني على الإسلام الراديكالي الذي يريد تغييرا جذريا، ثم يضيف روبيو أن تهديد الإسلام الراديكالي واضح ووشيك للعالم وللغرب عموما، ولكن بشكل خاص للولايات المتحدة التي  يرونها المصدر الأساسي للشر على هذا الكوكب، وهو صحيح ، ولكنه يعود ويقول أن معظم الهجمات التي حصلت في أمريكا  مستوحاة من أفكار الإسلام المتطرف، والغريب أن العدد الأكبر من الذين يقتلون في أمريكا سنويا وهم القتلى من أصحاب البشرة السوداء على أيدي الشرطة أو قتلى حوادث إطلاق النار في المدارس أو من غيرها لا يقارن بأي عمل نسب للمسلمين ولو كان مفبركا، 
نعم كل ما قاله روبيو صحيح من حيث أن المسلمين يرون أمريكا مصدر الشر في العالم كله، وأن على أمريكا أن ترى في المسلمين الخطر المحدق بشرها وبسيطرتها واستعمارها للعالم، لأن الغرب ومنذ أن أصبحت له الكلمة الأولى في العالم، ما أورث البشرية إلا الشقاء ولا يوجد من يمكن أن يوقف إرهاب الغرب وتطرفه وحقده وجشعه إلا المسلمون "الراديكاليون"  الذين يؤمنون بالله، وبأن الله قد بعثهم ليخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان والحضارات والرأسماليات والتوحش البشري  إلى عدل الإسلام ورحمته، هؤلاء هم أنفسهم من يعتبرهم الغرب الخطر الحقيقي وهم من يهددون بقاءه، هم وحدهم وليس أي جهة على الأرض، روبيو يريد أن يقول علينا أن نحارب الإسلام قبل أن ينتصر علينا، قبل أن يقضي على الظلم في العالم ولذلك حاربوه، 
وبينما روبيو  يقول كل ذلك،  فإن كثيرا من المسلمين لا يدركون هذه القوة التي يحملونها،  على ضعفهم وإن أمريكا نفسها ترتجف منهم وأنها تريد أن تحاربهم، لكن ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون


أ‌. أحمد عبد الحي 

18/12/2025