على مدى شهر كامل ويزيد ملأت فعاليات ونشاطات حزب التحرير في ذكرى هدم الخلافة في الثامن والعشرين من رجب عام 1342هـ والموافق للثالث من آذار لعام 1924م الرامية إلى استنهاض همم الأمة وإيقاظ عزائمها للعمل مع العاملين الجادين الساعين لإقامة الخلافة الراشدة الثانية، ملأت سمع الدنيا وبصرها برغم التكتيم والحصار الإعلامي الذي لا زال أعداء الخلافة يضربونه حولها وحول نشاطاتها وفعالياتها،
لقد امتدت نشاطات وفعاليات الحزب إلى القارات الستة ففي فلسطين كانت شرارة العمل وبداية الفعاليات التي لازالت تجوب مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة من أقصاها إلى أقصاها وبرغم محاولات التشويش والتعطيل التي انتهجتها السلطة في محاولة عرقلة هذه النشاطات إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، حتى في مؤتمر رام الله الذي استطاعت السلطة فيه الاستيلاء على مكان انعقاد المؤتمر وتحويله إلى ثكنة عسكرية وإقامة حواجز مكثفة على مداخل كافة المدن الفلسطينية كان هذا المنع ذا أثر عكسي فلقد علا صوت الخلافة من رام الله ووصل صداه إلى كافة بلدان العالم، فما شهده منع المؤتمر من تغطية إعلامية فاق ما يمكن أن يكون لو عقد المؤتمر بوضعه الطبيعي، وتواصلت فعاليات الذكرى في فلسطين من محاضرات ولقاءات ودروس وعرض أفلام وثائقية وتكللت بمؤتمر حاشد في غزة امتاز بأسلوبه ومادته وحضوره، فصرخة للأمة الإسلامية وأهل القوة والمنعة فيها من قلب المسجد الأقصى الأسير حيث كانت بداية هذه الدعوة وانطلاقتها،
ثم توالت فعاليات الذكرى في السودان ومهرجانه الخطابي الحاشد فلبنان ومؤتمره (الجهاد في الإسلام: أحكام راقية، تاريخ مشرق، حاضر يرنو إليه) حيث كان تنزيل أحكام الجهاد على واقعها وبيان فلسفة الجهاد الحقيقية -والتي شوهها المضللون- من أنه سبيل إنقاذ للبشرية لا مجرد حروب طاحنة استعمارية لا همّ لها سوى سفك الدماء ونهب خيرات الأمم كما تفعل الدول الرأسمالية اليوم، وكيف أن المسلمين يقدمون أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل إخراج الناس من عتمة الضلال إلى نور الهدى،
ومؤتمرات في لندن وأوكرانيا في بلاد القرم وآخر في أمريكا بعنوان(سقوط الرأسمالية وصعود الإسلام) والذي حمل رسالة معنوية بانعقاده في كبرى البلدان الرأسمالية فكان هذا الصوت علامة الخير ببزوغ الإسلام بحق وسقوط ما سواه فما عادت الرأسمالية تخدع أحداً، حتى أولئك الذين رحلوا من ديارهم إلى بلاد الغرب قد أدركوا ضرورة العمل للخلافة من بعد ما بان لهم زيف الرأسمالية وضلالها،
ومؤتمر في تنزانيا وندوة في جزر موريشيوس الواقعة بين جزر القمر ومدغشقر، تلك البلدان النائية التي وصلتها دعوة الخلافة في دلالة لا تخفى على مبصر من أن دعوة الخلافة باتت تنتشر أينما حل المسلمون وارتحلوا، قلةً كانوا أم كثرة، في وسط المحيطات أم في الأقطاب المثلجة أم في الأدغال، فدعوة الخلافة باتت ملتصقة بالمسلمين لا انفكاك لهم عنها،
وقلب هذه الفعاليات وذروتها كان مؤتمر العلماء في اندونيسيا الذي ضم أكثر من سبعة ألاف عالم من شتى أقطار المعمورة والآلاف من حملة الشهادات الشرعية والمختصين، في مؤتمر فريد لم يسبق له الحزبَ أحدٌ من الهيئات أو الدول التي تشتري ذمم علماء السلاطين ليفتوا لهم وفق مقاسات ومقاييس ترضي نزواتهم وأسيادهم، مؤتمر تواثق فيه علماء الأمة الحقيقيون الذين آثروا قول الحق والصدع به على نعيم الدنيا الزائل وعلى قصور السلاطين وفرشهم الوثيرة فاجتمعوا وأجمعوا على ضرورة العمل للخلافة وعلى ضرورة أن يأخذ العلماء دورهم وأن يساهموا بسهم عظيم في إقامة صرح الدولة الإسلامية،
ومؤتمر في كندا وآخر في استراليا وآخر في بنغلادش ومسيرات في باكستان وقمع واعتقالات مسعورة لمنع مؤتمر تركيا في اسلامبول حيث توقفت عقارب الزمن هناك بالنسبة للأمة الإسلامية بتوقف الخلافة فيها،
إن عموم وانتشار فعاليات ذكرى رجب الأليمة، ذكرى هدم الخلافة، تزداد عاماً بعد عام وتأخذ بالاتساع أفقيا وعموديا،كمّا ونوعاً، وبالرغم من التكتيم الإعلامي الذي تعاني منه دعوة وفكرة الخلافة إلا أن الأمة والعالم بأسره من أقصاه إلى أقصاه قد شعر وأحس وعاش الكثير من هذه الفعاليات،
 
إن من يمعن النظر في هذه الفعاليات والنشاطات واتساعها وشمولها وتنوعها يدرك الأمور التالية :
1.   إن إعادة الخلافة باتت محل تطلع المسلمين، فلم يعد مشروع الخلافة ضميراً غائباً عنهم برغم محاولة وسائل الإعلام طمسه بطمس الأخبار والفعاليات التي تتصل به ولم يعد دعاته مستترون بل إن الأمة باتت تتطلع بشوق وحرقة إلى إقامة الخلافة التي ستقيم الدين وتطبق الشريعة وتوحد المسلمين، وما جموع المسلمين التي خرجت أحياءً لهذه الذكرى الأليمة في فلسطين واليمن ولبنان واندونيسيا والسودان والجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا وكندا سوى شاهد على مدى تغلغل مشروع الخلافة لأعماق أعماق المسلمين ولو خلّت أنظمة الطغيان والجبروت بين الأمة والتعبير عن رأيها وتوجهها السياسي لرأيتَ الجموع الغفيرة تجتاح حواضر بلاد المسلمين تلهج ألسنتهم بالخلافة ودولة الإسلام، كما أن الأمة قد فقدت ثقتها بحكامها والطبقات السياسية التي تحيط بهم والتي مردت على التبعية الغربية وتغذت على أطباق واشنطن ولندن وباتت تتطلع إلى طليعتها الرائدة التي أخذت على عاتقها العمل لإعزازها والأخذ بيدها نحو السيادة وعلو مكانتها بين الأمم.
2.   عالمية مشروع الخلافة، فامتداد تلك الفعاليات والنشاطات لتعم بلاد المسلمين والجاليات المسلمة في بلاد الغرب ولتعم الأسود والأبيض والعربي والعجمي لهو برهان على أن هذه الدعوة تحمل مشروعاً عالمياً لم تحدّه حدود وهمية أو قوميات ضيقة أو وطنيات منحطة بل تخطت دعوة الخلافة الحدود والسدود وباتت أمل البشرية لا المسلمين فحسب في الخلاص مما تعانيه جراء تحكم الرأسمالية فيها، فكما سادت دولة كبرى كأمريكا في العالم فعاثت فيه فساداً وقتلاً وتدميراً ونهباً للخيرات والأموال فسيكون بمقدور الخلافة وحدها أن تعيد الأمور إلى نصابها فتعيد العدل وترفع الضيم والجور وتكون ملاذاً للخائفين ومأوى للفقراء والمساكين والمظلومين في كافة أقطار المعمورة، فالخلافة مشروع حضاري عالمي ينبع من تبني الأمة له ومن عملها على تجسيده في واقع الحياة ثم حمله للأمم والشعوب الأخرى حيث سيعم الخير والطمأنينة البشر.
3.   دعوة فريدة لا منافس لها، لقد انفردت دعوة الخلافة في عصرنا الراهن بصفة العالمية في الطرح، فكلٌ من الأحزاب والجماعات المنتشرة في بلدان العالم الإسلامي والغربي باتت صاحبة مشاريع وطنية محلية أو إقليمية محدودة فلا تجد على وجه البسيطة اليوم، دون أدنى مبالغة، سوى دعوة الخلافة تطرح حلاً لمشاكل العالم ويسعى الساعون لها لتكون ملاذاً للعالمين الذين اكتووا بنار الحضارة الغربية، فلم يعد بين البشر اليوم مشروع ينافس مشروع الخلافة كمشروع حضاري عالمي.
4.   إن تجاوب المسلمين مع هذه الدعوة في تزايد واطراد وهذا يدحض أقوال بعض المغرضين الذين يحاولون أن يوهموا العامة بأن الخلافة في واد والناس في واد آخر بل إن الأمة ودعوة الخلافة على قلب رجل واحد وسيأتي اليوم الذي ترى فيه أبناء الأمة الإسلامية قاطبة من جاكرتا إلى طنجة متكاتفين في الدفاع عن الخلافة حال قيامها قريباً بإذن الله وما ذلك إلا لأن دعوة الخلافة وتطبيق الإسلام في شتى مناحي الحياة هو التجسيد العملي لمفاهيم الأعماق التي تسكن أفئدة الأمة والتي عجز الغرب عن اقتلاعها بشتى الأساليب والوسائل الشيطانية .
5. إن دعوة هذا شأنها وأبناء خير الأمم هم جندها وإنقاذ البشرية هي غايتها ومن وحي السماء نهجها وفكرها لهي حتماً ستنتصر وتظهر، ستنتصر إحقاقاً للحق وزهقاً للباطل، إقامةً للعدل وهدماً للظلم والطغيان، ستنتصر تحقيقاً لوعد الله بالنصر والتمكين للمؤمنين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) وتحقيقاً لبشرى نبيه الكريم (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) فالخلافة هي قدر البشرية القادم والرحمة المزجاة لهم، وهي من سيعيد للبشرية سجيتها الإنسانية وفطرتها السليمة وطباعها الطيبة من بعد ما اغتالتها شياطين الرأسمالية، ، (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا).

علاء أبو صالح

2009/7/29