بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

إلى الأمة الإسلامية الكريمة:

إلى حجيج بيت الله الحرام...

إلى حملة الدعوة الكرام...

إلى زوار الصفحة المحترمين...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

 

تقبل الله الطاعات، وجعل الله العيد عليكم حافلاً بالخير والبركات... تقبل الله من الحجيج حجَّهم، وكان حجاً مبرورا، وسعيُهم مشكوراً وذنبُهم مغفوراً...

 

أيها الأخوة: إن عيد الأضحى عيد يأتي بعد فريضة عظيمة (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، ومن يتدبر ما نزل في هذه الفريضة من آيات كريمة وأحاديث شريفة يرى أن هناك فرضاً عظيماً يلازمها في هذه النصوص...

 

تدبَّروا معي أيها الأخوة آيات الذكر الحكيم في سورة البقرة التي ذكرت الحج فإنكم ستجدونها لا تنفك عن آيات الجهاد: قال الله سبحانه في الآيات 154-157 (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) ) إلى قوله سبحانه ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))، وهي آيات في الجهاد. ثم انظروا الآية التالية (158) تجدوها في الحج (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)).

 

وكذلك انظروا الآيات190-195:(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190) ) إلى قوله سبحانه ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195))، وهي آيات في الجهاد. ثم انظروا الآية التالية (196) تجدوها في الحج: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (1((96(

 وبعد ذلك تدبروا سورة الحج فقد قال الله سبحانه في الآيات 26-37: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) ) إلى قوله سبحانه ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37))، وهي آيات في الحج. ثم انظروا الآيات التالية 38-41 تجدوها آيات في الجهاد: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) ) إلى قوله سبحانه ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)).

 

أيها الأخوة: إن من تدبر هذا الأمر جيداً يرى كأن هناك ارتباطاً وتلازماً بين الحج والجهاد:

 

فكأنَّ تكفير السيئات بالحج المبرور وبالشهادة في سبيل الله يبين العلاقة المهمة بين الحج والجهاد. فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّة»، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ»...

 

وكذلك كان الحجُّ يتبعه جهادٌ بتلازمٍ واضحٍ في أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة العاشرة للهجرة (حجة الوداع) وبعد أن أكمل صلى الله عليه وسلم وبيّن للمسلمين مناسك الحج ورجع صلى الله عليه وسلم كان من أوائل الأعمال التي قام بها في المدينة أن جهز جيش أسامة لقتال الروم، أي كان الجهاد من أوائل أعماله صلى الله عليه وسلم لمّا رجع من الحج إلى المدينة.

 

وكذلك هو عند الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، فقد حج أبو بكر رضي الله عنه السنة الثانية عشرة للهجرة، ولما أكمل حجه ورجع إلى المدينة كان من أوائل أعماله أن سيّر الجيوش لقتال الفرس والروم، ثم كانت معركة اليرموك التي توفي أبو بكر رضي الله عنه خلالها.

 وحج عمر رضي الله عنه السنة الرابعة عشرة للهجرة وخلال حجه، وقبل أن يعود إلى المدينة المنورة، استنفر المسلمين لقتال الفرس في القادسية.

 

وحتى قادة الفتح في عهد الخلفاء الراشدين كانوا يحرصون على تلازم هذين الفرضين العظيمين، فقد حج خالد رضي الله عنه خلال معاركه في العراق، وبعد أن أكمل نسكه عاد فأكمل جهاده.

 

وهكذا كان يصنع بعض الخلفاء الأتقياء بعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فكان بعضهم يغزو عاما ويحج عاما، وكأن الحج والجهاد فيهما تقابل وتواصل.

 

هذا هو الحج في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا هو الجهاد في كتاب الله سبحانه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا هو في سيرة الخلفاء الراشدين ومن تبعهم من الخلفاء الصالحين، كانت "زحوفهم" إلى حجهم تتواصل مع زحف جيوشهم إلى قتال عدوهم...

 

ثم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، ففصلوا أحكام الإسلام عن بعضها فسمحوا، بقدرٍ ما، بالدعوة إلى العبادات ولكنهم اشترطوا الصمت المطبق عن الدعوة للخلافة والجهاد، ففصلوا الصلاة عن الخلافة، والذهاب للحج عن زحف الجيوش للجهاد، بل بلغت بهم الجرأة على دين الله أن قالوا بتعطيل الجهاد، وبالجهاد السلمي... (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا(.

 

إنّ الإسلام كلّ لا يتجزأ، أحكامه آخذ بعضها برقاب بعض، لا تُفصل العبادات عن المعاملات، ولا الأخلاق والمطعومات والملبوسات عن الخلافة وبيعة الخليفة وتحريك جيوش المسلمين للقتال، ولا ينفصل حسن المعاملة مع الجار وبِرّ الوالدين عن السياسة الحربية والعلاقات الدولية.

 

هكذا في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلوات الله عليه وسلامه، وهكذا صنع وعمل الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون بإحسان، حشرنا الله معهم في جنات النعيم في الفردوس الأعلى ورضوان من الله أكبر: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا(.

 

وهكذا إن شاء الله سبحانه سنعيدها خلافة راشدة على منهاج النبوة: ينطلق الحجيج إلى بيت الله الحرام، يعظمون بيته، ويطيعونه سبحانه، وتنطلق جيوش المسلمين للفتوحات ونشر الخير في ربوع العالم، فتتعانق تكبيرات المسلمين في عيد حجهم مع تكبيرات الجند في النصر على عدوهم: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

أخوكم وصاحبكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ليلة عيد الأضحى المبارك 1434هـ