ثورات (الربيع العربي)، لن تزهر إلا بالخلافة

لقد عمل الكفار ليل نهار لهدم دولة الإسلام وهزيمة المسلمين، فهدموها في شهر رجب عام 1342هـ /1924م، ولا يزالون يعملون لحرف المسلمين عن دينهم، يصدق فيهم قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾، ولكن الله شاء أن يكون مطلع العام الماضي بحقّ  بارقةَ أمل ونقطة تحوُّل واعدة في خط سير أمتنا العظيمة بعد حِقبة طويلة من الظلم والتخلّف والقهر والاستعباد، ويمكن القول بأن شعار (الأمة تريد الخلافة الإسلامية)، أصبح يمثل جوهر المعركة، وخوفاً من ذلك تم حصار هذا الشعار من قبل الغرب والعلمانيين ومن وسائل الإعلام، وأصبح هؤلاء يقدمون للناس إسلاماً مشوهاً تحت مسمى "الإسلام المعتدل" ويسلطون الضوء على الداعين إليه، الذين يركزون الناحية القطرية، ويتحركون تحت شعار مرجعيتنا إسلامية وخيارنا ديمقراطي، وينادون بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، يتصورون أنّ مسايرةَ الغرب في فكرة الديمقراطية أمرٌ ضروري ولازمٌ، وأن مسألة التوافق مع الديمقراطية هي أمرٌ شكلي وأنها مجرد وسيلة لارتقاء سلم الصعود إلى السلطة، ويتساءل هؤلاء: ما الضَّيْر في استعمال أهداف الغرب لتحقيق مآرب نبيلة؟ وتناسى هؤلاء القضية الكبرى للمسلمين وهي استئناف حياة إسلامية بإقامة الدولة الإسلامية، فكان لابد من بيان فساد هذا الرأي، فنقول:

 أولا: فساد شعار "مرجعيتنا إسلامية وخيارنا ديموقراطي"، فإن القول بأن "خيارنا ديمقراطي" يكذب القول بأن "مرجعيتنا إسلامية"، فهو جمع بين النقيضين، فمن يحكّم إرادة الشعب في كل شيء، ومن يحتكم إلى القوانين الوضعية فكيف تكون مرجعيته إسلامية؟ ومن يجعل الحكم للأغلبية كيف تكون مرجعيته إسلامية؟ ومن يرضى بتداول السلطة مع العلمانيين والملحدين كيف تكون مرجعيته إسلامية؟ المرجعية الإسلامية تعني الرجوع إلى الكتاب والسنة في كل صغيرة وكبيرة، مع الانقياد التام والتسليم لحكم الله، ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾. ومعنى "فيما شجر" يعني في كل ما وقع بينهم.

ثانيا: هل الإسلام (الذي اكمله الله ورضيه لنا ديناً)، هل هو ناقص حتى نجعل معه غيره، أليس من الواجب على المسلم أن يقول "مرجعيتي الإسلام، وخياري هو الإسلام، ونظامي هو الإسلام، وحياتي كلها هي الإسلام" ؟

ثالثا: أنّ الغرب لا ولن يقبل بالأقوال دون الأفعال، فمن يبحث عن إرضاء الغرب فيسير في الطريق إلى منتهاه بعيداً عن الإسلام.

أيها المسلمون:

إن الثورة الحقيقية يجب أن تقطع كل صلة مع الغرب الكافر ومع الوضع الذي فرضه الغرب، فتنبذ وترفض الوطنية والقومية والدولة المدنية، فلنتق الله في ديننا وفي أمتنا، ولنعلم جميعا أن البرنامج العملي في التغيير هو الذي يترسم خطى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، فالتغيير الحقيقي يقتضي كسب ولاء أهل النصرة ليكون لله ولرسوله وللأمة وليس لعواصم الدول الكافرة، وإن اكتساح البعض لمقاعد البرلمان عبر صناديق الانتخابات لا قيمة له في دين الله، ما دامت الحاكمية للشعب وليست لله، وما دامت قيادات الجيوش ترنوا بأبصارها إلى عواصم الغرب بدل أن تنحاز إلى الأمة في معركتها التحررية الكبرى.

وفي الختام وبملء الفم نقول: إن الأمة الإسلامية قد أفاقت من غفلتها، وإن الإسلام قد انتقل من شرارة إلى نار تضيء الظلمات وتحرق الباطل وأعوانه، وإن انتصار الإسلام سنة إلهية، وبِلُغة القوم: (حتمية تاريخية)، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حقق الله له النصر على كل من ناوأه، ومثلما وعد الله رسوله بالنصر، وعد أتباعه به ما استقاموا على دينه وسنته، فقال – سبحانه وتعالى -: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾، إن فجر الخلافة قد لاح، فلنعمل جميعاً مع المخلصين من أبناء أمتنا على مرضاة ربنا، وعلى نصرة ديننا بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تطبق الدين وتوحد المسلمين، وتحرر الأرضين، وستنسي –بإذن الله-كيان يهود ومن خلفه وساوس الشيطان ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.

15-6-2012   

  حـزب التحـرير-فلسطين