معاناة غزة... بين عدو يحتلها وبعيد يتجهمها

بقلم: الأستاذ حسن المدهون*

 

عن الراية

لم تعد المعاناة اليومية لأهل قطاع غزة مجرد خبر أو تقارير تتداول، بل إن مظاهر الحياة اليومية شاهدة على تردي الأوضاع المعيشية وحالة الإرهاق المادي والنفسي للناس، في بقعة ضيقة تعد من أكثر أماكن تكدس السكان في العالم، لتكون غزة في حالة موت وتعذيب بطيء مرير...

فقد بلغت نسبة البطالة في القطاع حوالي 60% بحسب التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهي من أعلى النسب في العالم، كما بلغت نسبة الأفراد الفقراء في قطاع غزة حوالي 38.8% بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، و80% من سكان القطاع يعتمدون على الإعانات، عدا عن إغلاق المعابر المتكرر من قبل كيان يهود وعرقلة إدخال البضائع إلى قطاع غزة، واستمرار إغلاق معبر رفح بوجه المرضى والمسافرين وطالبي العمل في الخارج، ووقف معظم أنواع التحويلات المالية لقطاع غزة بحجة منع تمويل (الإرهاب)، فضلا عن تقلص نسب الأراضي الزراعية بشكل كبير، وتقليص مساحات صيد الأسماك، وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان، وكثرة حوادث الانتحار...

حتى إن هناك العديد من التقارير التي صدرت من سنوات وتنبأت بأن قطاع غزة لن يصلح للعيش عام 2020، جراء التكدس السكاني وتلوث المياه وانعدام المصادر.

وأمام هذا الواقع البائس، ازداد الضغط الاقتصادي على الناس في السنوات الأخيرة، جراء حصار كيان يهود واستمراره في السياسة التي أعلنها وهي اشتراط إنعاش قطاع غزة بنزع أسلحة الفصائل فيها، ومحاولة دفع قطاع غزة باتجاه مصر لكي تتحمل المسؤولية عنه، ولزيادة إفشال الوصول إلى ما يعرف بحل الدولتين، والذي رغم تنازله عن معظم فلسطين لكيان يهود، فإن يهود يرفضونه ويطالبون بالمزيد.

كما وعمد كيان يهود وبشكل ممنهج خلال السنوات الماضية إلى تحطيم مقومات الاقتصاد رغم بساطتها، فحدود الصيد البحري غدت لا تتجاوز 6 أميال بحرية، واستهداف المصانع في الحرب الأخيرة وتعطيل إدخال المواد الصناعية ومواد الإنتاج بحجة استعمالها لتصنيع السلاح حجة يزيد فيها الضغط على أهل القطاع، علاوة على انتهاء دور العمال والحرفيين بعد منعهم من العمل من قبل كيان يهود، حيث مثلت هذه الشريحة الرافد الاقتصادي الأكبر في العقود الماضية لقطاع غزة. وتحويل اعتماد القطاع على السلطة الفلسطينية العاجزة التي تعتاش على الإعانات والتبرعات وجباية الضرائب من الناس.

ومما زاد الطين بلة، الإجراءات العقابية التي اتخذها رئيس السلطة لإخضاع غزة لمصالحة وفق سياسة السلطة بإلغاء كافة أشكال المقاومة عدا المقاومة الشعبية، وقد سبق تلك الإجراءات، عمل خبيث استهدف زيادة ارتباط موظفي السلطة بالبنوك ومنحهم تسهيلات بنكية، بحيث إذا ما قلص الرواتب غدا المتبقي من الراتب شيئا يكاد لا يكفي للحاجات الأساسية، ومن ثم توقُّف عجلة دوران المال والتي تحرك القطاعات الأخرى، وتستفيد منها حكومة حماس عبر الضرائب التي تجنيها.

فلم يشفع لقطاع غزة حالة المعاناة، ولا ثلاثة حروب كارثية، من أن تفرض السلطة المزيد من العقوبات على أهل القطاع، وتطالبهم بالضغط على حماس والخروج عليها بحجة أنها الطرف المتسبب بالأزمات، وما زالت تناكف سلطته بالمطالبة بتسلم الجباية دون أن تفي باستيعاب موظفي حماس. كما وتزيد من أزمات القطاع بالضرائب الجائرة وبتقليص كمية الكهرباء.

أما المشاريع التجارية والاقتصادية في قطاع غزة، فإن معظمها يؤول للفشل من سنوات، فحماس والتي تقلص الدعم الخارجي لها من سنوات، وأغلقت أمامها تجارة الأنفاق، بعد مجيء السيسي وإعلانه العداء لها، لم تجد وسيلة للتمويل سوى جيوب الناس بفرض الضرائب الباهظة والمتنوعة عليهم، ما وسعها إلى ذلك سبيلا.

فضلا عن تقلص السيولة المالية في أيدي الناس جراء العقوبات وحصار كيان يهود والتخوف من المستقبل القاتم وارتفاع نسب البطالة، وهو ما أدى إلى توقف حركة البيع والشراء، بل والدخول في حالة انهيار اقتصادي بدأت منذ شهور وما زالت تزداد ضراوة، حتى بات مشهد خلوّ الأسواق وإغلاق المحال وإضراب أصحابها نتيجة عدم القدرة على تحمل التكاليف التشغيلية، فضلا عن تكاثر المتعسرين في سداد الديون سواء من رجال الأعمال أو التجار أو الأفراد، مما يزيد من حالة الضغط، ويهدد الأمن بين الناس.

أما أمريكا والتي هي صاحبة القرار الأكبر في الضغط على أهل فلسطين وقطاع غزة، فإن مواقفها الأخيرة فيما يعرف بصفقة القرن، والتي تتمثل بتصفية قضية فلسطين عبر تقسيمها إلى ملفات تُصفّى واحدة تلو الأخرى، فإنها باتت تضغط لمزيد من التنكيل بأهل فلسطين وقطاع غزة.

فبعد قرار ترامب حول القدس، بدأت أمريكا بالعمل لتصفية ملف اللاجئين، من خلال تصفية وكالة الغوث وتقليص الدعم المالي لها، حتى يتم الاتفاق على وضع جدول زمني لإنهاء عمل الوكالة، كما صرح المبعوث الأمريكي للسلام جيسون غرينبلات.

ومعلوم أن أكثر منطقة ستتأثر بهذه التخفيضات وبتقليص عمل وكالة الغوث التي اقترنت بقضية اللاجئين، هي قطاع غزة والذي حاله لا يختلف عن حال السجن المكبر مقارنة بالمناطق الأخرى.

أما إظهار كيان يهود في الأيام الماضية أنه سيسمح للمؤسسات الدولية بإدخال المساعدات لقطاع غزة، وامتداح غرينبلات دعم قطر لقطاع غزة بـ 9 مليون دولار، فهو آت من سياسة أمريكا ويهود، استبدال مؤسسات وأشكال دعم دولي أخرى بالوكالة، تعمل وفق البعد الإغاثي وليس وفق البعد السياسي المتمثل بقضية اللاجئين وحق العودة، خاصة أن نتنياهو قد أمر وزراءه بأن تكون استراتيجيتهم لهذا العام قائمة على إلغاء وكالة الغوث.

فسياسة التضييق التي تعصر أهل قطاع غزة، مردها إلى "صفقة القرن" وما يطرح حول تصفية قضية فلسطين، وجعل توسيع قطاع غزة باتجاه سيناء مطلبا مقبولا وفق ما يتم من تسريبات ووفق ما يقوم به رئيس مصر الذي أدخل جيشه في حرب مع شعبه ومع الأشباح والأوهام تحت مسمى الحرب على (الإرهاب)، بينما عدو مصر وجيشها هو كيان يهود وأمريكا التي تدعم حاكم مصر.

إن الحل لأزمات القطاع يتمثل بجزئين:

الأول هو الحل العاجل المتمثل برفض "صفقة القرن"، ورفض ضغوط عملاء أمريكا في المنطقة كحكام السعودية ومصر.

وأما الحل الجذري فإن طريقه هو طريق عمر بن الخطاب، وصلاح الدين، وقطز، وهو التحرر من تبعية الغرب الكافر وكنسه من بلاد المسلمين وكنس غرسه من الحكام وكيان يهود، وذلك بأن تنصر قوة الجيوش قوة الفكرة الإسلامية وتقيم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين