المهندس باهر صالح
 
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
 
 بكلام معسول افتتح الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، رسميا قاعدة عسكرية فرنسية في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة لتكون أول قاعدة دائمة لفرنسا في منطقة الخليج، كلام ادعى فيه أن القاعدة العسكرية الفرنسية في أبو ظبي تشكل رسالة سلام إلى المنطقة بكاملها وسيكون هدفها الأساسي المساهمة في تحقيق أمن واستقرار المنطقة وتدريب القوات البحرية بدولة الإمارات لتكون من ضمن القوات المتطورة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وأن فرنسا ومن خلال وجودها العسكري الدائم تتعهد بكل تصميم بالوقوف إلى جانب أصدقائها الإماراتيين لتحقيق أمنهم فكما يقال 'الصديق وقت الضيق' وأنها ستقف إلى جانب دولة الإمارات إن حدث وتعرض أمنها للتهديد.
إذا ما تجاوزنا هذا الكلام المعسول الذي خاطب به ساركوزي مشايخ الإمارات وكأنهم أطفال صغار، لنقرأ الكلام الأخر الذي خاطب به الإليزية شعب فرنسا في بيان له في كانون الثاني 2008 "إنّ اتفاقاً تمّ توقيعه يتضمن تواجداً عسكرياً فرنسياً في الأراضي الإماراتية، وأنه سيكون لفرنسا قاعدة متعددة الأركان، دائمة تتشكل من 400 إلى 500 عسكري." وأنّ القاعدة ستكون أوّل قاعدة عسكرية فرنسية في الخليج، حيث ستكون مواجهة لمضيق هرمز الذي يشهد عبور نحو 40 في المائة من إمدادات النفط العالمي وهو ما يفسّر أهميتها الاستراتيجية." وما صرح مسئول فرنسي أن "لهذه القاعدة بعدا سياسيا ودبلوماسيا واستراتيجيا" في منطقة أقرب إلى الأنجلو-ساكسون تقليديا، "لكنها ليست موجهة ضد أحد".. وما قاله قائد القاعدة الكولونيل ايرفيه شيريل الاثنين من أن "لهذه القاعدة مهمة عامة هي دعم قواتنا المنتشرة في المحيط الهندي وتطوير التعاون العسكري الثنائي".تصريحات تظهر بجلاء كيف تمكنت فرنسا من استباحة الخليج وبطلب من مشايخه وعلى نفقة الإمارات أيضا، فبحسب صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية والقريبة من اليمين الحاكم بفرنسا، فإن "القاعدة بنيت بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة وبطلب منها".فهكذا أصبح لفرنسا قاعدة عسكرية متقدمة في الخليج لتتمكن من رعاية مصالحها هناك وعلى نفقة المسلمين، وعلى أقل تقدير فقد أصبح لها "مسمار جحا" الذي ستستعمله وقتما شاءت للتدخل في المنطقة بحجته، ومن ناحية استراتيجية فقد جعلت فرنسا لنفسها موطأ قدم كما لأمريكا وبريطانيا في الخليج في قلب العالم الإسلامي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من تحقيق طموحاته في الانعتاق من تبعية الغرب والنهضة على أساس الإسلام في دولة الإسلام. لذلك لم تخف صحيفة "لوفيجارو" في افتتاحية عددها أن تدشين القاعدة العسكرية في أبو ظبي بمثابة "قلب لكافة الموازنات الإستراتيجية الفرنسية في السياسة الخارجية". وأن "لأول مرة تملك فرنسا قاعدة عسكرية في منطقة إستراتيجية لا تنتمي إلى مستعمرات فرنسا السابقة".فحدث مثل هذا لا يحصل إلا في المستعمرات وهذا قولهم بلسانهم، لذلك لم تخجل الصحيفة أن تكتب لشعبها مفتخرة بإنجازات رئيسها وهي مطمئنة إلى أن حكام الخليج ومشايخه لا يقرؤون وإذا قرؤوا فهم لا يكترثون!.قاعدة عسكرية، دائمة، فرنسية صرفة، بتمويل من المشايخ، وفي منطقة استراتيجية، فهل هناك أعظم من هذا الإنجاز ليسجل لساركوزي!. إنجاز ولا في الأحلام كما يقولون.!فماذا بقي من أشكال الاستعمار ليدرك حكام الخليج أنهم قد حولوا الخليج إلى مستعمرة بعد أن لم يبقوا قاعدة أمريكية أو بريطانية أو فرنسية تعتب عليهم!. فبعد أن ملأ حكام الخليج ومشايخه جيوبهم بأموال المسلمين، حارمين الملايين من حياة كريمة، وبعد أن أصبحت أموال الخليج رافدا هاما لبنوك الغرب وصناديقه، وبعد أن قدم حكام الخليج عشرات المليارات من الدولارات لمساعدة أمريكا وبريطانيا في أزمتهما الحالية، وبعد أن أنفقوا مئات المليارات من الدولارات على شراء الأسلحة والخردة من فرنسا وبريطانيا وأمريكيا. لم يكفهم كل ذلك بل وزادوا عليه بأن ملؤوا الخليج بقواعد للغرب فهددوا أمن البلاد وأبقوه تحت رحمة الأعداء. فأي جرم أعظم من جرمهم؟!ومرة أخرى إيران هي الشماعة التي يعتمد عليها الغرب في تصرفاته وتبرر لحكام الخليج تنازلاتهم، فقد نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مساعد لساركوزي قوله إن باريس "اتخذت عن عمد موقفا رادعا، وهدد بأن قوات بلاده مستعدة للرد على أي هجوم إيراني". وكان ساركوزي قال في مقابلة مع وكالة أنباء الإمارات بأن افتتاح القاعدة بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي يعكس قبل كل شيء اهتمام فرنسا بهذه المنطقة المحاذية لإيران. فإيران أصبحت فزاعة الخليج التي تستطيع أمريكا وفرنسا وبريطانيا من خلالها استعمار المنطقة والإمساك بمفاصلها، فهل يمكن أن يكون هذا درسا جديدا لمن يرى في إيران تهديدا للغرب ليدرك بأن الغرب هو من أراد لإيران أن تلعب الدور وهو من صنع منها بعبعا، ليحتل العراق ويبقى فيه ويملأ الخليج بقواعده وكل ذلك تحت حجة التهديد الإيراني والذي لم نر منه يوما صاروخا واحدا يخرج باتجاه "إسرائيل" التي هدد بإزالتها أو صاروخا يضرب قاعدة أو فرقاطة أو بارجة أو حتى سفينة أمريكية صغيرة، بالرغم من أن السفن الأمريكية تسرح وتمرح في مياه المنطقة، وقواعدها تملأ الخليج وعلى مرمى حجر من إيران!. وبدلا من ذلك تمد يدها لأمريكا لمساعدتها في العراق وأفغانستان، فأي مكسب للغرب أعظم من هذا؟! ومرة أخرى يبرهن حكام العرب والمسلمين على أنهم حلفاء للغرب وأعداء للأمة، جهلاء لا يعرفون كيف تُدار الدول، أو عملاء يعرفون كيف يقدمون الطاعة والولاء لأسيادهم. يجعلون للكفار سلطانا على بلاد المسلمين، ويحرمون الأمة من خيراتها لصالح غرمائها.