علاء أبو صالح/ عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
لطالما كان دور العلماء في الأمة الإسلامية دوراً ريادياً، فعلماء الأمة الإسلامية (وأقصد في هذا المقال علماء الشريعة) ليسوا كعلماء الأمم الأخرى، فعلماء الأمم الأخرى يلعبون دوراً هامشياً على مستوى قيادة الأمة وتوجيه دفتها، بينما علماء المسلمين يحتلون مكانةً مرموقةً وموقعاً مميزاً في قاطرة سير الأمة وانتقالها من حال لآخر، وما ذلك إلا لأن الإسلام هو الذي يصوغ الحياة السياسية لدى المسلمين وفق أفكار ومفاهيم انبثقت عن عقيدته ونظرته للحياة، بينما فصل آخرون الدين عن الحياة السياسية أو أنكروه.
ولِمَا كان لهم من مكانة، أدرك سلف الأمة من العلماء والأئمة المهمة الملقاة على عاتقهم، فسطّروا لنا مواقف من نور أضاءت ظلمة الليل البهيم، وأنارت الدرب لكل من ينشد اقتفاء الأثر، فكانوا نجوماً تتلألأ في سماء الأمة ومضرب مثل لها، وكانوا دوماً المقوّم لاعوجاج السلطان فيها إن طغى وبغى، فكانوا بحق بوصلة السفينة بل وربانها.
لقد أدرك العلماء عبر تاريخ الأمة الممتد من العهد النبوي فالراشدي إلى العهد العثماني أنهم هم من يبصّر الأمة الحق ويبعدها عن الزيغ والزلل، فهم من قرؤوا وامتثلوا قول الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام (العلماء ورثة الأنبياء) وهم من قرؤوا قول الحق سبحانه (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) وهم من سطّروا لنا مواقف المحاسبة وقول الحق والصدع به مهما كانت الصعاب، فمنهم الأمام أحمد بن حنبل الذي ضرب أروع الأمثلة في محاسبة الحكام حتى قال مقولته المشهورة التي تكتب بمداد من ذهب (إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟!)، ومنهم العز بن عبد السلام بائع الملوك، ومنهم سعيد بن جبير ومنهم أبو حازم التابعي الجليل ومنهم ...ومنهم.
وإدراكاً لهذا الدور المحوري لعلماء الأمة عمد الكافر المستعمر في زماننا إلى شن حملة مقصودة بغرض حرف العلماء عن جادة الحق والصواب، واستخدم لذلك الترهيب والترغيب والتضليل، فالكافر المستعمر أدرك حقيقة أن (صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس، العلماء والأمراء)، وأدرك كذلك أن إحكام قبضته على الحكم في بلاد المسلمين عبر نواطيره لا يمكن له أن يصمد طويلاً في وجه الأعاصير والمتغيرات التي تعصف بهم، جراء فقدانهم لسند الأمة الطبيعي واعتمادهم على سند الخارجي، إلا إذا سخر لهؤلاء النواطير جيشاً من العلماء والإعلاميين والكتّاب والصحفيين لكي يسبحوا بحمد السلطان صباح مساء فيضفوا بذلك مسحة الشرعية على هذه الأنظمة الغريبة عن جسم الأمة، ليتقبلها ذلك الجسد بلا مقاومة ظناً منه أنها جزء أصيل منه وما هي سوى مرض عضال يسري في عروقه.
لقد عمد الكافر المستعمر بمكر ودهاء خبيثين إلى إيجاد طبقة من العلماء يوالون الحاكم ويناصرونه ويدعمون قراراته بل وخيانته للأمة وتجرئه على دين الله في كثير من الأحيان، فباتت طبقة علماء السلاطين جزءاً رئيساً من منظمومة الحكم في بلاد المسلمين المنكوبة، عملها إفراغ الدين من مضمونه، وإلباس الحكام لباس ولاة الأمور، وعزل الدين عن السياسة، وأداة لمحاربة ما أسماه الحكام والكافر المستعمر بالإرهاب.
فبالرغم من أن الحكام الذين يجثمون على صدر الأمة لا شرعية لهم، فلا هم أتوا بتوكيل وتفويض من الأمة عبر بيعة شرعية، ولا هم يطبقون أحكام الإسلام في مناحي حياتهم، بل هم قد اغتصبوا السلطة وحكموا الأمة بشرعة الكفر والطاغوت، إلا أننا نرى كيف تستميت طبقة علماء السلاطين في إيجاد المبررات والمسوغات الواهية لشرعنة تصرفات الحكام.
بيد أن علماء السلاطين الذين رضوا وتابعوا حكام دول الضرار قد بلغوا مبلغاً لم يشهده تاريخ الأمة من قبل، فترى منهم أئمة يعتلون المنابر ويخطبون ود الحاكم الفاسق والخائن لله ولرسوله وللمؤمنين بسخط الله وغضبه، وعلماء ينطقون بالكفر والفسق والفجور بالقول (لو أمرني محمد بالكفر بالنصرانية واليهودية لكفرت به)، وآخرون يبررون لنظام مصر الطاغوتي حصاره لإخوانه في البر والبحر بجدار وسور، وآخرون يحاربون النقاب نيابة عن الفرنسيين والسويسريين، وآخرون ...وآخرون.
ومع ذلك كله وبرغم المكر والدهاء إلا أن ما علق بأفكار الإسلام من شوائب قد ضمر وأخذ بالتلاشي، وبات الإسلام وأفكاره النقية هي الحَكم والفيصل والميزان لدى الأمة، وهي وحدها الحق وبها تميّز الأمة العلماء والرجال، وما عادت حيل الكفار ولا استخفاف علماء السلاطين بعقول المسلمين تجدي نفعاً، فلقد انفضت الأمة عن علماء السلاطين فأفقدت تلك الأداة التي يمسك بزمامها الكافر المستعمر عبر حكامه ونواطيره فاعليتها، كما فقد الحكام من قبل فاعليتهم وتأثيرهم على الرأي العام لدى المسلمين.
إن على علماء السلاطين-وقبل فوات الأوان- أن يقلعوا عن موالاتهم للأنظمة الطاغوتية وعن الإساءة للعلم الشرعي، وأن لا يكونوا دعامة من دعائم أنظمة الكفر في بلاد المسلمين، ولا أقل من أن يعلنوا براءتهم على رؤوس الأشهاد مما ضللوا به الأمة من قبل وألبسوا عليها أمر دينها ووالوا فيه أعداءها، فعروة الإسلام هي العروة الوثقى وعرى السلاطين أوهى من بيت العنكبوت، وستودي بهم –إن أصروا على التشبث بها- إلى مهاوى الردى وخسران الآخرة لو كانوا يعلمون.
 
إن في الأمة علماء أتقياء أنقياء، علماء عاملون مخلصون، أخذوا على عاتقهم إنقاذ أمتهم مما تعانيه والسير بها نحو العلا قدماً، عبر العمل الجاد لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وإن كانوا على خطر عظيم، لذا كان على الأمة ان تميز بين علمائها وبين أدعياء العلم فيها، وأن تميز بين من يسعى لنهضتها وسؤددها ومن يسعى لتكريس واقع الذلة والمهانة فيها.
إن مشروع التغيير عبر إقامة الخلافة بات في قمة عليائه وقد فات الوقت الذي يمكن للكفار والحكام النواطير وعلماء السلاطين أن يثنوا الأمة والعاملين لها عن مسعاهم، ولقد اقترب للعاملين للخلافة قطف ثمار جهدهم وتحقيق وعد ربهم.
وإن شعباً إلى العلياء منطلقاً.....لن يقدر الجن يثنيه ولا البشر
 
21/1/2010