قضية فلسطين في ظل التغيرات الدولية والإقليمية والمحلية 

الجزء الثاني والأخير

 

بقلم: الدكتور إبراهيم التميمي*

 

عن الراية

في العدد السابق تناولنا المحاور التالية: هل سيعمل بايدن على وضع الملف الفلسطيني على الطاولة من جديد ويكمل السير وفق رؤية سياسية قديمة أو جديدة، وتحدثنا عن موقفه من الخطوات التي اتخذها ترامب بخصوص قضية فلسطين وهل سيمارس بايدن ضغوطات حقيقية على كيان يهود لإبطال تلك الخطوات التي اتخذها ترامب بعيداً عن مشروع الدولتين ضمن إطاره القديم. وتوقفنا عند ملف التطبيع الذي سوف نتناوله في هذا الجزء إضافة إلى كيف ينظر إلى تحرك السلطة والفصائل لإجراء الانتخابات بالتزامن مع وصول بايدن إلى الحكم؟ وما طبيعة التحرك المصري للإشراف على إتمام العملية الانتخابية؟ وما موقف كيان يهود من الانتخابات وهل يعمل على عرقلتها؟ وما هو الواقع السياسي لمشاركة أهل القدس في الانتخابات؟

 

اتفاقيات التطبيع في حقيقتها لا تتعارض مع مشروع الدولتين وفق إطاره القديم ولكن ترامب عندما بدأ به كان يريد توظيفه وفق صفقته ورؤيته للحل محلياً وإقليمياً، ويريد تجاوز نقطة ربط التطبيع بتصفية القضية كما هو الترتيب في اتفاقية أوسلو والمبادرة العربية، وبايدن بخصوص هذا الملف ورغم اختلافه مع ترامب في كل شيء إلا أنه باركه وأثنى عليه وأكد على أهمية هذه الاتفاقيات وضرورة المضي بها وذلك قبل الانتخابات الأمريكية وخلالها وبعدها، حيث أكد على موقفه السابق، وكذلك فعل مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان الذي أكد لرئيس مجلس الأمن القومي في كيان يهود مائير بن شبات أن "إدارة بايدن سوف تبني على اتفاقيات التطبيع الناجحة بين (إسرائيل) وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب"، وهو ما أكده بلينكن في رده على سؤال المذيع وولف بليتزر على شبكة "سي إن إن" حول "اتفاقات أبراهام" فقال بلينكن: "نعم، لقد صفقنا لاتفاقات أبراهام هذه خطوة مهمة إلى الأمام عندما نرى "إسرائيل" وجيرانها يقومون بتطبيع العلاقات وتحسينها فهذا جيد "لإسرائيل"، إنه جيد للدول الأخرى المعنية، إنه جيد للسلام والأمن بشكل عام... هذا شيء جيد".

وهذا يظهر أن بايدن لا يريد نقض ما فعله ترامب بهذا الخصوص ويريد المضي به قدماً ولكن لتوظيفه في خدمة مشروع الدولتين وليس صفقة القرن التي ذهبت أدراج الرياح، وهذا ما أراده بلينكن بقوله بعد أن أثنى على اتفاقيات التطبيع "لكن كما قلت بحق هذا لا يعني أن تحديات العلاقة بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين تختفي، لا يزالون هناك إنهم لن يختفوا بأعجوبة، ولذا نحن بحاجة إلى الانخراط في اتفاقيات السلام لكن في المقام الأول يتعين على الأطراف المعنية الانخراط في ذلك، إعادة التفاوض بين الجانبين" وضمن هذا التوظيف من إدارة بايدن لهذا الملف فإنه قد يجمد العمل به أو يبطئه أو يستخدمه في ابتزاز طفله المدلل كيان يهود.

 

كيف ينظر إلى تحرك السلطة والفصائل لإجراء الانتخابات بالتزامن مع وصول بايدن إلى الحكم؟

 

من المعلوم أن منظمة التحرير وأزلامها والسلطة وقادتها مجرد أداة رخيصة في يد أمريكا وأن قرارهم بإجراء الانتخابات بعد 15 عاما من التسويف والعرقلة لم يكن ذاتياً وإنما وفق توجيهات أمريكا بشكل مباشر أو غير مباشر عبر عميلها السيسي، كون النظام المصري هو العراب القديم للقاءات بين الفصائل وله تاريخ طويل في خدمة السياسة الأمريكية المتعلقة بقضية فلسطين وبيده مفاتيح قطاع غزة وهو قادر على جمع الفصائل وفرض الإملاءات عليها، فتركت له أمريكا هذا الملف، ولو لم تكن راضية عن الانتخابات والمصالحة لكان امتنع عن التحرك أو تحرك بما يعرقل التصالح والاتفاق والانتخابات، ولم يكن عباس ليذهب إلى القاهرة قبل إصدار مراسيم الانتخابات في شهر كانون الثاني/يناير.

 

ما طبيعة التحرك المصري للإشراف على إتمام العملية الانتخابية؟

 

هو تحرك سياسي ماكر يراد من خلاله إيجاد قيادة فلسطينية "قوية" لها صفة "شرعية" وإشراك حركة حماس في العملية الانتخابية بحيث تصبح جزءا من السلطة، وهذا سيجعل كل القوى تحت عباءة المنظمة والسلطة ولا يُمكن لأي طرف الخروج عن الخط الذي رسمته وترسمه أمريكا للمنطقة، وبهذا يكون السيسي يجهز وضع المنظمة والسلطة والفصائل لبايدن إن أراد استئناف المفاوضات وتحريك الملف بشكل جاد وتجاوز عقدة أنه سيفشل قبل أن يبدأ وذلك بعد أن شاهد فشل ترامب في تصفية القضية رغم الثقل الكبير الذي بذله هو وصهره وإدارته، ولكنها ستكون مفاوضات عبثية وعقيمة فارغة من أي محتوى لأن كيان يهود لا يريد التفاوض على الضفة، ولا يوجد أي قوة سياسية عندهم قادرة على تقديم أدنى تنازل في الضفة التي يعتبرونها "عمقهم الاستراتيجي"، وإنما سوف يستغلون تلك المفاوضات للمزيد من التوسع في الضفة وبناء المستوطنات وفرض الوقائع على الأرض، وكله شر على أهل فلسطين لا خير فيه سواء قرر بايدن ترجمة الانتخابات لتحريك الملف بشكل جاد أو اختار جعلها جزءا من إدارة الملف ضمن ألهية المفاوضات دون خطوات جادة لفرض شكل من أشكال الحل.

 

ما موقف كيان يهود من الانتخابات وهل يعمل على عرقلتها؟ وما موقفه من مشاركة أهل القدس؟

 

إن الواقع السياسي للانتخابات أنها تخدم كيان يهود كونها قائمة على اتفاقية أوسلو وتقديم التنازلات وكونها تفرز قيادة سياسية تعطيه مساحة من المناورة السياسية الجديدة تحت مسمى مفاوضات واتفاقيات تستر وجهه دولياً وأنه لا يعارض الحل وأن الأمور قيد التداول، بينما يقوم هو على أرض الواقع بفرض الوقائع وبناء وتوسيع المستوطنات والتهام الأراضي، وهذا قد يجعل كيان يهود يعبد الطريق لمركبة الانتخابات لتسير دون عرقلة ولكنه وطيف واسع من سياسييه في الوقت ذاته يريدون تكريس الفصل بين الضفة وغزة ومنع حصول انتخابات، وهذا قد يدفعهم خاصة إن نجح اليمين بتشكيل حكومة يمينية بعد الانتخابات في شهر آذار/مارس أن يقوموا بعرقلة العملية الانتخابية وبعثرة أوراقها بعمل عسكري أو سياسي كما حصل في عهد أوباما.

 

إن مشاركة أهل القدس في الانتخابات ليس كما تصورها الفصائل بأنها ستجري رغماً عن كيان يهود بل إن كيان يهود لا يعارض مشاركة أهل القدس ترشحاً وترشيحاً، وإنما يعارض فتح صناديق الاقتراع في القدس لأنه يعتبر ذلك مساسا بمبدأ أن القدس هي العاصمة الموحدة والأبدية له، أما المشاركة دون فتح صناديق الاقتراع في القدس وجعلها في كفر عقب أو العيزرية وغيرها من المناطق التي أخرجوها من القدس فإن ذلك لا يشكل تحدياً له بل على العكس هو في حقيقته يصب في خدمة سياسته القائمة على فصل أهل القدس عن القدس وهو ما يريده، ولو كانت الفصائل صادقة ولو في هذه الجزئية فقط ما قبلت أن تكون صناديق الاقتراع خارج القدس.

 

وفي الختام:

 

لا يوجد أي مشروع سياسي سواء أكان محلياً أو دولياً له حظوظ في النجاح بخصوص قضية فلسطين وإنما هي جهود لتحقيق المستطاع فقط ضمن حلقة مغلقة خاصة وأن كيانات الدول الكبرى مهترئة ترزح تحت الأزمات وقادتها يفتقدون إلى البصيرة والشجاعة وإمكانياتهم لا تمكنهم من وضع استراتيجيات حقيقية ضمن خطط قريبة الأجل، وهذا يجعل القضية تبرح مكانها يلتهمها كيان يهود بغطاء من المنظمة وسلطتها الذليلة. هذا بخصوص الواقع السياسي للقضية ما لم تتحرك الأمة وجيوشها لتحرير فلسطين واقتلاع كيان يهود من جذوره وتخليص قضية فلسطين من أنيابه وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تعمل على كسر جموح أمريكا وتقطع يدها من بلاد المسلمين وقضاياهم ومنها قضية الشرق الأوسط، وتعمل على علاج هذه القضايا وغيرها وفق الأحكام الشرعية، وعلى التعامل مع القضايا العالمية الكبرى وفق سياسة خارجية تقوم على نشر الإسلام رسالة عدل وخير إلى العالم أجمع، دولة إسلامية قوية يقودها حكام يحيط بهم وسط سياسي يعلم من أين تؤكل الكتف وكيف يروضون الفيل والحمار الأمريكي ويؤدبون الثعالب الغربية ويصطادون الدب الروسي ويتصدون للوحش الصيني ويفتحون بلادهم ويخلصون شعوبهم من شرورهم.

 

 

 *عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين