بقلم : يوسف طلال
عندما تُوصف إحدى الحركات لدى الغرب بالبراغماتية فهذا يعني أنّها صارت تتصف بصفة تجعل الحوار معها أمراً ممكناً، وأنّها باتت تنظر للأمور نظرة نفعية ذات مرونة يصبح كل احتمال لديها ممكناً، ولا وجود عندها محرمات مسبقة، وحينئذ يمكن أن تتخذ هذه الحركة موقعاً على خريطة الاعتبار السياسي والمشاركة، وبالمقابل فهي تعني عندنا، نحن المسلمين، نقيض المبدئية التي تفرض علينا النظرة للواقع الفاسد بمعايير ثابتة سلفاً تهدف إلى تغييره وتحول دون الرضى به أو السكوت عنه أو التحول لأن نكون جزءاً من منظومته .
بات واضحاً أنّ حركة حماس بشقيها التنظيمي والحكومي اتخذت نهجاً براغماتيا من حيث الخطاب السياسي والسلوك السياسي كذلك، فسلوكها السياسي تبدو عليه الرغبة الجامحة في الاندماج بمنظومة الوضع السياسي الحالي، وهذا الأمر لا يؤدي إلى التنازل فقط بل هو بذاته انحدار سحيق ورغبة ثمنها باهظ جدا بالنسبة لحركة إسلامية طرحت شعار "الإسلام هو الحل"، والتالي يشرح المقصود:
1 – التعامل مع المفاهيم السياسية التي كرسها الغرب وفرضها لتشكل الأساس في النظر لقضية فلسطين، وكذلك تبني نفس المصطلحات السياسية، بل واستعمالها في الخطاب السياسي للحركة ما هو إلا تكريس وقبول لها، وذلك هو عين ما أراده الاستعمار منذ زمن بعيد، وهو أن ننظر للقضايا بعينه هو، ونستعمل أدواته المفاهيمية، وحينها لا يوجد فرق بين الحلول ما دامت مبنية على وجهة نظره.
 إنّ استعمال وتبني مفاهيم من مثل أن نعود بالقرارات إلى صندوق الاقتراع أو أن رأي الأغلبية هو الذي يقرر وذلك في قضايا حسمها الحكم الشرعي والإسلام منذ نزل، أو في الكلام الممجوج عن الشرعية الفلسطينية التي لا يقرها الشرع ولا الدين هي أمثلة على ذلك، ومثال ذلك أيضا ما جاء في كلام خالد مشعل عن السلام في زيارته الأخيرة لروسيا وذلك أنّه اتهم "إسرائيل" بأنّها "لا تسعى لتحقيق السلام" . وفي هذا إقرار صريح بموقفه من السلام وبأنّ السلام بات مقياساً حتى عند خالد مشعل ليحاكم به "إسرائيل" ويدينها أمام الدول .
 هذه الأمثلة وغيرها الكثير باتت تشكل مضمون الخطاب السياسي لحركة حماس وهي أمثلة صارخة على مجاراة الأجواء العالمية، تلك الأجواء التي ما برحت تشكل مظلة "لإسرائيل" وكيداً للمسلمين، وأمام هذا الخطاب لم يعد ينفع أي تبرير يُقدم للناس وللبسطاء. فمشعل حين يتكلم عن السلام أمام الروس فهو يتكلم عن مفهوم يعرفه العالم جيداً بأنّه يعني حزمة التسويات مع كيان يهود .
2 - التعامل مع المؤسسات الدولية واللجان الدولية وتقاريرها وقنواتها، وجعلها مرجعية لفض الخلافات أو القبول بها أصلا، فهذه المؤسسات لطالما كانت بيد الدول الكبرى مسخرة لها في تنفيذ سياساتها وهو أمر معروف، غير أنّ التعامل معها يعني فتح الباب للتيه في دهاليز أعدت من قبل أصحابها للمكر والتآمر على المسلمين . فلا ينبغي الفرح لتقرير مثل تقرير غولدستون – الذي رجع لمجلس الأمن ودفن فيه - لأنّه وجه بعض نقاط الإدانة "لإسرائيل" وأقل منها لحماس، لأن الاعتراف والتعامل مع مثل هذه التقارير والرد عليها يعني القبول بمقاييسها للحكم، وستعتبر سابقة، لها لاحقة، بل لواحق للرضى بها والقبول بأمثالها .
3 – التعاطي مع القوى الكبرى وخاصة أمريكا وأوروبا وكذلك روسيا، فعندما يصبح كارتر وجهاً مقبولاً في غزة، أو عندما يدعو اسماعيل هنية – كما حصل قبل أيام - أمريكا لمحاورة حركة حماس، أو أن تصبح  روسيا وأوروبا هي الزاوية المعتدلة التي تتكئ عليها في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني فإنّ هذا أمر جد خطير. إنّ روسيا التي ذهب إليها خالد مشعل " للبحث عن سبل جديدة لحل المشكلات الرئيسية في الشرق الأوسط" حسب ما ذكر أسامة حمدان هي بلد عدو للإسلام والمسلمين وتحتل أرضاً إسلامية "كإسرائيل"، وكارتر ليس رجلاً من رجالات الإصلاح ولا هو عجوز يبغي بأعماله وجه الله قبل مهلكه، فهو وجه خبيث من أوجه السياسة الأمريكية، وأمريكا التي يريدها اسماعيل هنية أن تحاور حركة حماس لا زالت هي أمريكا التي نعرفها بل ويعرفها العالم برمته بصورتها السوداء البشعة وبيديها الملطخة بدماء المسلمين، وتلك حقائق لا يمكن عزلها مطلقاً عن الصورة ولا يصح ذلك أبدا.
 إنّ الشعار الطاهر "الإسلام هو الحل" وهو شعار سبق وأن تبنته حركة حماس، ولا بأس بالتذكير به، كان ولا يزال يقتضي أموراً منها :
الأول: أن يكون الإسلام أساس النظر للأمور كلها والقضايا بكلياتها وجزئياتها وأطرافها وهو أساس العمل لحلها، لذلك ينبغي التعامل مع قضيه مثل قضية فلسطين بمفاهيم الإسلام الواضحة المحددة سلفا وهي الأحكام الشرعية التي تتعلق بها، وتلك الأحكام الشرعية لا تدع مكاناً لمفاهيم التسويات السلمية ولا للاستفتاء عليها ولا تعطي كذلك شرعية لمن يتبناها ويخاطب الناس بها ولو انتخبه عامة الناس.
الثاني: أن يكون خطاب الأمة شديد الوضوح بأنّ الإسلام هو الحل، وأن يكون ذلك تفصيلاً لا إجمالا ولا شعاراً، حتى تدرك الأمة أحكام الإسلام للحل وتميزها عن المفاهيم والأطروحات المشبوهة التي يطرحها عدوها من الغرب وأزلامهم، وذلك حتى تتحرك مدفوعة بإسلامها، واعية لمفاهيمه النقية ليس غير.
وثالثاً: إنّ شعار "الإسلام هو الحل" إذا كان يعني أنّ أحكام الإسلام هي الحل، هو كذلك، فمن البديهي إذاً أن يكون الحل فقط من المسلمين وعلى أيدي المسلمين، واعتبار أي تدخل في قضايا المسلمين من الكفار ولا سيما أعداء الأمة البارزين هو من محرمات العمل السياسي . وعليه فإنّ طريقة التعامل مع الدول الكبرى الطامعة ومؤسساتها وكل ما ينبثق عنها من أدوات وعملاء ليس هو فقط بقطع يدها الممتدة لقضايا الأمة كلها وعلى رأس تلك الدول أمريكا ولا تستثنى منها أوروبا ولا روسيا فكلهم سواء .
 إنّ أية مبررات لمثل هذا السلوك السياسي الذي تحدثنا عنه من مثل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني هي مبررات واهية و ليست في مكانها سيما وأنّ هذه الدول المؤثرة هي سبب المعاناة الأول لأهل فلسطين وهي التي تعمل على بقاء "إسرائيل" وحفظ أمنها وتغطية جرائمها، ورغم سنين طوال من تدخل هذه الدول وإمساكها بتلابيب قضية فلسطين إلا أنّ المعاناة لم ترتفع، وكذلك فإنّ مبررات من مثل الخوف من التهميش و الإقصاء عن دائرة التأثير، فهم مقلوب للواقع تماما، ذلك أنّ دول الغرب وعلى رأسه أمريكا ما كانت لتفلح في السيطرة على بلادنا وتمرير سياساتها لولا تعاطي القوى السياسية في البلاد الإسلامية معها والاعتراف بها والقبول بدورها حتى صارت هي اللاعب الأول والأساسي، ولو كان الأمر غير ذلك لصارت هي تبحث عمن يدخلها في قضايانا وتستجدي ولا تجد.
 وأخيراً، إنّ عدم الاعتراف "بإسرائيل" هو أمر جيد ولكنه يصبح بلا معنى عندما يتم رفض الاعتراف "بإسرائيل" ولكن يتم القبول "بتسوية سياسية مع إسرائيل على أساس قيام دولة فلسطينية في حدود 67" والتعاطي مع كل مرجعياتها والمؤسسات التي أفرزتها والظروف التي تدعمها وتثبتها، وذلك لتجد حركة حماس نفسها في النهاية حبيسة منظومة ضخمة من العلاقات والاعتبارات التي يصعب عليها الفكاك منها.
15/2/2010