يوسف طلال
بعد عملية اغتيال المبحوح في دبي ثارت موجة إعلامية وسياسية ضخمة، فتناولت كثير من وسائل الإعلام والكتّاب والسياسيين الموضوع من زاوية الكلام عن الإبداع الذي حققته شرطة دبي، والخرق الذي أحدثته في الجدار الصلب لهيبة الموساد وعملياته المحكمة، وصرنا نسمع كثيراً عن ضاحي الخلفان قائد شرطة دبي - الذي صار نجماً في عالم الإعلام العربي - من خلال الكلام عن انهزام أسطورة الموساد، وذلك على الرغم من أنّ العملية قد تمت وخرج المجرمون بسلام، ولا ندري ماذا كنا سنسمع لو تم القبض فعلاً على هؤلاء القتلة الجواسيس.
ولكن الأمر الثابت والبعيد عن المرآة الإعلامية أنّ هذه ليست المرة الأولى ولا الثانية ولا حتى العاشرة التي تمتد أيدي يهود القذرة لاغتيال أبناء المسلمين من علماء ومقاومين وغيرهم، وهي لم تتوقف عن قتل المسلمين في فلسطين ولو لبضعة أيام، بل إنّ كثيرا من قيادات يهود التي تجوب في كثير من البلدان العربية ذهاباً وإياباً قد اشتهر عنها مثل تلك العمليات، مثل ليفني التي كانت جاسوسة قاتلة "بالمفرق" قبل أن تصبح سفاكة للدماء بالجملة في حرب غزة .
 الأمر شبه المؤكد أنّ هذه العملية لن يترتب عليها كثير من السياسة ولا قليل من الحروب، فأرواح المسلمين- ولو كانت بالجملة عدا عن أن تكون لفرد واحد -  لا وزن لها في ميزان الحكام، هكذا اعتدنا عليهم، وبالنسبة لأوروبا فسيُعاد ترميم العلاقات إن شوشت -ذلك لمن يعتبر خرابها بين أوروبا و"إسرائيل" انجازاً- فهي لطالما تجاوزت عن جرائم أكبر من ذلك بكثير ليهود ما دام الضحايا هم من المسلمين .
إنّ حكام المسلمين مع أجهزتهم الإعلامية لا زالوا على عادتهم فيقلب الحقائق والوقائع، وفي تحويل المصائب إلى مكاسب، والعار إلى فخار، "إسرائيل" تسفك الدماء وتغتال المسلمين، بينما الأنظمة تتباهى إعلامياًَ بكشفها بعض الوقائع، ولقد ذكرتني عملية دبي  بخبر كنت قد قرأته قبل أيام يتكلم عن حجم الدين العام الأردني الذي بلغ حوالي 13 مليار دولار، لم يتم التركيز على ضخامة المبلغ وكونه كارثة بالنسبة إلى اقتصاد هش لبلد مثل الأردن، بل انتقل الخبر بشكل مضحك محزن إلى التركيز بشيء من التفاخر على مقدار الشفافية التي صاحبت التعامل مع موضوع المديونية والكشف عنها .
غير أنّ اللافت للنظر في تغطية عملية دبي كان هو غياب الأمر الخطير الذي يجب أن تطرقه أي دولة ولا تسكت عنه مطلقا في مثل تلك الحالات، ألا هو موضوع السيادة وانتهاكها، إذ يُفترض أن هذا الأمر من المحرمات والخطوط الحمراء، إلا أنّه غاب تماماَ خلف صور ضاحي الخلفان.
لم يكن من الرد الطبيعي على مسألة انتهاك سيادة بلد عربي، الإكثار من تحميض صور كاميرات فنادق دبي ونشرها على الملأ، فليس هكذا يكون الرد عندما تُنتهك سيادة بلد، وتُسفك على أراضيها الدماء، بعملية شديدة الوقاحة، شارك فيها فريق اغتيال، عدد أفراده ضعف عدد أعضاء فريق كرة القدم، إنّها ليست لعبة " الغميضة" التي يلعبها الأطفال ويكفي الفائز فيها أن يرى من يختبئ،  وحتى لا يُساء الظن كثيرا بعقلي، فكاتب هذه السطور لا يتوقع طبعاً رداً مدوياً على انتهاك سيادتها، لا من دبي ولا من الإمارات ولا من ما يسمى بدول مجلس التعاون الخليجي، ولا حتى من الأنظمة العربية مجتمعة، لأسباب كثيرة لا تخفى، بل ولا يتوقع ذلك أحدٌ من الناس، وما كان الأمر ليخطر بالبال بالنسبة لأنظمة قد فقدت كل إحساس بالكرامة لولا أن هذه اللفظة، لفظة السيادة، صار يتم تداولها مؤخراَ بكثرة على السنة الحكومات والأنظمة في البلاد الإسلامية .
 نعم لقد صار تداول لفظة السيادة كثيراً ما يتردد، ولكنه ليس استدراكا لغيابها، وإنّما ليقصد به مفهوماً مقلوباً ومعنى معكوساً، فالسيادة عند الأنظمة في بلاد المسلمين تعني قتل المجاهدين على الحدود الباكستانية، بينما لا تعني الرد على قصف الطائرات الأمريكية بطيار أو بدون طيار للباكستانيين المدنيين.
تهريب الغذاء لسكان غزة ينتهك سيادة مصر وذلك ما تطلب عملاً سيادياً هو حصارهم بجدار من فولاذ، أما حرق المسلمين فيها وتهديم بيوتهم على رؤوس ساكنيها، وقصف رفح، والجزء المصري منها ليس انتهاكا لشيء!.
"إسرائيل" قصفت سوريا قبل بضعة أعوام وقالت حينها أنّها ستثأر لسيادتها، وتحتفظ بحق الرد، ولكنها لغاية الآن لم ترد سوى باللهث وراء مفاوضات يهود!.
اقتراب الحوثيون من الحدود السعودية هو مس بسيادتها، بينما لم ينتهكها من قبل وجود قواعد المشركين العسكرية في جزيرة العرب!.
السلطة الفلسطينية القابعة تحت الاحتلال، والتي لطالما كانت ذليلة أمام يهود تتكلم عن السيادة وذلك فقط عندما تريد قمع نشاط للعاملين المخلصين للخلافة .
إنّ الجامع بين كلام الأنظمة عن السيادة على اختلاف سياقه، هو أن الكلام عنها صار يأتي فقط في سياق تنفيذ مشاريع الأمريكان والكفار، ولذلك بات واضحاً معنى السيادة في معجم هؤلاء الحكام مسلوبي السيادة، إنّها تعني في عرفهم خدمة أعداء المسلمين من الكفار، أي خدمة أسيادهم .
11/3/2010