بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في تقرير البنك الدولي عن أداء السلطة الفلسطينية
بقلم: عبد الرحمن يوسف
 
صدر قبل أيام تقرير عن البنك الدولي، يشيد بأداء السلطة الفلسطينية المالي و الإداري والأمني. وقد جاء التقرير تحت عنوان "نحو دولة فلسطينية" حيث أبرز التقريرتحقق نمو اقتصادي في الضفة الغربية بنسبة (6.8 ٪)   وأن السلطة قامت في سبيل ذلك بعدة أمور أهمها:
•        تقوية المركز المالي للسلطة.
•        تحسين المالية العامة للسلطات المحلية.
•        نقل مسئولية توزيع الكهرباء من السلطات المحلية إلى شركات تجارية.
•        زيادة مستوى الأمن .
كما ذكر التقرير مرات عديدة ضرورة قيام "إسرائيل" بإجراءات لتخفيف القيود عن الفلسطينيين في الضفه الغربية, وضرورة وجود قطاع خاص ديناميكي لخلق وظائف للسكان.
إن تحقق نمو اقتصادي بنسبة (6.8 ٪) هو أمر عظيم إن صدق, وهو يعني أننا نقترب من وضع الصين الاقتصادي في هذه السنوات العجاف. فمن أين يأتي مثل هذا النمو الاقتصادي والعالم كله وعلى رأسه أمريكا يعاني من أزمة اقتصادية تشبه الكساد العظيم !!!
وأين هي مقومات الاقتصاد في الضفة الغربية التي تغلبت على ذلك الركود العالمي وحققت نموا اقتصاديا يشبه ما تحقق في الصين, والمواطن لا ينتقل من مدينة إلى أخرى إلا من خلال حواجز الاحتلال ؟؟؟
وقد يكون ذلك ناتجا عن حواجز ما يسمى بالضابطة الجمركية التي أنشأتها السلطة للتسلط على أرزاق الناس وعرقلة حركتهم حتى داخل المدن والقرى ؟؟؟
ومع أننا نعيش في الضفة الغربية التي يتحدث التقرير عنها فإننا لم نلمس ذلك النمو, بل إننا نلمس عكس ذلك تماما. حيث يعيش الناس أسوأ وضع اقتصادي منذ عقود, وتتزايد معدلات البطالة خصوصا بين الشباب, فيما تزداد أعداد من يقعون تحت خط الفقر ويفكرون بالهجرة يوما بعد يوم، ويتقلص القطاع الخاص فيما يفكر الكثير من أصحاب الأعمال في نقل أعمالهم إلى خارج الضفة الغربية, ولا أبالغ إن قلت أن ذلك قد حدث وأن هناك من قام بذلك هروبا من الإصلاحات الكبيرة التي تقوم بها السلطة في سبيل خلق قطاع خاص يزيد من حجم تشغيل الأيدي العاملة ... !!! .
وبالنظر إلى ما جاء في تقرير البنك الدولي المذكور نجد أن الإنجازات التي تمت الإشادة بها جاءت على النحو التالي :
أولا : تقوية المركز المالي للسلطة.
      تقوم السلطة وبحسب التقرير بمحاولة خفض العجز المتكرر في ميزانيتها من 1.6 إلى 1.2 مليار دولار . وهذا يعني أحد أمرين, إما تخفيض النفقات أو زيادة الإيرادات. وإذا علمنا من التقرير المذكور أنه لا يوجد خفض للنفقات, وأن حجم دعم الدول المانحه قد تقرر لهذه السنة, وأن رئيس وزراء السلطة يكرر أنه يود التقليل من اعتماد ميزانيته على الدول المانحة, فإن ذلك يعني أن تتم زيادة ايرادات السلطة من خلال زيادة الجباية من المواطن تحت مسميات متعددة من ضرائب مباشرة وغير مباشرة. وهذا تماما ما يلمسه المواطن في الضفة الغربية, حيث يجري إثقال كاهله بالمزيد من الضرائب التي تسعى السلطة بكل حيلة لزيادتها, وتنشر ما يسمى بالضابطة الجمركية للتسلط على الناس ومصادرة أموالهم. كما تقوم وزارة مالية فياض في هذا الصدد بمكافأة موظفي الضرائب لديها استنادا إلى معيار زيادة الجباية المتحققة في كل دائرة من دوائرها, إضافة إلى ما تقوم به من زيادة الضرائب غير المباشرة فيما يسمى رسوم معاملات وطوابع ايرادات و .... إلخ, ولن يكون آخرها زيادة رسوم ترخيص المركبات.
ثانيا : تحسين واستدامة المالية العامة للسلطات المحلية
      وفي هذا الإطار تقوم السلطة من خلال البلديات والمجالس القروية وبدعم وتنسيق من وزارة الحكم المحلي (بحسب تقرير البنك الدولي) بزيادة ضريبة المسقفات وهي الضريبة على الأملاك والعقارات وبتوسيع نطاقها. كما يجري الآن الربط بين دوائر السلطة المختلفة لإلزام الناس بدفع رسوم ترخيص بيوتهم القائمة في القرى والأرياف النائية. علما أنها ليست رسوم ترخيص لأبنية يتم إنشاؤها حاليا كما قد يظن البعض, بل يطلب من الناس دفع رسوم ترخيص أبنية قائمة منذ سنوات, حيث كان الناس يبنون ما أمكنهم ذلك في القرى خوفا من شبح الاستيطان ومصادرة الأراضي من قبل الاحتلال. والسلطة بدلا من أن تقوم بمكافئتهم على ذلك تقوم بإثقالهم بالضرائب والرسوم في هذه الظروف الصعبة, إلا إذا صدقنا البنك الدولي بأن هناك نموا اقتصاديا يتحقق ونحن لا نشعر به كمواطنين .
علاوة على ذلك تقوم البلديات باستحداث أنواع جديدة من التراخيص لم تكن موجودة من قبل وزيادة الرسوم القائمة أصلا, وأصبح المواطن يشعر وكأنه محارب في رزقه من كل ناحية, وأن البلديات والمجالس القروية هي أدوات جباية جديدة أضيفت إلى ما سبقها من أدوات .
ثالثا : نقل مسؤولية توزيع الكهرباء من السلطات المحلية إلى شركات تجارية.
      يذكر التقرير أنه جرى بعض التقدم على هذا الصعيد, وهذا التقدم ناتج عن تولي موزع جديد للكهرباء (شركة كهرباء الجنوب) ويجري التأسيس لشركة كهرباء الشمال .
معلوم للجميع أنه تم بناء شبكات الكهرباء وبنيتها التحتية في الضفة الغربية من قبل المواطنين, وكل من يسكن في الضفة الغربية يعرف كيف تم ذلك, وكيف قام الناس بجمع المال لسنوات حتى تم إيصال الكهرباء إلى مدنهم وقراهم, وكيف أن الكثير من الناس كان يستدين لشراء عامود أو أكثر حتى تصل الكهرباء إلى بيته.
لذلك فإن كل شبكات الكهرباء في الضفة الغربية هي ملك لمواطنيها وأن قيام السلطات المحلية بمسؤولية إدارتها وتوزيعها هو الوضع الطبيعي لذلك. أما قيام السلطة الفلسطينية بنقل مسؤولية إدارة وتوزيع الكهرباء إلى شركات تجارية فهو سرقة لأملاك المواطنين ومكتسباتهم, وإعطائها بلا ثمن إلى من لا يستحقها من تلك الشركات المشبوهة.
 وكان الأولى أن تقوم السلطة بإنتاج الكهرباء بدل الاستمرار في أخذ الكهرباء من دولة الاحتلال إذا كانت تسعى لإيجاد البنية اللازمة "للاستقلال" ...؟؟؟؟
إن إشادة البنك الدولي بمثل هذه الخطوة والتي تسمى في المبدأ الرأسمالي بالخصخصة هي وصفة لنهب الأموال العامة إلى جيوب الرأسماليين المتنفذين المتدثرين بعباءة السلطة. وهي فوق كونها محرمة في ديننا ونهب لأموالنا فهي أيضا أثبتت فشلها في بلد منشئها (الغرب) وقد لاحظنا خلال الأزمة المالية الحالية كيف عاد الغرب عن الخصخصة إلى التأميم .
لقد كانت السلطات المحلية تدير عملية توزيع الكهرباء وتقوم بتحسين بنية المدن والقرى فيما يتحقق من عوائد ذلك, وهي الآن وقد تنازلت عن حقوق المواطنين لمن لا يستحق, تسعى لتعويض تلك الايرادات من خلال زيادة ضريبة المسقفات (ضريبة الأملاك والعقارات) وغيرها من الرسوم, ملتزمة بنصائح البنك الدولي سيئ الصيت .
وتجدر الإشارة إلى أن ما يجري في هذا الشأن يتم بتوجيه حثيث من قبل السلطة الفلسطينية والتزاما بما يطلبه البنك الدولي, وقد جاء في التقرير "إن عمليات الإصلاح في نظام توزيع الكهرباء تتشابك مع الأجندة الأوسع نطاقا للأموال البلدية"  
رابعا : زيادة مستوى الأمن
      إذا كان المقصود في الأمن هو تحقيق الأمن للمواطن في فلسطين فذلك أمر جيد, ولكن هل تحقق للمواطن زيادة في مستوى الأمن أم انعدام له ؟؟؟
إن ما يجري في الضفة الغربية هو مزيد من الإرهاب للمواطن, سواء من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال الذي يحرسهم أثناء اعتداءاتهم على المواطنين ومساجدهم وممتلكاتهم فيما تقف السلطة واجهزتها الأمنية متفرجين على ذلك, أو من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية التي تقمع الناس وتعتقلهم لمجرد تعبيرهم عن رأيهم أو أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
فيما يظهر أن زيادة مستوى الأمن الذي تحقق هو أمن المحتل ومستوطنيه, وذلك بفضل التنسيق الأمني المستمر. وليس من قبيل الصدفة أن يصرح القنصل الأمريكي بعيد صدور تقرير البنك الدولي بأن التحسن الاقتصادي في الضفة الغربية جاء نتيجة للتحسن الأمني الذي تحقق .
إن السلطة الفلسطينية ليست دولة ولا يوجد لديها مقومات الدولة, وإن ما تقوم به السلطة من الكذب والتضليل والإعلان المتكرر الممجوج بأنها تقوم ببناء أسس الدولة الفلسطينية الموعودة ليس له واقع. وإن هذا الكلام يندرج في اطار الرؤية السياسية الأمريكية فيما يسمى بحل الدولتين الذي لم تبق "إسرائيل" إمكانية لتنفيذه على أرض الواقع .
 وفي هذا الإطار يبدو واضحا أن تقرير البنك الدولي هو تقرير سياسي يدعم التضليل والخداع الذي تحاول السلطة القيام به دون جدوى. فالناس في الضفة الغربية يعلمون أنه لا يوجد انتعاش اقتصادي وأن البنك الدولي ما هو إلا أداة من أدوات السياسة الأمريكية, ويعلمون أنه لا يوجد مقومات لدولة فلسطينية على الأرض. وأن يهود قاموا خلال فترة المفاوضات الماراثونية بالاستيلاء على معظم أراضي الضفة الغربية و زرعوها بالمستوطنات, و فرضوا أمرا واقعا على الأرض يستحيل معه وجود دولة فلسطينية إلا إذا كانت دولة لا تشبه الدول إلا في الاسم .
 إن فلسطين لن تحرر تحريراً حقيقياً على أيدي هؤلاء الذين جاءت بهم أمريكا ويهود، وإنما ستحرر قريباً إن شاء الله على أيدي أحباب رسول الله، وستعود فلسطين ولايةً في دولة الخلافة القادمة قريباً إن شاء الله.
18/4/2010