علاء أبو صالح/عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
 
منذ 18 عاماً والمنطقة مشغولة بمسلسل مفاوضات آخذ بعضها برقاب بعض، ومنذ عقود اتخذ الحكام العرب قراراً باتخاذ خيار السلام خياراً استراتيجياً لهم ورموا وراء ظهورهم خيار الحرب إلى غير رجعة، وبين هذا وذاك برزت خيارات المقاومة والمقاومة الشعبية والممانعة، فمتى تتخذ الأمم والشعوب خيار الحرب أو خيار السلام؟ ثم ما هو الخيار الإستراتيجي وكيف للأمم أو الشعوب أن تحدد لنفسها هذه الخيارات؟
 
أسئلة تستدعي الوقوف عليها لا سيما إذا أخذنا القضية الفلسطينية نموذجاً بما يكتنفها في وقتنا الراهن من فوضى في اتخاذ القرارات وتسليم مطلق للمشاريع الغربية جراء تمسك السلطة الفلسطينية والحكام العرب بخيار السلام.
في أعراف الدول والأمم والشعوب توجد مصالح حيوية وأخرى ثانوية، وجراء تحديد تلك المصالح إما وفق مبدأ الأمة إن كانت الأمة صاحبة مبدأ وإما وفق متطلبات عيشها ومستلزماته كدولة وشعب عيشاً كريماً في حال فقدانها لمبدأ موجه لها في الحياة، تتخذ الأمم والشعوب والدول من المصالح الحيوية قضايا مصيرية لها أو ما يسمى بلغة إعلام اليوم بالخطوط الحمراء التي تتخذ الشعوب اتجاهها إجراء الحياة أو الموت.
 
لذا فالخيار الإستراتيجي لأية أمة أو شعب هو قضية مصيرية تقدم في سبيله الأمة أو الشعب الغالي والنفيس والأرواح والأموال في سبيل تحققه بل إن قضايا الأمم الحية والمبدئية يمكن أن تفنى الأمة في سبيل تحقيقها. لذا فخيار الأمة الإستراتيجي غير قابل للتفاوض أو المساومة وإلا لم يكن استراتيجياً أو مصيرياً ولا تتخذ الأمم الحية تجاهه سوى خيار الحرب، وفي حالة ضعفها وهزيمتها يُفرض عليها خيار السلام ولا تلجأ إليه اختياراً، إذ في حالة الهزيمة تصبح الأمة أو الدولة غير قادرة على أن تتخذ وتحدد لنفسها خيارات إستراتيجية فهي لم تعد تملك من أمرها شيئاً.
 
وبالعودة إلى القضية الفلسطينية وخيارات الحرب والسلام، فمن أدرك جوهر هذه القضية ولم يتأثر بعوامل التضليل والتغشية والمغالطات الدائمة والمستمرة في الحقائق يدرك أن قضية فلسطين لا تفهم إلا على صعيد واحد، وهو أن فلسطين أرض محتلة قد غشيها عدو غاصب وأعانته على ذلك قوى غربية استعمارية وتآمر معه حكام عبيد. والحال كذلك فلا خيار يتخذ بحق هذه القضية وتجاهها سوى خيار الحرب لا غير. وكل خيار آخر هو تفريط بهذه الأرض المحتلة ورضا بإلقامها أو إلقام جزء منها لذاك العدو الغاصب ولا أظن أحداً من البشر يخالف في هذه الحقيقة.
 
فإذا كان احتلال الأرض واعتداء العدو على أمة أو شعب ما لا يستأهل ولا يستلزم خيار الحرب فهذا يعني إسقاط هذا الخيار من خيارات وقاموس البشر، إذ لا واقع يستلزم اتخاذ خيار الحرب أكثر من هذه الحالة. والواقع أن الدول تتخذ خيار الحرب في شؤون أقل من ذلك بكثير، فأمريكا قد اتخذت محاربة الإرهاب أو الإسلام خياراً استراتيجياً لها فشنت حرب أفغانستان والعراق وقدمت العديد من الجنود الأمريكان قرباناً لتحقيق مصالحها واستيلائها على منابع النفط وطرق الغاز، وكذا فعلت روسيا والدول الأوروبية في الحرب العالمية الأولى والثانية، وفعلت أمريكا كذلك في تورطها في الحرب الكورية وفيتنام جرياً وراء مصالحها مما كبدها العديد من الخسائر البشرية والمادية.
 
ومن الجدير ذكره أن إعلان السلام كخيار استراتيجي لا رجعة عنه في ظل تفاقم "الصراع" على قضية ما وهي في هذا المقام قضية فلسطين يعد استسلاماً واضحاً للعدو، فلا معنى لإعلانك السلام خياراً مع عدو يشن عليك هجوماً كاسحاً في ميادين شتى سوى أنك تستسلم له استسلاماً مطلقاً بل مهيناً ذليلاً.
 
ولقد اتخذ الحكام العرب خيار السلام خياراً استراتيجياً لهم عام 1996 في قمتهم التي التأمت في القاهرة، وكرسوا هذا الخيار الاستسلامي وتوجوه بما بات يعرف بالمبادرة العربية للسلام والتي أقرها الحكام العرب في قمتهم ببيروت في عام 2002، وهي في حقيقتها ليست سوى مبادرة أمريكية كتبها الأمريكي توماس فريدمان وتبناها وسوقها ملك السعودية الراهن عبد الله، مما يعطي انطباعاً واضحاً أن اتخاذ خيار السلام خياراً استراتيجياً لم يكن بقرار عربي سيادي بل بإملاءات أمريكية واضحة.
وفي ظل غياب اتخاذ الخيار المناسب في قضية فلسطين ظهرت خيارات المقاومة أو المقاومة السلمية، وبعيداً عن الخوض في تفصيلات هذه الخيارات الشائكة وملابساتها المعقدة إلا أنه لا يسعني القول في هذه الخيارات إلا أنها خيارات حركات أو أفراد لا ترقى لأن تكون خيار أمة أو شعب.
 
أما ما تسمى بالممانعة التي اتصفت بها بعض الدول فهي أكذوبة انتحلتها دول اقتضى دورها السياسي اتصافها بها، وإلا فهي في عدم اتخاذ خيار الحرب مع ما تسمى بدول الموالاة سواء بل إنها لا تخالف بقية الدول في إقرارها أن السلام خيار استراتيجي وهي تلهث وراء السلام المزعوم كبقية الأنظمة دون تفريق سوى في القشور.
 
من ذلك كله يتضح لنا أن لا خيار للدول والشعوب والأمم الحية تجاه قضاياها المصيرية سوى خيار الحرب لا غير، وأن اتخاذ خيار السلام يعد تنازلاً وتفريطاً بقضايا الأمة ومصالحها الحيوية، وهذا ينطبق على جميع الشعوب والأمم ولقد مارسته الدول على اختلاف هوياتها ممارسة عملية على مر العصور.
 
ولقد ضرب قادة الأمة الإسلامية عبر الخلافة على مدى ألف وأربعمائة عام أروع الأمثلة وأوضحها وأثبتها تمسكاً بقضايا الأمة ومصالحها الحيوية، منذ عهد الراشدين إلى أن هدمت الخلافة، فذاك الصديق أبو بكر في حرب الردة، وذاك الفاروق وذاك هارون الرشيد والمعتصم وصلاح الدين والظاهر بيبرس وقطز وطارق بن زياد ومحمد الفاتح وعبد الحميد، فقد كانوا جميعاً مصابيح دجى وعلامات بها الحكام والبشر يهتدون.
 
لكن خلف من بعد هؤلاء خلف أضاعوا قضايا الأمة وفرطوا بمقدساتها وضربوا للعالم أسوأ مثال في التفريط والخيانة والتآمر على قضايا أمتهم ومقدساتها وحقوقها، فكانوا أسوأ خلف لخير سلف ولسوف يلقون غياً.
 
إن على الأمة الإسلامية اليوم أن تتخذ إجراء الحياة أو الموت تجاه قضاياها المصيرية، وأن تتحرك لنصرة فلسطين فتتحرك عاجلاً دون أن تسمح لأي عائق مهما كان أن يقف في وجه تحركها فتقتلع أنظمة الضرار وتنصب عليها خليفة يقودها إلى ساحات الوغى ليعيد الحق إلى نصابه فتستعيد الأمة كرامتها المسلوبة وعزها المفقود وتضحي في سبيل قضاياها، فتحرر فلسطين وتطهر المسجد الأقصى من رجس يهود وتحرر كل شبر محتل من بلاد المسلمين وتحمل الإسلام وتتخذ من نشره للعالم رسالة هداية خياراً استراتيجياً لها، وليكن شعارها في ذلك كله قول الرسول الأكرم (فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يُظهره الله أو تنفرد هذه السالفة).
 
 
 
29/05/2010