د. محمود محمد
 
 
لا زالت الفضائح تعصف بالكنيسة، ولا زالت المصائب واللعنات تطارد هذه المؤسسة الكافرة، وإن من آخر القنابل التي فجرت في وجهها هو ما تناقلته وسائل الإعلام في 26/6/2010م، حيث نشرت تقريراً لعالم دين مسيحي شكك في الاعتقاد السائد لدى المسيحيين بأن عيسى بن مريم عليه السلام مات مصلوبا، قائلا إنه لا يوجد دليل بأن الرومان كانوا يصلبون المساجين قبل 2000 عام.
ونسبت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إلى عالم اللاهوت غونار صمويلسون القول إن "أسطورة إعدام" المسيح عليه السلام تستند إلى تقاليد الكنيسة المسيحية وإلى صور الرسَّامين أكثر منها إلى النصوص القديمة.
وزعم الباحث بجامعة غوتنبيرغ بالسويد غونار صمويلسون "أن الإنجيل قد أُسيء تفسيره، إذ ليست هنالك أسانيد صريحة على استخدام المسامير أو الصَّلب، بل إن المسيح كان يحمل عمودا خشبيا في طريقه إلى الجُلْجُلة، وهو الموضع الذي صُلِب فيه".
وقال صمويلسون في أطروحته المؤلَّفة من 400 صفحة التي كتبها بعد دراسته للنصوص الأصلية، "إن المشكلة تكمن في أن الأدبيات القديمة تخلو على نحو لافت من أي ذكر لعمليات صلب. وأضاف أن المصادر التي يتوقع المرء أن يعثر فيها على ما يدعم الفهم الراسخ لحادثة الصلب لا تقول شيئا في واقع الأمر".
وفي ذلك يرى غونار صمويلسون أن الفهم المعاصر للصلب باعتباره نوعا من العقوبة يمكن تفنيده بشدة، مشيرا إلى أن العهد الجديد (الكتاب المقدس عند المسيحيين) لا يذكر الشيء الكثير "مما نرغب في تصديقه". ومضى إلى القول "إن وصف حادثة صلب المسيح لا توجد إلا في الأناجيل الأربعة فقط". (إنتهى)
هذه شهادة من رجل دين نصراني، كما يحلو للبعض تسميته، وهو يطرح قضية في صميم عقيدته، لم يستطع أن يقتنع بها، مثلها مثل مئات القضايا الأخرى في العقائد المزورة والعقائد التي جاء بها الإنسان من عند نفسه وأدار ظهره لخالق الكون والإنسان والحياة. فالإنسان حتى يطمئن لما يعتقد، لا بد لهذا المعتقد أن يقنع العقل، أو أن يكون مبنياً على أصلٍ بُني على العقل. وأن يوافق هذا المعتقد فطرة الإنسان التي فطره الله تعالى عليها، وإلا ظل الإنسان في شقاء وحيرة شعاره الدائم "لست أدري".
وبعبارة أخرى فإن الحكم على صحة أي فكرة إنما يكون استناداً إلى قواعد ثابتة لا تتغير، وهي من البديهيات التي لا يتناقش فيها إثنان من العقلاء. فإذا كانت الفكرة المبحوث عنها فكرة عقلية، كما العقيدة مثلاً، كان العقل ومسلماته البديهية هو الحكم على صحتها من عدمه، وإذا كانت الفكرة شرعية فلا شك أن الدليل الشرعي هو المرجع.
والفكرة الكلية التي تعالج شأن الكون والإنسان والحياة من حيث كونها مخلوقة لخالق واحد، أو أن الخالق ليس واحداً بل ثلاثة في واحد، هي بحث في واقع، يكون العقل حكماً على صحته. والعقل يقتضي بأن أي فكرة كلية إما أن تقنعه، أي تتفق مع مسلماته البديهية، وساعتها تكون صحيحة قطعاً، وإما أن تناقضه، وساعتها تكون غير صحيحة و لا يمكن للعقل أن يسلم بها.
أضف إلى ذلك، أن الإنسان مخلوق عاجز وناقص ومحتاج، وهو يقر بهذا ولا يستطيع له دفعاً. وبه غرائز وحاجات عضوية تتطلب الإشباع، ومن هذه الغرائز غريزة التدين، وهي إقرار الإنسان بأنه عاجز وأن هناك قوة أكبر منه تتحكم فيه، وأنه محتاج لها ولغيرها.
فإذا جاءت الفكرة الكلية تقر بالمسلمات البديهية، مثل: العقل يقضي بعدم إجتماع الضدين، ولكل حدث محدث، وكثرة الإحتمالات تقلل الصدفة، وغير ذلك، إذا اتفقت الفكرة الكلية مع هذه المسلمات البديهية كانت صحيحة، وإلا فما قيمة فكرة كلية يراد من الناس حملها ونشرها وهي تناقض العقل البشري في أبسط قضاياه.
ومثل هذه القضية المبسوطة بين أيدينا، فلا يوجد دليل من العقل يدل على أن عيسى عليه السلام صلب أو مُثل به أو دُقت في يديه المسامير، ولو إجتمعت الكنيسة عن بكرة أبيها، لما إستطاعت أن تأتي بدليل واحد يقنع العقل بصحة ما يقولونه من صلب عيسى عليه السلام.
وإذا جاءت الفكرة الكلية تتفق مع كون الإنسان ناقص ومحتاج وعاجز، كانت متفقة مع طبيعته،أو مع فطرته التي فطر عليها، وكانت صحيحة، أما إذا كانت تقول للإنسان أنت لست مخلوقاً، ولست محتاجاً، وتستطيع التشريع، فإنها تتناقض مع طبيعة الإنسان، وهي فكرة كلية خاطئة قطعاً.
وبناءً على ما تقدم، فإننا نجزم بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تتفق عقيدته تماماً مع المسلمات العقلية البديهية، ولذلك كانت العقيدة الإسلامية العقيدة الوحيدة الصحيحة المبنية على العقل. وكذلك فإنها العقيدة الوحيدة التي تقر بالنقص والعجز والاحتياج لقوة أكبر من الإنسان وهي قوة الخالق العظيم المدبر القادر العزيز الجبار.
هذا وقد جاء القرآن الكريم ليقرر حقيقة لا يمكن أن نغفل عنها أو أن نعتقد بغيرها، وهي أن عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل، ولكن شبّه لأعدائه أنه هو فقتلوا شبيهه، في الوقت الذي رفع الله تعالى إليه نبيه سالماً مما خطط له أعداؤه.
قال تعالى: [إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ ... وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ] المائدة 110.
وقال تعالى: [ وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ] النساء 157.
وقال تعالى : [إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ] آل عمران 55.
فالبشرية لا تزال بحاجة إلى الإسلام، الدين الصافي النقي، الذي يقنع العقل ويوافق الفطرة، فيملأ القلب طمأنينة والعقل قناعة، ولا نزال نستغرب هذه العقلية التي تستسيغ قتل (الابن) من أجل التكفير عن ذنب مجرم؟ وهذه العقلية التي تقدس صليباً هو عندها رمز تعذيب نبيها أو(ربها) على اختلاف بينهم؟
فالإسلام حق، ولا يزال أهل الكفر تتواتر شهاداتهم له بذلك، وما شهادة هذا الرجل إلا شهادة صدق لصالح الإسلام، وإن كان دين الله تعالى الحق ليس بحاجة لها [إن الدين عند الله الإسلام] أل عمران 19.
 
28/06/2010م