بسم الله الرحمن الرحيم
( السياسة الداخلية في دولة الخلافة.. مقارنة مع الرأسمالية )
حمد طبيب- أبو المعتصم
 
السياسة بمعناها العام هي الرعاية، ورد في لسان العرب: "سست الرعية سياسة والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه، والسياسة فعل السائس".
 
والسياسة الداخلية في دولة الخلافة هي رعاية شؤون الناس الداخلية؛ من المسلمين وغير المسلمين ممن يحملون التابعية في هذه الدولة وذلك بأحكام الإسلام العملية.
 
وهذه السياسة تقوم على أسس معينة في هذه الدولة، وترمي إلى تحقيق أهداف منظورة ومقصودة، وقبل أن نذكر بعضاً من هذه الأسس والأهداف نريد أن نعرّج قليلاً على حقيقة السياسة الداخلية في النظام الرأسمالي، لنرى سموّ الإسلام واستقامته ورفعته وعدالته.
 
فالنظام الرأسمالي قائم على أساس مادي غير روحي هو فصل الدين عن الحياة أي فصل السياسة الداخلية والخارجية في الدول الرأسمالية عن الصلة بالله تعالى، وبالتالي فهو نظام هابط، ينحدر بأصحابه إلى أسفل نحو القيمة المادية، ومن الأسس التي يقوم عليها هذا النظام الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان، وكلها تستند إلى الفكرة الرئيسة وهي "فصل الدين عن الحياة فصلاً تاماً وكاملاً" .. وتهدف إلى تحقيق أكبر قدر من المتع والشهوات لدى الإنسان الرأسمالي، وتحقيق أكبر قدر من حيازة الثروة عن طريق تكثيرها في المجتمع، وإلى تحقيق المساواة بين المواطنين عن طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، وإلى الوصول بالمجتمع إلى أرفع درجة من حيث النواحي العلمية والقوة العسكرية ومظاهر القوة الأخرى!!
 
ولا يوجد في أهداف هذه السياسة تحقيق القيم الخلقية في المجتمع، أو مراعاة النواحي الروحية، ووجود المحبة والإخاء بين الناس، أو حسن العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو غير ذلك من قيم عالية رفيعة ..
 
لذلك انحدر المجتمع الرأسمالي في سياسته الداخلية إلى الدرك الأسفل في كل شيء باستثناء النواحي المادية؛ فالفساد الأخلاقي منتشر بشكل مرعب بسبب الحريات، والجرائم منتشرة كذلك بأرقام خيالية بسبب النظرة المادية والتطاحن والتنافس على تحقيق القيم المادية بأي ثمن لتحقيق اكبر قدر من السعادة حسب تصوّرهم، والفقر موجود في طبقة كبيرة في المجتمع، ويستحوذ على ثروات الفقراء الرأسماليون الكبار بسبب الحرية في الملكية وتنمية الملك !! ..
والعلاقة بين الحاكم والمحكوم قائمة على أساس كاذب اسمه الديمقراطية التي تتجاهل معظم الشرائح في المجتمع في عملية انتخاب الحكام .
 
 وهكذا فان الفساد في السياسة الداخلية في أسسها وأهدافها يضرب في أعماق كل شيء في حياة الغرب حتى في نفسيتهم وعقولهم لدرجة توصل الكثير منهم للتفكير بالانتحار والخلاص من الحياة !! .
 
أما الساسة الداخلية في دولة الخلافة فتختلف اختلافاً كلياً عن المبدأ الرأسمالي في أساسها وأهدافها.
فالأساس الذي تقوم عليه هذه السياسة هو أساس روحي يتصل بالله عز وجل لا ينقطع عنه، وجميع الأحكام التي تعالج هذه السياسة منبثقة من الدين الإسلامي ولا تبتعد عنه ولو في حكم واحد، أما الأحكام الشرعية التي تعالج أمور الدولة الداخلية فكثيرة نذكر بعضاً منها :
 
1. الدولة الإسلامية دولة مبدئية قائمة على أساس العقيدة الإسلامية في كل شأن داخلي من شؤونها، ولا تخالف هذه العقيدة في أية جزئية .
 
2. السيادة للشرع في هذه السياسة والسلطان للأمة، بمعنى أن الشرع الإسلامي وحده هو المطبق على جميع أفراد الرعية وفي كافة مؤسسات الدولة ومرافقها العامة والخاصة، والخليفة ينتخبه المسلمون ولا يكون جبراً عنهم.
 
3. العلاقة بين الحاكم والمحكوم تقوم على الرعاية الكاملة من قبل الخليفة وعلى الرحمة والمشورة، وعلى التعاون والمساندة من قبل الرعية، وعلى المحاسبة والتصويب إن حصل الخطأ.
 
4. المسلمون كلهم في نظر الشرع سواء لا يوجد تمييز بين فقير وغني أو بين شريف وحقير، ولا يوجد تمييز بين المسلمين وبين غير المسلمين ممن يحملون التابعية إلا في أمور خاصة ذكرها الإسلام.
 
5- تمكين المسلمين جميعاً من كافة الحقوق، وتمكينهم من الانتفاع بالثروة وحيازتها دون تمييز، ومن جميع مرافق الدولة العامة، ومحاسبتهم على واجباتهم تجاه هذه الدولة في كافة الشؤون.
 
6- إرساء معاني الأخوة والتعاون والمحبة والإخاء والإيثار، وإرساء معاني الوحدة والتراصّ بين صفوف المجتمع لتكون الدولة قوية في وحدة قلوبها وصفوفها .
 
7- تقديم المثل العليا من دينية وخلقية على القيمة المادية، أي جعل القيمة المادية في خدمة المثل العليا وليس العكس كما هو في المجتمع الرأسمالي.
 
وتهدف الدولة الإسلامية (الخلافة) من خلال هذه الأسس في السياسة الداخلية إلى أمور وأهداف عالية سامية، تخدم أفراد الدولة فرداً فرداً وبشكل جماعي بحيث تؤدي الغاية منها في الداخل، وتظهر الدولة وأفرادها في نظر الشعوب الأخرى بأروع صورة، وتمكن الناس من عبادة ربهم عز وجل بالشكل الصحيح السليم.
 
من هذه الأهداف والغايات السامية:
 
 1. تحقيق معنى العبودية الحقّة في الدولة، ومساعدة الناس على عبادة ربهم عبادة صحيحة، أي تحقيق الغاية التي من أجلها خلق الإنسان في قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
 
2. إظهار الدولة الإسلامية في أبهى صورة وأجمل هيئة أمام الشعوب والأمم الأخرى، في جميع المجالات العلمية، والخلقية، والصناعية وغير ذلك بحيث تعكس صورة الدين الإسلامي العالي السامي.
3. تحقيق معنى المساواة والعدالة في كل شيء؛ في القضاء، وفي الانتفاع من الثروة، وفي مرافق الجماعة، ومرافق الدولة وغير ذلك، دون تمييز بين إنسان وآخر يحمل التابعية للدولة .
4. رفع مستوى الأفراد الاقتصادي إلى أرفع مستوى بتمكينهم من الانتفاع بالثروات التي خلقها الله، وبمساعدتهم على ذلك، وبتوزيع الثروة التي حباهم الله بها من بترول وكهرباء وماء ومعادن وغيرها .
 
5. تحقيق معنى السعادة الحقيقية للأفراد، ومساعدتهم على ذلك أي إعانتهم على نيل مرضاة الله عز وجل، وفي نفس الوقت القضاء على كل أمر ينغّص عليهم أمرهم وعيشهم من جرائم وأسبابها أو رذائل أو غير ذلك، بنشر الثقافة، وبصرامة العقوبة الدنيوية.
 
6. النظرة إلى المثل العليا والنواحي الخلقية في أثناء تطبيق الإسلام على أن تكون هذه المثل غاية تسعى الدولة لتحقيقها في المجتمع، وتعتبرها فوق كل القيم المادية الأخرى.
 
7. إيجاد مجتمع متميز بين الشعوب والأمم تسوده الفضيلة، وتنتشر فيه المودة والقربى والتراحم وصلة الأرحام، وتغمره الطمأنينة والسكينة بحيث ينطلق إلى أهدافه وغاياته في حمل الإسلام ونشره في الأرض دون أن يواجه مشاكل داخلية تعرقل ذلك .
 
هذه بعض الأسس للسياسة الداخلية لدولة الخلافة، وهذه بعض من الأهداف والغايات التي تسعى لتحقيقها من خلالها.
 
وإذا كان الأمر على هذه الصورة الرائعة فإن هذه الدولة ستكون كمثل الأم الرؤوم لأفرادها ترعاهم ويحافظون عليها، وكمثل الشمس الوضاءة في كبد السماء تلفت جميع العقول وتستهوي جميع العقول إلى عدلها واستقامتها، وسيدخل الناس بإذنه تعالى في دائرة هذه الدولة ليعلنوا إسلامهم أفواجاً أفواجاً .. حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، ويلقي الإسلام بجرانه في كل المعمورة، فلا تُبقي الأرض شيئاً من خيرها إلا أخرجته ولا السماء شيئاً من قطرها إلا أنزلته، { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }.