حزب التحرير هو المحور الأكثر سخونة في المظاهرات في سوريا
بقلم: عصام الشيخ غانم
لم تكن الأحداث في سوريا كمثيلاتها في البلدان العربية، فما أن اندلعت الأحداث في تونس ومصر واليمن وليبيا حتى انبرت وسائل الإعلام العربية مقلبة أوراق تلك الأنظمة يسرة ويمنة على أمل التأثير في مسار الأحداث، لكن الأحداث في سوريا كان يتراءى لها نفسٌ خطير دفع وسائل الاعلام إلى الحذر، ثم الحذر في "صب الزيت على النار" في سوريا والتي يمكن لنارها أن تلتهم كافة العروش وأن تقلب كافة الأنظمة، بل وتغير وجه التاريخ.
 
وقد بثت فضائية ال BBC برامج مفادها أنّ التغيير في سوريا ليس كمثله في مصر أو تونس وأنّ حقيقة ما يجري في سوريا وخطورته توازي بل تزيد عن خطورة تغيير نظام الحكم في مصر، وتساءلت في أكثر من برنامج على فضائيتها ومقالات عبر موقعها الالكتروني: هل تؤدي احتجاجات سوريا الى شرق أوسط جديد؟
 
وإذا ما ربط ذلك وغيره بحقيقة المواقف الحذرة وغير الداعمة للاحتجاجات السورية حتى في البلدان المناوئة للحكم السوري، فإن ذلك يكشف عن رعب كبير قد أصاب أنظمة الحكم والقوى العلمانية وقبل ذلك الغرب، من أنّ الوجه السوري القادم هو وجه إسلامي يحمل في طياته زلزالا لكافة أنظمة الحكم في المنطقة سواءً تلك المنضوية في المحور السوري أو الأخرى في محور الاعتدال، وبالتأكيد فإن هذا الحذر والخوف مما ستؤول اليه الأوضاع في سوريا هو الذي يصبغ الحالة "الاسرائيلية" بالترقب القاتم، وهو الذي يربك التعليقات الغربية الأمريكية والأوروبية على ما يجري في سوريا.
 
بالتأكيد فإنّ تلك الصورة واضحة للنظام السوري وضوح الشمس، وقد نجح في نشرها سراً وعلناً لتلك البلدان المحيطة والقوى الغربية لا سيما الأوروبية المعنية بخلخلة حكم آل الأسد في دمشق، فأحجمت كل تلك القوى عن التأثير المؤجج للاحتجاجات في سوريا، بل إن فضائيات كبرى مشهود لها في متابعة "الثورات العربية" وبعد أن فقدت الأمل في التعتيم الواعي للأحداث السورية، تحاول الآن عبر اتصالاتها بكل ما هو غير إسلامي في سوريا أن تنقل رسالة مفادها بأن النظام السوري قد تنازل وعليكم الانتظار للتغيير الذي يقوده النظام. أما تلك الصورة الواضحة للنظام السوري فقد شقت طريقها للعلن بعد أن كانت سرية، فأعلن النظام أن جماعات سلفية تعبث بالأوضاع السورية، وأخذ كثيرون يشككون في تلك الرواية، لكن بعض التوضيحات الأخرى قد كشفت المقصود بشكل جليّ.
 
ذكرت صحيفة الوطن السورية تعليقاً على تصريحات السيد أحمد القصص رئيس المكتب الاعلامي لحزب التحرير في لبنان والتي قال فيها حسب صحيفة الوطن "فات الأوان، ونحن لا نأتمر إلا للرسول، فبانياس وحمص هي طرابلس" علقت قائلةً "هذه التصريحات تؤكد تورط هذه التيارات السلفية في عمليات قتل المواطنين السوريين" وذكرت الوطن بشكل أكثر صراحة: "حزب التحرير السلفي يرفع علناً، بل هو قائم على شعار: حكم الخلافة الإسلامية. ...، علماً بأنّ هذا الحزب غير موجود فعلياً بشكل رسمي في أي بلد عربي، ثم إن مبدأ الترخيص له مخالف للدستور، ....، إن تحرك هذا الحزب حالياً هو أمر مشتبه به، وسلوك خطر".
 
عن بعض المصادر أن لحزب التحرير "دور لما يجري الآن في سوريا وأنه يستغل أحوال الناس المعاشية ورفضهم للفساد من أجل تحقيق أجنداته في السعي لإقامة الخلافة الإسلامية".
 
فهذا ما تقصده سوريا- النظام "بالجماعات السلفية" التي تعمل على تفجير الاحتجاجات في سوريا، وإن كانت تخلط الأمور بالادعاء بأن هذه الجماعات تستخدم السلاح، فهذا كذب واضح، فالسلاح في سوريا لا يزال محصوراً في أجهزة الأمن، الأمر الذي يلقي بظلال خطيرة من الشكوك حول عمليات قتل ضباط الجيش السوري، فمن قتل العميد عبدو تلاوي والعقيد معين محلا في حمص؟ ومن قتل العقيد اياد حرفوش من ريف بانياس؟ من هي هذه الجماعات السلفية التي تمتلك الوقت الكافي وسط شارع رئيسي بحمص لقتل العميد تلاوي وثلاثة من أفراد عائلته والتمثيل بجثثهم وسحبهم على الأرض وتقطيع أعضائهم، وهي المشاهد التي عرضها التلفزيون السوري، من يستطيع فعل ذلك؟ ويأخذ لذلك الوقت الكافي في ظل الوجود الكثيف والمرعب لقوى الأمن السورية؟ لا شك أنّ الإجابة واضحة: فمخابرات النظام هي التي تقتل هؤلاء الضباط الشرفاء لأنهم ليسوا من طينتها وعلى غير ولائها، وتريد فوق ذلك أن تستخدم عملية قتلهم الشنيعة لإثبات روايتها بوجود جماعات مسلحة.
 
وكان مشهد القتل المرعب الذي مارسته أجهزة أمن النظام السوري فيما أطلق عليه الجمعة العظيمة 22 نيسان 2011 وردات الفعل العميقة التي تسبب بها هذا المشهد من عزل النظام داخلياً تمهيداً لخلعه هو الذي أجبر أزلام النظام السوري بالبوح بالخطر المرعب الذي يجثم على صدر النظام،
 
 ففي حديثه للجزيرة في برنامج نافذة على الثورات العربية يوم الجمعة قال الصحفي البعثي طالب ابراهيم: على العالم أن يدرك حساسية الوضع في سوريا، فسوريا ليست كأي بلد آخر، بصراحة هناك قوى لم تكن موجودة في سوريا، بدأت بالظهور بشكل مفاجئ، وهي تعمل مع حزب التحرير في لبنان، إذا لم يتم تدارك الأوضاع في سوريا فإن الشرق الأوسط برمته سيتحول الى مشفى للمجانين". وذكر نفس الكلام صحفي بعثي آخر هو غياث سحلول في حصاد الجزيرة يوم الجمعة: نعم هناك مظاهرات تطالب بالحرية، لكن هناك بينهم أناس آخرون، يهيجون الناس ويعون ما يقومون به بالضبط، هؤلاء مرتبطون بأحزاب اتخذت من دول الجوار مقراً لها- في اشارة لحزب التحرير-، تحرض على الجهاد وتريد تفجير الأوضاع في سوريا.
 
وبهذه التصريحات المتشنجة يكشف حزب البعث الحاكم في دمشق مدى الرعب الذي ينتابه من حزب التحرير ومحورية دوره في الأحداث السورية، ولعل ما يؤكد ذلك هو الدرجة المتفاقمة من الرعب التي أحاطت بها الدولة اللبنانية وبأوامر من العسكر مسيرة حزب التحرير في طرابلس لنصرة الشام،
 
 فقد تجندت للعمل ضد هذه المسيرة القوى المساندة لسوريا في لبنان، وعملت وزارة الداخلية وقوى الأمن بشكل حثيث وعبر الاتصالات والاعتقالات والحواجز الأمنية على محاولة منعها.
 
 ولا يمكن أن تحتشد كل هذه القوى سويةً إلا إذا كان الوضع بالغ الخطورة، والذي يؤكد ذلك، تنصل تيار المستقبل التابع للحريري و"المناوئ" لسوريا من أي علاقة له بالمسيرة وتنظيمها مع حزب التحرير، وأمام هذا الرعب في الساحة اللبنانية من مساندة حزب التحرير للشعب السوري المنتفض، ذلك الرعب الذي تبثه سوريا والقوى التابعة لها في لبنان فقد بلغ حد الرعب درجةً مستغربةً حين أعلن وزير الداخلية اللبناني السابق أحمد فتفت –وهو من تيار المستقبل- أن لا علاقة له بحزب التحرير وبأعماله.
 
والمراقب لما يحدث في سوريا يجد فعلاً أنّ حزب التحرير هو الحلقة المفقودة من دائرة الإعلام حول الاحتجاجات السورية، فمعظم دعوات التظاهر عبر الفيسبوك ومنها الدعوة التي تكللت بالنجاح في 15 آذار والتي فجرت الأحداث في درعا، معظم تلك الدعوات الشبابية على الفيسبوك تطالب بالخلافة الإسلامية، ودعما لانتفاضة أهل الشام ردد المتظاهرون في الجامع العمري في البيرة في فلسطين صيحات مدوية "سورية عقر دار الخلافة الاسلامية" و"الأمة تريد خلافة إسلامية". وهنا تبرز الأسئلة الكبرى:
 
هل ستكون سوريا منطلقاً للخلافة الإسلامية من جديد؟ لا سيما وأن كل الاحتجاجات تنبع من المساجد، فقد اشتهر الجامع العمري في درعا، والرفاعي في دمشق، بل إنّ المساجد هي مراكز القيادة للمتظاهرين، وأنّ صلاة الجمعة هي التي توفر الزخم للاحتجاجات الصاخبة التي تنادي بشعارات : الله أكبر، ولا اله إلا الله.
 
والسؤال الأكبر، هل الجيش السوري يقوم بحسم ولائه للخلافة التي يعمل لإقامتها حزب التحرير؟ لذلك تقوم قوى الأمن –كتائب الاسد- بعمليات الاغتيال لضباط كبار في الجيش السوري؟ هل النظام السوري قد نفض يده من ولاء الجيش وبعض الأجهزة الأمنية؟ لذلك تراه أخذ يستنجد مبكراً بقوى خارجية - قد ظهر بعض أثرها في نجاح المتظاهرين بالإمساك بأحد اللبنانيين وهو يطلق النار على المحتجين في بانياس- وأهم تلك القوى التي يستنجد بها نظام الأسد هي ايران.
 
وهل هذا يفسر حالة الرعب التي يعيشها أفراد عائلة الأسد ونظامه؟ ومنها هروب حافظ منذر الأسد مع أفراد عائلته الى الخارج عبر لبنان؟ وهل سيكون هروب عائلة الأسد ومن حوله من مجرمي النظام السوري جماعياً؟ أم سيتمكن الشعب السوري من الامساك بهم ومحاكمتهم؟ كل هذه الأسئلة ستجيب عنها الأيام المقبلة.
 
24 نيسان 2011