لقد دأب الحكام الرويبضات، ووسائل إعلامهم المسمومة، وأبواقهم من العملاء على تسويد صفحة الأمة، وإلصاق عمالاتهم وخياناتهم بها؛ مرة بالنكبة، ومرة بالنكسة، ومرة بانهدام الصف، ومرة بالضعف العربي والإسلامي أمام قوى الاستعمار، ومرة ومرة!!..
وهكذا كان هؤلاء الحكام يمهّدون الأمور، ويهيئون الأمة لمراحل مقبلة من التنازلات، والتهاوي أمام كيان يهود الشرير كمقدمة لما هو حاصل هذه الأيام من تنازلات الحكام واعترافهم بكيان اليهود تحت ذريعة الأمر الواقع!!..
فالبداية بخصوص أرض فلسطين كانت عندما وقَّع الشريف حسين بن علي الاتفاقات السرية مع الانجليز واليهود (حسين مكماهون)، للعمل على هدم الخلافة، وتمليك فلسطين لليهود من بعد ذلك وهذا كله كان من ضمن الخطط التي وضعت للحيلولة دون عودة الخلافة مرة أخرى لواقع الحياة؛ أي ليكون هذا الكيان الشرير رأس حربة في محاربة عودة الخلافة مرة أخرى، وجسرا سريعا للتدخل السريع في حال عودتها،ثم كان وعد بلفور بناء على هذه الخطط والمؤامرات الشريرة ، ثم جاءت مراحل التنفيذ؛ مرحلة بعد الأخرى حتى وصل الأمر إلى مرحلة تهجير أهل فلسطين من جزء من أرض فلسطين لإقامة وطن قومي لليهود عليها، ودمجه في المستقبل مع الواقع الإسلامي المحيط، فكانت النكبة التي الصقها الحكام كذباً وزوراً وتضليلاً بالأمة جميعاً، وكان إعلان هذا الكيان المسخ الشرير (كيان اليهود) سنة ثمانٍ وأربعين، وذلك في ظلّ حكم سلالة الشريف حسين بن علي؛ الذين أخذوا راية الخيانة من آبائهم وأجدادهم !!.
لكن مراحل المخطط لم تكتمل بعد وفق خطط الاستعمار وبأيدي العمالة والخيانة، فقد كانت المرحلة الثانية وفق مخطّط الإنجليز وعملائهم، فحصلت ما تسمى بالنكسة كمسرحيةٍ هزلية تشبه سابقتها، وسلّم هؤلاء العملاء ما بقي من أرض فلسطين بما فيه المسجد الأقصى المبارك؛ -أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين- على طبق من ذهب لشرّ الخلق، وأشد الناس عداوة لأمة الإسلام حتى تقوم الساعة .. فهل وقفت الأمور عند حدّ النكبة والنكسة المزعومة ؟!
إن الأمور لم تقف عند حدّ هذه الجرائم والخيانات العظام؛ لله ولرسوله ولأمة الإسلام وأرض المسلمين، بل إن مسلسل الجريمة تتابع ضمن المخطط المرسوم على شكل الخطوات التالية:-
1- تقزيم ومسخ قضية فلسطين لتصبح قضيةً عربية، بدل أن تكون إسلامية، ثم مسخها لتصبح قضية فلسطينية، وقد أنشأ الاستعمار من أجل هذه الغاية ما يُسمى بمنظمة تحرير فلسطين، واستعان على هذا الأمر بالجامعة العربية والإسلامية .
2- جعل قضية فلسطين قضيةً دولية؛ أي تُبحث وفق الهيئات الدولية، بدل أن يكون البحث فيها بحثاً شرعيّاً على اعتبار أنها قضية أمة إسلامية، ثم كانت قرارات هيئة الأمم ومجلس الأمن كمقدماتٍ للبحث والنقاش في المستقبل .
3- تغيير مفهوم التحرير إلى مفهوم الصلح والتفاوض، لتصبح المعركة معركة سلامٍ بدل أن تكون معركة تحرير لآخر حبة من تراب فلسطين، حسبما كانت تتغنىّ منظمة التحرير، ومعها بعض الأنظمة العربية.
4- قبول قرارات هيئة الأمم المتحدة بعد أن كان الشعار العريض (لا تفاوض.. لا صلح.. لا اعتراف) .
5- توقيع اتفاقات مع اليهود بعد أن فتحت مصر الباب سنة ثمانٍ وسبعين، ثم تبعتها منظمة التحرير في اتفاق مدريد ثم اتفاق أوسلو.
6- دخول منظمة التحرير لفلسطين تحت حماية اليهود، وضمن مخطط متبادل للحماية ولتبادل الأمن المشترك كمقدمةٍ لإقامة كيانٍ هزيل، يقوم على تخفيف العبء عن اليهود في إدارة المناطق ويحافظ على النواحي الأمنية وضبط الأمور .
7- اعتراف الجامعة العربية بكيان اليهود صراحةً في مؤتمر بيروت سنة 2002 ، وجعل قضية فلسطين قضية تعويضات كمقدمة لإنهاء هذا الملفّ نهائياً من القاموس السياسي.
فماذا كانت ردة فعل الأمة على هذه المسرحيات والمهازل .. هل سكتت الأمة على هؤلاء الرويبضات وسايرتهم فيما يقولون ويكذبون ؟!
إن الحقيقة هو أن قضية فلسطين وما جرى فيها من تنازلات وألاعيب وخيانات، قد أضيفت إلى رصيد الحكّام في ذاكرة الأمة ونظرتها لهؤلاء الحكام، وكانت هذه القضية من القضايا الفعّالة التي أثارت الأمة تجاه هؤلاء الحكام، وكانت سبباً هاماً من الأسباب التي أدت إلى اشتعال هذه الثورات العارمة في كل البلاد العربية.
نعم .. لقد كان إفساد اليهود وقتلهم لأهل فلسطين، وتدميرهم وتخريبهم في ظلّ سكوت الحكام؛ بل حمايتهم لهذا الكيان أهم الأسباب التي أشعلت هذه الثورات العظيمة على ظلم الحكام وخياناتهم العريضة، وليس أدل على ذلك من حرق العلم اليهودي في هذه الثورات، وإطلاق الشعارات ضد اليهود وشعارات أخرى لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى المبارك!! ..
إنه يمكن القول : بأن مآسي خيانات الحكام وتاريخهم الأسود بخصوص قضايا الأمة وخاصّةً قضية فلسطين، قد أخذ يمحوه الحاضر المشرق الوضّاء لهذه الشعوب العظيمة التي وقفت في وجه حكّامها وظُلمهم وفسادهم وخياناتهم .. وإن هذا الأمر المشرق الوضاء قد طمس كل مخططات الاستعمار، وأعوانهم من الحكام في جعل قضية التنازل عن فلسطين مسماراً في نعش الأمة، لإعاقة عودتها لتاريخها وماضيها المجيد، وقد قُلب المجنّ في وجوههم، وكلّ نظراتهم المستقبلية للأمة وواقعها، وبدل أن تكون هذه النكبات والنكسات مقدماتٍ لإماتة الأمة حتى لا تقوم لها قائمة، ومقدمات للاعتراف بكيان يهود ليظلّ خنجراً في خاصرة الأمة إذا تحركت، أصبح هذا الأمر – بإذنه تعالى – مقدماتٍ لانتفاضة الأمة، ووقوفها في وجه الظلم، وخنجراً تُشهره الأمة في وجه الاستعمار وأعوان الاستعمار من الحكام..
وإننا لنستبشر بهذه الحركة الميمونة للأمة لتتحرر الأمة من حكامها، ومن أفكار الاستعمار نهائياً لتعود الأمة إلى أصالتها، وتبني دولتها (دولة الإسلام) وتنقضّ على كيان يهود كالأسود الضارية فتحرقَ هذا الكيان الشرير، وتشرد بهذا الفعل العظيم من خلفهم الكفار المستعمرين ..نسأله تعالى أن يكون ذلك قريباً
حمد طبيب
4/6/2011