وصول "الإسلاميين" للحكم.. وحقيقة المؤامرة!!

بقلم حمد طبيب

لقد برزت في الآونة الأخيرة ـ في خضم الثورات العارمة في البلاد العربية ـ ظاهرة وصول "الإسلاميين" عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع إلى مراكز الحكم، أو إلى بعض مؤسساته البرلمانية في بعض البلاد مثل: تونس والمغرب ومصر.. ، وقد يتتابع الأمر إلى دول أخرى مثل اليمن وسوريا وغيرها ....

فهل حقيقة أنّ التيارات والجماعات الإسلامية تصل إلى الحكم بالمعنى الصحيح، أم أنّ هذا الأمر هو شكلي فقط وتُدبِّر من ورائه الدول الكافرة وعملاؤها من السياسيين مكائد للجماعات الإسلامية وللمسلمين بشكل عام، وهل هذه هي الطريقة الصحيحة للوصول للحكم في ظلّ المعطيات الحالية في العالم الإسلامي..؟؟!! .

إنّ الحقيقة التي لا يجوز أن تغيب عن أذهاننا ولو للحظة واحدة هي أنّ الكفار وأعوانهم من قوى الاستعمار في بلاد المسلمين لا يرغبون ابتداء في وصول الجماعات الإسلامية إلى مراكز الحكم إلا من أجل غايات وأهداف سياسية معينة، أو ضمن مناورات سياسية يصنعونها لعلاج مرحلة وما يعقبها من مراحل أخرى، أما أن يسمح الغرب وأعوانه من الحكام أو من مراكز القوى في العالم الإسلامي بوصول المسلمين بشكل طبيعي للحكم -لتطبيق الإسلام بشكل صحيح كامل ومتكامل- فهذا الأمر لا يمكن أن يحصل أبداً، ولا يتصور حصوله إطلاقاً، لأنه يتنافى ويتقاطع ويتعارض مع نظرة الكفر وأهدافه السياسية في العالم الإسلامي، ونظرته للمسلمين، وهذا مصداقاً لقوله تعالى (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) 89-النساء

والحقيقة أنّ هناك أهدافا من تمكين الغرب للمسلمين -عبر صناديق الاقتراع- من الوصول إلى بعض مراكز الحكم في العالم الإسلامي، ولكن قبل ذكر هذه الأهداف أقول بأنّ الغرب ليس عنده رغبة ابتداء في ظهور الإسلام بهذا الزخم في العالم الإسلامي، وظهوره هو أمر مرعب له على كل الوجوه، حتى لو حاول تشويهه وحاول الالتفاف عليه واستغلاله أو تضليله .. فظهور الإسلام عن طريق صناديق الاقتراع معناه أن بذرة الخير في الأمة تنمو تجاه الهدف الصحيح، وأنّ تغطية هذا الهدف بمكر الكفار سوف تكون مرحلية ولن تدوم أبد الدهر، فلا بد للأمة يوما أن تدرك الصحيح من الخطأ وأن تكشف الحقائق.

فسماح الغرب وعملائه لهذه العملية الانتخابية هو مجاراة لمرحلة صعبة جاءت جبراً عنه وعلى غير رغبة منه، وأكبر دليل على صدق هذا القول هو إلغاء انتخابات الجزائر سنة 88 من القرن الماضي ..

إذا هناك عدم رغبة في تنامي هذا التيار الإسلامي بهذا الزخم الكبير، وهناك في نفس الوقت طريقة للتعامل معه في عملية تضليلية تآمرية الهدف منها الحرب على الإسلام وعلى المسلمين ..

أما أهداف الغرب- وعملائه من السياسيين في العالم الإسلامي- من السماح لبعض المسلمين بالوصول لمراكز الحكم -صوريا وليس حقيقيا- فتتمثّل ضمن النقاط التالية : -

1.       إخماد جذوة نار الثورات ضد عملاء الاستعمار وتجاوز هذه المرحلة الخطيرة في البلاد العربية، عن طريق أُلهية الانتخابات..

2.       إيجاد رأي عام لفكرة (الإسلام الوسطي) ولفكرة فصل الدين عن الحياة في العالم الإسلامي، وإقناع الشعوب أنّ طريقة الحكم بالإسلام هي عن طريق المشاركة وليس عن طريق التميز والانفراد ..

3.       محاولة قطع الطريق على بعض الجماعات المخلصة التي تسعى للحكم بالإسلام بالشكل القويم الصحيح ..

4.       بذر الفتن والشرور في بلاد المسلمين عن طريق الإيقاع بين أتباع الجماعات الإسلامية وغيرها من تيارات علمانية ..

5.       إيجاد قناعات عند الشعوب المسلمة أنّ الإسلام لا يقدر على معالجة شئون الناس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بدليل أنّ الجماعات الإسلامية استلمت الحكم ولم تصلح جوهر الأمور..

ومن أجل هذه الأهداف الخبيثة فإنّ الغرب يحرص أولا على أن يبقي صمّام الأمان -وهو ولاء القوة الفعلية- في الأمة بيده، أي يحرص على بقاء ولاء القادة العسكريين بيده، يتدخلون في أي وقت، ويمتلكون المقود ويوجهون الأمور، ويحرص كذلك على عدم انفراد أي جماعة إسلامية في الأمور في بلد من البلدان، وإنما يكون الأمر مشاركة ضمن حدود معينة، وضمن نطاق فكري معين له ضمانات معينة مثل:-

1.       عدم السعي لإقامة دولة إسلامية أو حتى دينية.. إنما تبقى الأمور ضمن نطاق الدولة المدنية التي تطبق القانون المدني الخليط ..

2.       أن لا تتدخل الجماعة التي وصلت إلى مراكز الحكم بالجيش ولا بتشكيلاته ولا بقراراته، ولا بارتباطاته مع الغرب..

3.       أن تحترم الجماعة القوانين الدولية، وأي أمر ضمن هذه القرارات الدولية الصادرة عن المؤسسات الدولية مثل معاهدة الصلح مع يهود مثلا ..

4.       أن تحترم باقي الأحزاب (العلمانية) المشاركة ومبادئها ونظراتها، وخاصة ما يتعلق بالحريات العامة والخاصة..

والحقيقة أنّ هذا الإطار الموضوع للجماعات الإسلامية، والتي قبلت على نفسها المشاركة بهذه الطريقة الممتهنة، -هذا الإطار- سوف يوصل الشعوب بعد فترة من الزمن إلى حقيقة معينة وهي: ما الفرق بين وصول هذه الجماعات الإسلامية إلى مراكز الحكم وبين وصول غيرها ؟! وما هو التغير الملموس الذي أحدثه وصول هذه الجماعات إلى الحكم، وخاصة الأمور الرئيسة مثل الشئون الاقتصادية والسياسية ؟!

إنّ هذا الأمر بهذه الطريقة ـوإن كان له فوائد مثل بروز رغبة الأمة للإسلام، واكتساحها للخطوط الحمراء في الانتخاباتـ هذا الأمر وبهذه الطريقة هو مؤامرة يُراد فيها تثبيت وضع الفساد والتغطية على عورات هؤلاء الحكام المجرمين، وترسيخ فكرة القبول بالمشاركة .. وغيرها من أهداف خبيثة، وهذا يوصلنا إلى الإجابة عن السؤال الرئيس في هذا الموضوع وهو: ما هي الطريقة الصحيحة لوصول المسلمين للحكم هذه الأيام؟ ..

إنّ الجواب عن هذا السؤال هو فكرة واحدة فقط ولا تتعدد وهو: أنّ وصول المسلمين يجب أن يكون عن طريق مراكز القوى في الأمة، وأن تكون هذه المراكز موالية لمن يقود العملية التغيرية والوصول للحكم، وأن تكون عملية الوصول انقلابية جذرية شاملة لا ترقيعية، ولا مشاركة ولا ضمن القوانين والأعراف الدولية...

فيجب على الجماعة التي تسعى لإيجاد حكم إسلامي صحيح أن يكون هدفها (تغييراً انقلابياً) حتى ترى الأمة ما هو الإسلام، وتلمس ذلك في أرض الواقع، وتدوس على كل ألوان الفساد من الواقع القديم. وقد يقول قائل: أنّ هذا الأمر يوقعنا في مشاكل مع القوى الأخرى، أو مع المحيط من الدول أو مع القوى العالمية، فأجيب قائلا: إنّ الحصانة أولا هي من الله تعالى، قال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" 38- الحج- وأنّ الحامي لهذه العملية هو إيمان الأمة بها، وبالقائمين عليها وقناعتهم بصحتها وبصدق القائمين بها، وأنّ هذه هي طبيعة دعوات الصدق والإخلاص في كل زمان، فالأمر الطبيعي أن تصطدم بالواقع ويصطدم الواقع بها، فهذه سنة الأنبياء جميعا، وسنة رسولنا عليه السلام عندما اصطدم مع الواقع في مكة المكرمة، قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ "34-سبأ،  وأقول أيضاً: أنّ الخطر الحقيقي على المسلمين وعلى الجماعات العاملة هو في المشاركة وليس في التميّز، فالمشاركة هي التي تطمس الإسلام من الواقع وتشوّه الجماعات العاملة في نظر الأمة ..

لذلك أقول أخيراً: بأنّ هذه المرحلة هي مرحلة المخاض العسير التي ستدرك فيها الأمة طريق نجاتها بالطريق الصحيح، لأن ثقتها بدينها لا يمكن أن تتزحزح إنما الذي يتزحزح هو ثقتها بمن يعمل لهذا الدين من بعض الجماعات، فعمّا قريب ستدرك الأمة الحقيقية، (بأنّ الإسلام الصحيح لا يمكن إلا أن يكون في ظل دولة الإسلام، وأنّ دولة الإسلام لا يمكن أن تكون إلا بعملية انقلابية شاملة، وعن طريق مراكز القوى في الأمة)، تماماً كما فعل المصطفى عليه السلام في الوصول للحكم والسلطان .. فنسأله تعالى أن لا تطول فترة المخاض هذه وأن يعجّل بالفرج القريب..

7-1-2012