بسم الله الرحمن الرحيم

قانون الضريبة الجديد جريمة سياسية

علاء أبو صالح

سويسرا الشرق الأوسط، سنغافورة جديدة، لبنٌ وعسل، رفاه وتنمية، ازدهار اقتصادي، فرص عمل، مصانع، مؤسسات،  دخل مرتفع، هناءة عيش...تلكم هي وعود السلطة منذ إنشائها وتلكم هي أمانيها التي غررت بها أهل فلسطين.

الفقر، البطالة، عمالة الأطفال، ارتفاع الأسعار، تدني الاجور، ضرائب، جمارك ومكوس، فساد أخلاق مباريات كرة قدم نسائية، كشف للعورات، اختلاط محرم، حفلات غنائية، مسابقات ملكات الجمال، عري فحش دياثة، قمع سياسي، تنسيق أمني مع الاحتلال، عبث بعقول أبنائنا، تغيير لمناهج التعليم وفق المقاييس الغربية ورغبة يهود...تلكم هي ثمار السلطة طوال أكثر من 18 عاماً عجاف.

لقد كانت وعودهم وأمانيهم غروراً، ولو فطن لها الناس ما انساقوا خلفها ولا انطلت عليهم منذ اللحظة الأولى.

(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

إن آثار قانون الضريبة الجديد  فادحة وضرره وحرمته وجرمه وآثاره السياسية المدمرة مؤكدة، وهو حلقة من حلقات الحرب الشاملة الممنهجة التي تشنها السلطة على أهل فلسطين.

وإذا أردنا أن ندرك حقيقة سياسات السلطة وتصرفاتها في أي مجال من المجالات فمن الخطأ أن نعزلها عن سبب إنشائها والدور الذي أوكل لها على صعيد القضية الفلسطينية، ذلك أن كل أعمالها تصب في الغاية الأساسية من إنشائها ولا تخرج عنها.

فلم يكن نشوء السلطة نشوءاً طبيعياً ذاتياً ناتجاً عن رغبة أهل البلاد أو رؤيتهم السياسية، بل كانت مشروعاً دولياً رأى القائمون عليه والداعمون له أنه سيكون جسراً لتمرير الحلول والمشاريع الدولية الاستعمارية في فلسطين بإنهاء الصراع بين الأمة وكيان يهود على أساس تثبيت يهود في أرض الإسراء والمعراج، وكل ذلك تحت غطاء ما يسمى بالمشروع الوطني، وإقامة الدولة الفلسطينية وغير ذلك من الشعارات التضليلية.

ولتحقيق إخضاع الناس للحلول الاستسلامية التي تضفي الشرعية الدولية على كيان يهود وتحمي أمنه، انتهجت السلطة سياسات في كافة المجالات خلفت كوارث سياسية واجتماعية وثقافية، وكوارث اقتصادية مست بمصالح الناس بل حتى بقوت يومهم، وذلك لتوفر بيئة ومناخاً لقبول الناس لمشاريعها السياسية التفريطية.

إن قانون الضريبة الجديد ليس قانوناً لزيادة ضريبة الدخل على بعض الشرائح فقط حتى يخرج رئيس وزراء السلطة في تسجيل مصور يضلل عموم الناس موهماً بأن القانون لن يمس شرائح الفقراء، بل هو قانون يشمل زيادة ضريبة الدخل على شرائح التجار والمستوردين مما سينعكس على الأسعار فيدفعها الفقراء بطريقة ملتوية، وهو قانون يفرض ضرائب على القطاع الزراعي وعلى مكافأة نهاية الخدمة والتقاعد وزيادة في ضرائب الأملاك والبيع والشراء مما سينعكس بصورة مباشرة على حياة المواطن في ظل تدني الاجور بل وزيادة نسب البطالة وتفشي الفقر، لذا كان هذا القانون وسابقه من قوانين ضريبة والجبايات ورسوم المعاملات اللامنتهية التي تبتدعها السلطة يومياً، جريمة ترتكب بحق أهل فلسطين، مع أن الواجب دعم صمودهم ليتشبثوا بأرضهم المباركة وليرابطوا فيها ويحافظوا عليها.

أن سن هذا القانون لا يمكن أن يعزل عن آثاره السياسية المدمرة على أهل فلسطين، فهو:

-        يضيق أسباب العيش على الناس فيدفعهم للتفكير بالهجرة الطوعية مما يقود إلى إفراغ البلاد من ساكنيها، وهو الأمر الذي فشل الاحتلال في تنفيذه طوال عقود.

-        وهو يضيق الخناق على المزارع بإثقال كاهله بالضرائب مما يدفعه لترك الزراعة وهجران أرضه وبالتالي تركها فريسة سهلة ليهود.

-        يشجع ظاهرة تسريب الأراضي، بأن يتم بيعها بالخفية، إذ يفرض القانون ضريبة على الأملاك حال بيعها او شرائها تقدر بـ 3% من ثمنها، الأمر الذي يسهل الطريق أمام مرضى النفوس ببيع أراضيهم ليهود.

-        وجراء انتهاج السلطة لشتى السبل لتحصيل معلومات عن مصالح الناس، توفر السلطة بذلك قاعدة بيانات سهلة المنال ليهود مما يلحق الضرر الفادح بهم.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر أن سنّ هذا القانون يأتي في الوقت الذي يعترف فيه قادة السلطة بفقدانهم لصلاحياتهم حتى على المناطق المصنفة (أ) وفق تصنيف اتفاقية أوسلو، كما صرح بذلك حسين الشيخ قبل أيام مضت، معتبراً أن كيان يهود يعيد فرض الحكم العسكري على الضفة الغربية، فاذا كان الأمر كذلك، لماذا هذا الإصرار على نهب أموال الناس بالباطل وتضييق سبل العيش عليهم؟

إن الأموال التي تريد أن تجنيها السلطة بسنها لقانون ضريبي جديد، ولم تكتف بقانونها القديم لنهب أموال الناس، هي مكس محرم، وهو الوارد في قول الرسول الاكرم: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) وهي أكل لأموال الناس بالباطل يقول الله تبارك وتعالى:

(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

 وعلاوة على ذلك فإن هذه الاموال المنهوبة يراد منها تغطية المهام والوظائف التي أوكلت للسلطة كمشروع سياسي حمل الأعباء المالية والأمنية والسياسية عن الاحتلال كما صرح بذلك رئيس السلطة من قبل، وهي بديل عن الأموال التي كانت تقدم من الدول المانحة مقابل ذلك فأموال المانحين لا تقدم لسواد عيون الفلسطينيين، ولا يصح أن ينخدع الناس بمبررات تسوقها السلطة للتضليل بربط الرواتب وفقر الناس بالضرائب المراد اغتصابها من أموال الناس بالباطل.

فالمال المراد جنيه من فقراء أهل فلسطين ومنكوبيهم وإثقال كاهلهم به، هو مال سينفق على أجهزة أمنية لا تحفظ أمن الناس بل تقمعهم وتحمي عدوهم، وهو مال يراد من خلاله تغطية نفقات مشاريع الإفساد وحمايتها كمباريات كرة القدم النسائية ومسابقات ملكات الجمال وهلم جرا من الفواحش، وهو مال يراد به محاربة ما يسمى بالتحريض ضد يهود في وسائل الإعلام وفي المساجد والمناهج التعليمية، وهو مال لتغطية نفقات قادة السلطة ورحلهم وسياراتهم الفارهة، فهو مال لإبقاء كيان السلطة وتمكينها من القيام بالمهام التي أوكلت لها من قبل واشنطن ولندن وكيان يهود، وليس مالا يجبى لإغاثة الملهوف أو سد رمق البائس الفقير.

ولتأكيد ذلك أذكر أمرين أثنين:

-        الأول: في عام 2008، أكد تقرير اصدره مركز بيسان للبحوث والانماء ان المساعدات الخارجية التي ارتفعت بأكثر من 200% ما بين عامي 1998 و 2008 لم تنعكس تحسنا على أوضاع الفلسطينيين المعيشية بل إن الأمر ازداد سوءاً حيث تضاعف الفقر والدين العام في الاراضي الفلسطينية.

فقد ارتفع الدين العام بنسبة 100% في تلك الفترة وذلك من مليار إلى 2 مليار دولار أمريكي فقط في عهد حكومة تسيير الأعمال، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني. حيث ازدادت نسبة الفقر عام 2008 لتصل إلى 26%. فأين ذهبت تلك الاموال؟ وعلى من صرفت؟

-        الثاني: إن رئيس وزراء السلطة سلام فياض سبق أن صرح بالقول بأن (رواتب الموظفين تشكل العبء الأكبر في الميزانية، وأن السلطة قادرة على سدادها من الإيرادات المتاحة، ولكن هناك الكثير من بنود الإنفاق التي تحتاج إلى تمويل، مثلما يحدث في ميزانية أي دولة) فما هي بنود الإنفاق الأخرى؟ هل هي قطاع الصحة المنكوب أو قطاع التعليم المهجور؟

لقد بلغت ميزانية السلطة 3.232 مليار دولار، من ضمنها 1,7 مليار معدة لرواتب الموظفين، أما دخل السلطة الحالي فيبلغ 2,254 مليار دولار، والباقي يفترض أن يأتي من الدول المانحة والداعمة للسلطة.

ومعظم نفقات السلطة تذهب على الأجهزة الأمنية، إذ بلغت حصتها من الميزانية وفق بعض الاحصائيات 40% وبعض التقديرات تشير إلى انها يمكن ان تصل إلى 64% في ظل تجنب قادة السلطة ذكر الأرقام الحقيقة، بينما يشهد قطاعا التعليم والصحة خطط تقشف وتقليص خدمات، فلم تدفع السلطة –على سبيل المثال- دولاراً واحداً من مستحقات الجامعات الفلسطينية لعام 2011 والبالغ قدرها 40 مليون دولار بالرغم من أن حصة قطاع التعليم هو الأقل في ميزانية السلطة.

لقد خلفت سياسة السلطة المالية منذ إنشائها إلى الآن كارثة اقتصادية تجسد بكل واقعية عيشة الضنك الواردة في قوله سبحانه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا

فقد خلفت تلك السياسات وفق آخر الإحصائيات المتوفرة

-        نسبة بطالة تصل إلى أكثر من 30%، وبلغ معدل البطالة بين الخريجين الشباب 45.5% خلال الربع الأول 2011

-        ونسبة فقر تصل إلى 25.7% من الأفراد، وحوالي 14.1% من الأفراد في الأراضي الفلسطينية يعانون من الفقر المدقع وفقا لأنماط الاستهلاك الحقيقية للأسرة.

-        وعمالة أطفال كمؤشر اضافي على فقر الناس تصل إلى 4.8% خلال الربع الرابع من العام 2011م

-        وارتفاع اسعار بسبب الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وبسبب الوحدة الجمركية مع كيان يهود كنتيجة من نتائج اتفاقية باريس الاقتصادية وملحقاتها.

لقد أحالت السلطة قضية فلسطين إلى قضية رواتب وقضية لقمة عيش وميزانية لسلطة ذليلة تحت حراب الاحتلال، بعد أن كانت قضية أمة وبلاد مقدسة محتلة يجب تطهيرها من رجس المحتلين، وأوهمت الناس تضليلاً بأن تحرير فلسطين وبناء الدولة يكون ببناء المؤسسات والتشبث بمقاييس البنك الدولي ومتطلباته، وها هي تحاصر أهل فلسطين بسياسات تفضي إلى تهجير الناس من هذه الأرض المباركة وتضعضع تمسكهم بها وتقدمهم وأرضهم ومقدساتهم لقمة سائغة للمحتل.

إن الله قد أكرم أهل فلسطين بأن جعلهم أهل هذه الأرض المباركة، فلا يصح منهم أن يسكتوا عن الظلم ليس فيما يمس مالهم فحسب بل ويمس دينهم، ودين أبنائهم ونسائهم، وما يضيع قضية أرضهم المقدسة فلسطين، ويجب عليهم ان يرفعوا الصوت عالياً، ليرفعوا الظلم عن أنفسهم وتبرأ ذمتهم أمام ربهم، وليدرك كل من تآمر عليهم بأنهم اعزاء بدينهم واسلامهم وانهم لن يفرطوا بأرضهم المباركة، حتى يدخلها المسلمون المحررون أحفاد عمر بأمرة خليفة المسلمين في ظل خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة كما دخلوها اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ويلقنوا كل من تآمر على هذه الأرض المباركة وأهلها درساً ينسيهم وساوس الشياطين، وإنا لنرى ذلك رأي العين، ونرى تحققه بات أقرب من أي وقت مضى.

 

 (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)

26-2-2012