المهندس باهر صالح
 
 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - فلسطين
 
لا شك أن وراء عيد العمال ما وراءه، فعيد العمال الذي يصادف الأول من شهر أيار من كل عام جاء بعد كل ما تعرّض له العمال في الغرب من شتّى صنوف القهر والتعذيب والعمل في الظروف القاسية فكانوا يُستعبدون ويُستغلون في أعمال شاقّة مقابل الفتات ويُجبرون على العمل دون أن يكون لهم حقوق وحتى حق قبول العمل أو رفضه. حتى تنبّه عددٌ من المتابعين فيما سمي بعصر النهضة الصناعية في أوروبا لما يتعرض له العمال، فرفعوا لواء الدفاع عنهم، وطالبوا بتحسين ظروف العمل، وتأمين متطلبات عيش كريم لهؤلاء العمال، وتمخّض عن تلك التحرّكات والمطالب ظهور عدد من الجمعيات والهيئات والنقابات العمالية حتى نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة للعمال عام 1886م، وتبنّت هذه الهيئة الدعوة لاعتبار الأول من أيار من ذلك العام يوماً للإضراب العام من أجل تخفيض ساعات العمل إلى ثمانٍ في جميع المهن والصناعات، وقد حصلت مصادمات بين العمال والشرطة أدّت إلى سقوط عدد من القتلى، وألقي القبض على عدد من قيادات ذلك التحرّك وحوكموا، وأعدم أربعة منهم، ومنذ ذلك اليوم والعالم يحتفل بهذا اليوم.
 
وهذا ليس شأن عيد العمال وحده بل هذا شأن العديد من الأعياد التي يقف خلف كل واحد منها مأساة و آلام وتطلعات نحو شيء من السعادة المفقودة أو العدل الضائع. فعيد الأم ويوم الطفل ويوم اليتيم ويوم الأسير وغيرها حالة من حالات التعبير عن الحاجة الماسة إلى أنظمة و قوانين تحقق السعادة وتضمن الحقوق وتنصف المظلوم في عالم لا يرحم ضعيفا أو يكترث لعاجز.
 
 
 
فالعالم وعلى رأسه الجمعيات والهيئات والنقابات تائهون وراء عدل مفقود آملين الوصول إلى تحقيق شيء منه وما هم ببالغيه، والسبب في ذلك يعود إلى أنهم يبحثون حيث لا أمل في إيجاد المفقود، ويعدلون في شيء لا يرجى صلاحه. فلو أنهم أدركوا أس الفساد لما بحثوا في القشور ولو عرفوا بيت الداء لما تلهوا بالأطراف.
 
فالظلم الواقع على العمال وعلى المرأة وعلى الطفل وعلى اليتيم وعلى الأسير وعلى كل المجتمع ما هو إلا ثمرة من ثمار الرأسمالية والشيوعية ومن قبلهما الوثنية واللادينية والملكية والدكتاتورية... إلخ.
وهذا شيء طبيعي ومتوقع في كل نظام أو مبدأ وضعه بشر سواء أكان الملك أم القيصر أم الفلاسفة والمفكرين أم رجال الدين أم العباقرة والدعاة. فهذا الكون وهذا الإنسان لا يصلحهما إلا من يعلم كنههما فيعلم ما يصلح لهما وما يصلحهما وما يفسدهما، ألا وهو العليم الخبير، الله.
 
فالبحث وراء السعادة الحقيقة أو العدل الذي لا يعرف حدودا أو استثناءات لا يمكن أن يكون إلا في نظام جاء من عند الله، ونحن إذ نتحدث عن زماننا هذا فالإسلام يوفر كل ما تطمح إليه البشرية من سعادة وعدل وإنصاف وحسن رعاية وطمأنينة. لذلك ليس غريبا أن لا نجد في الإسلام سوى عيدين وهما عيد الأضحى وعيد الفطر وهما شعيرتان دينيتان وليستا من أجل إنصاف ضعيف أو نصرة مظلوم.
 
فأحكام الإسلام كفيلة بأن تنهي مأساة العمال والأطفال والأيتام والمرأة وكل من يتعرض لأي شكل من أشكال الاضطهاد أو الاستغلال أو الجشع، وحيث أن المقام لا يتسع للتفصيل في أحكام الإسلام التي عالجت قضية العمال أجمل وأدق علاج من مثل حقوق العمال وحسن معاملتهم ووجوب إيفائهم حقهم، وتقدير منفعتهم بعدل وإنصاف، وحرمة إرهاقهم وتحميلهم ما لا يطيقون، وحرمة إيذائهم ووجوب احترامهم والرفق بهم، لذلك فإنني أكتفي بالقول أن تفصيلات هذه الأحكام موجودة في مظانها من كتبه الفقه والتشريع الإسلامي على نحو يغني كل حائر أو باحث. ولا أدل على صدق معالجة الإسلام من تاريخ الأمة الإسلامية الزاخر بمعاني الإنصاف والعدل الذي لاقاه العمال في ظل دولة الإسلام وحتى على يد الخلفاء وهم أعلى سلطة في البلاد!، بل إن قصصا مشهورة رويت عن الخلفاء في حسن معاملتهم للعمال.
ويبقى أن نؤكد على أن محاولة تطبيق الأحكام الشرعية مجزأة يساهم في التخفيف من حدة المشاكل التي يتعرض لها المجتمع ولكن لا يمكن أن تتمثل الصورة كاملة إلا من خلال تبني الإسلام كنظام حياة في دولة ترعى تطبيقه وتسهر عليه. وبدون ذلك فإنه وكما أمضى العالم 123 عاما وهو ينادي بحقوق العمال باحثا عن شيء من الإنصاف فإنه سيمضى العقود القادمة بل والقرون القادمة وهو يبحث عن مفقوده.
 
30-4-2009