الخلافة المشروع الحقيقي لتحرير فلسطين المُغَيَّبُ سياسيا وإعلاميا

م. باهر صالح/ عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

ما من شك أنّ فلسطين درة بلاد المسلمين، فهي الأرض التي باركها الله، وفتحها الصحابة الكرام، وروى ثراها الشهداء والأبطال بدمائهم الزكية، وحافظت عليها خلافة المسلمين وجندها، فما من شك أنها أرض إسلامية يجب أن تعود إلى حظيرة الإسلام والمسلمين، وأنّ الطريق إلى ذلك هو تحريرها من دنس يهود وقلعهم من جذورهم من هذه الأرض المباركة.

وليس ثمة شك أيضا أنّ الحديث عن التحرير الحقيقي لفلسطين هو حديث عن حرب الجيوش التي تطحن الأعداء وتزلزل الأرض من تحت أرجلهم، فتجبرهم على العودة خائبين مكسورين يجرون أذيال الهزيمة إلى حيث كانوا مشتتين في أقطار أوروبا وروسيا وأمريكا.

ولتحقيق ذلك كان لا بد من إزالة الأنظمة التي حبست الجيوش عن تأدية واجبها في تلبية نداء الجهاد واستغاثة المسلمين في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين المحتلة، ولا بد من توحيد العالم الإسلامي من جديد على مشروع رباني عظيم تحت قيادة مخلصة تحرك الجيوش من فورها لتحرير فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، فمن هنا كانت الخلافة هي الطريق الحقيقي العملي لتحرير فلسطين.

ومن سقط الكلام القول بأنّ المفاوضات أو المعاهدات أو السلام، أو طرق أبواب المجتمع الدولي ومؤسساته طريق لتحرير فلسطين، فحتى دعاة المفاوضات والمعاهدات والسلام لا يطرحون ذلك كطريق لتحرير لفلسطين، بل يسوقونه على أنّه طريق لإنهاء الصراع.

وهنا تكمن الكارثة، إذ باتت الأطروحات المتعلقة بفلسطين، جهلا من البعض وتآمرا من الآخرين، أطروحات تتعلق بكيفية إدارة الصراع أو إنهائه، ولم يعد لتحرير فلسطين مكان في أجندتهم أو أبحاثهم، حتى ولو من باب الأمنيات، مع أنّ أصل القضية ولب المشكلة هو احتلال فلسطين، وحلها البديهي والوحيد هو تحريرها.

 وأحد أسباب التشوه في تناول القضية جاء جراء الجهد الكبير الذي بذله الغرب من خلال أدواته من الحكام والعملاء والمفكرين والأحزاب، حينما عملوا على انتزاع فلسطين من حضنها الأصيل، وهي الأمة الإسلامية، إلى حضن العرب ثم الفلسطينيين ثم منظمة التحرير ثم رئيس المنظمة.

 ولما ترسخت هذه الفكرة في أذهان هؤلاء وغيرهم باتوا يرون أنفسهم أقزاما أمام مجرد التفكير بالتحرير وطرد يهود، وصار التفكير بإدارة الصراع أو إنهائه هو أعلى مراتب التفكير في قضية فلسطين.

 وهذه الرؤية متوقعة ممن دخل هذا النفق لأنه صار ينطلق في طموحاته وأهدافه من هذا المكان الذي يبدو فيه كيان يهود عملاقا وقدرا لا مفر منه، بعد أن كان النظر إلى كيان يهود من سقف الأمة ومستواها كالنظرة إلى حشرة في فناء البيت يسهل القضاء عليها في طرفة عين.

وهكذا، فقد عمل الحكام ومن معهم من الأدوات والأحزاب والمفكرين على تغييب الطرح الأصيل لحل قضية فلسطين عن الساحة السياسية، وبات الطرح الأصيل من قبل المخلصين يقابل بالاستغراب أو الاستخفاف من قبل هؤلاء المجرمين. حتى وصل الأمر بأحد هؤلاء الأدوات أن عد الطرح الأصيل خروجا عن الموضوع في أحد الحوارات المباشرة على إحدى الفضائيات!!.

وكان للإعلام حصة الأسد في تمرير المؤامرة على الشعوب، خاصة أهل فلسطين، إذ عمل الإعلام على جعل إدارة الصراع أو إنهائه هو أصل القضية وفرعها، فسلط الأضواء على النشاطات والأعمال التي تحمل هذا الطابع وترسخ هذه النظرة، مهما كانت تافهة أو ساذجة، ولو كان المنظمون لها بضعة أفراد مبتوروين، كقرية عين شمس والمقاومة الشعبية ومهرجانات التضامن ومسيرات الاحتجاج والاحتفالات بشتى صورها.

 وواصل الإعلام إثارة القضايا من الزاوية التي تصب في نفس السياق، كموضوع اللاجئين والحل العادل لهم، والمصالحة لإدارة الصراع، ومواصلة الاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى، ومصادرة الأراضي، وعكف على استضافة الشخصيات التي تنطق بهذا المنطق ولا تغرد خارج هذا السرب، بل وصنع منهم مفكرين وباحثين وقادة من كثرة النعوت واللبوس الذي ألبسهم إياه الإعلام، حتى صنع من عملاء فكريين للغرب منظرين وقادة للرأي العام!!

وفي المقابل، تجاهل الإعلام المشروع الحقيقي والوحيد المطروح لتحرير فلسطين بكاملها، وتعامى عن كل الأعمال والنشاطات التي تقود إلى الحل الأصيل، وغاب عن تغطيتها حتى عندما تكون من النوع الذي يملأ عين الشمس وتحت شباك الفضائية، وحينما يضطر إلى تناولها حفظا لماء وجهه أمام المشاهدين فتكون في سياق الحدث العابر وضمن عبارات وتقارير منتقاة لغرض التقزيم والتهوين من أمرها.

 وتعمدت وسائل الإعلام تغييب المفكرين والناطقين بهذا الحل، وحينما تضطر لاستضافة أحدهم فنصيبه يكون أقل من نصيب قصة تروى نهفة لامرأة تعيش في أمريكا اللاتينية!!

وهذا التآمر على قضية فلسطين لتغييب الحل الحقيقي لها، وتغييب مشروع التحرير، من قبل السياسيين والإعلاميين لأنّهم يدركون عروشهم وملكهم قائم ما دام الحال على حاله، فهؤلاء وأن لا مكان لهم في حضن الأمة عندما تسترد عزتها وتقيم خلافتها، وأنّ الملك والجاه الذي صنعه لهم الغرب سيزول مع زوال سلطان الغرب وهيمنته من على بلاد المسلمين، لذلك هم مستميتون في التآمر على الحل الأصيل لقضية فلسطين وباقي بلاد المسلمين، وحالهم في ذلك كحال قادة قريش الذين مع قناعتهم بصحة الإسلام ودعوة محمد صلى الله وعليه وسلم إلا أنهم أبوا إلا محاربته ومحاولة القضاء على دعوته، لأنّهم أدركوا أنّه ليس كورقة بن نوفل ذلك العابد الذي لا يهدد سلطانهم أو يزعزع ملكهم، بل هو يحمل رسالة ستعيد ترتيب الأمور وقلب الطاولة.

 وهكذا هم الآن، فهم مدركون أنّ عروشهم ستزول وأن سلطانهم سيندثر حال قيام الخلافة التي ستعيد ترتيب الأوراق وتنزل الأمور منازلها الحق كما أرادها الله سبحانه وتعالى.

فمشروع الخلافة هو المشروع الحقيقي لتحرير فلسطين وكامل بلاد المسلمين، وكل من لا يعمل لهذا المشروع فهو غير جاد في العمل للتحرير، إذ لا حديث عن فلسطين وحلها إلا في سياق التحرير، ولا تحرير إلا بالحرب والقتال، ولا قتال حقيقيا إلا بالجيوش التي حبسها الحكام، ولا زوال للحكام إلا بدولة الخلافة.

فلذلك ولغيره كان عملنا وبكل قوة من أجل إقامة الخلافة التي تحرر فلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان والقرم وتترستان والقفقاس وتركستان الشرقية، وتعيد كلَّ بلاد الإسلام إلى أصلها وفصلها.

 فخير لكل السياسيين والإعلاميين أن ينحازوا لمشروع أمتهم الذي باتت بشائر نجاحه تلوح في الأفق القريب، قبل أن يأتي يوم يكونون فيه من النادمين المتحسرين على ما فاتهم من أجر وعلى ما اقترفوه من إثم في حق أمتهم وبلادهم.

وأما نحن فعلى دربنا، درب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سائرون، عازمون أمورنا متوكلون على الله، وكلنا ثقة ويقين بنصر الله المبين.

25/5/2014