الوحش الأمريكي اذ يتصنع الرحمة والإنسانية!!

د. مصعب ابو عرقوب*

دعا البيت الأبيض مساء الجمعة إلى حماية المدنيين في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق مطالبا بالسماح لهم بمغادرة المخيم بأمان وقالت برناديت ميهان المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي “يجب أن يتم منح المدنيين القادرين على مغادرة مخيم اليرموك ممرا آمنا بشكل فوري ويجب آلا يتم فصل أفراد الأسر عن بعضهم البعض، كما يجب ألا يتم اعتقال المدنيين المغادرين للمخيم”.ودعت ميهان النظام السوري إلى وقف القصف الجوي للمخيم.

يتحدث الوحش الأمريكي بوقاحته المعهودة عن الإنسانية والرحمة وكأنه على معرفة وثيقة بهما، وهو الذي أدخل  البشرية في نفق مظلم من القتل والإرهاب والتعذيب والسرقة والنهب على مدى عقود من تربعه على عرش الدولة الأولى في العالم.

فالولايات المتحدة الأمريكية قتلت الملايين في حروبها بدأ من الإبادة الجماعية للهنود الحمر إلى حروبها الظالمة في فيتنام وسحقها للمدنيين تحت وطأة قنابلها النووية في هيروشيما ونكازاكي في 1945   ، وقد  أعطى الرئيس الأمريكي "هنري ترومان " الأمر بقصف مدينة "هيروشيما" اليابانية بالقنبلة النووية حيث قتل 78,150 ألف شخص خلال عدة دقائق وهذه الحصيلة لا تشمل آلاف المواطنين الذين أصيبوا بأنواع عديدة من الأمراض الغريبة والتخلف العقلي   مرة أخرى الرئيس الأمريكي "هنري ترومان "  أصدر أمراً بقصف مدينة "ناكازاكي" اليابانية بالقنبلة الذرية، حيث قتل جراء هذا القصف 73,884 شخص وجرح أكثر من 60,000 وقضي بشكل كامل على كل الكائنات الحية في المدينة من حيوان ونبات.

وفي العام 1997م أعلن العراق أن أكثر من 1.2 مليون شخص توفوا بسبب نقص الإمدادات الطبية منذ أن فرضت أمريكا الحصار على العراق وفي العام 2000 نشرت تقرير يكشف عن استخدام الولايات المتحدة في عام 1991 قذائف حاوية على اليورانيوم المنضب في قصفها للعراق والذي أدى إلى تلوث إشعاعي بيئي باليورانيوم في العراق  وأثاره إلى الآن تظهر على أطفال يولدون بتشوهات خلقية.

والثورة السورية  أخذت مكانا لها في سجل الإجرام الأمريكي فالثورة  التي تصدت للمؤامرة الأمريكية عليها وأخذت على عاتقها  الوقوف أمام آلة البطش الأمريكية التي يقودها النظام السوري قدمت آلاف الشهداء تحت سمع وبصر الدولة الأولى في العالم، ومساعدتها لذلك النظام المجرم الذي أعادت له الشرعية بعد قتله للآلاف واستخدامه للغازات السامة في قتلهم،  فقد  قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد القتلى منذ نشوب "الحرب الأهلية" في سورية قبل ما يقرب من أربع سنوات ارتفع الى 210060 نصفهم تقريباً من المدنيين لكن العدد الفعلي للقتلى قد يكون أكبر من ذلك بكثير. وذكر المرصد الذي يتابع الصراع من خلال شبكة نشطاء داخل سورية أن عدد القتلى يشمل 10664 طفلاً و6783 امرأة، وبعد ذلك تعلن أمريكيا أن الأسد ونظامه وأجهزته جزء من الحل!!

ولا ينسى العالم لأمريكا قيامها بانقلابات عسكرية وإشعالها لحروب أهلية عبر العالم أدت إلى هلاك الحرث والنسل في معظم أرجاء المعمورة ومثلا في العام  1949  حرضت أمريكا على الفتنة في اليونان مما أدى إلى نشوب حرب أهلية في هذا البلد، راح ضحيتها 154,000 شخص، اعتقل 40,000 شخص وأعدم 6,000 شخص طبقا للأحكام العسكرية الصادرة من قبل المحكمة العسكرية اليونانية، وقد اعترف "ماكويغ" سفير أمريكا في اليونان في ذلك الوقت بأن كل اللإجراءات والترتيبات التي تم اتخاذها من قبل الحكومة العسكرية اليونانية خلال السنوات 1947-1949 تمت كلها بعلم من أمريكا وتخطيط البيت الأبيض الدقيق لكل ما جرى.

والتهم الوحش الأمريكي ثروات العالم وسيطر على معظمها وخاصة ثروات الأمة الإسلامية فانتشر الفقر والجوع في العالم وتكدست الثروة في أيدي فئة قليلة مرتبطة بالوحش الرأسمالي الأمريكي ، فقد أشار تقرير أوكسفام إلى أن نخبة قليلة -التي لا تزيد على 85 شخصا فقط من أغنى أغنياء العالم ويمكن جمعهم في حافلة واحدة- تمتلك ثروة تعادل ثروة نصف سكان العالم الفقراء البالغ عددهم 3,5 مليارات نسمة.

ويشير التقرير إلى أن مجموع ثروة هذه النخبة تقدر بـ 1,7 تريليون دولار، ويأتي على رأس القائمة إمبراطور الاتصالات المكسيكي كارلوس سليم الحلو الذي تقدر ثروته الصافية (وفق مجلة فوربس) بـ73 مليار دولار، يليه مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس بثروة قدرها 67 مليارا، وأحد الأثرياء الأميركيين البالغ عددهم 31 على قائمة فوربس.

واعتقلت الولايات المتحدة المسلمين وغيرهم وعذبتهم في سجون سرية وعلنية في سابقة تاريخية كشفت عن الوجه الحقيقي لذلك الوحش المسخ وسجون ابو غريب وغوانتاناموا شاهدة على ذلك التوحش الأمريكي.

وبعد ذلك كله تملك المتحدثة باسم الوحش الأمريكي الجرأة لتكذب على الملأ وتتحدث عن الإنسانية والرحمة وهي تعلم أن البيت الأبيض هو الآمر والناهي للأنظمة الدكتاتورية المجرمة في بلادنا وهو من يدعهما ويرسم لها الخطط للقتل والتعذيب وطائراته تجوب سماء بلادنا فتقتل وتدمر وتهلك ...وبعد ذلك ..تتصنع الإدارة الأمريكية الرأفة والرحمة والحرص على الإنسانية والمدنيين ..أي وقاحة تلك ؟؟.

وقاحة أصبحت السمة البارزة في حكم الدولة الأولى وسياستها، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تجد حرجا في الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان والقيم الأخلاقية في ظل واقع مرير تعيشه البشرية ما هو إلا نتاج تحكم الدولة الأمريكية المارقة على كل القيم والأعراف الإنسانية، فالمسؤولية تقع على "القوة العظمى الأولى " في العالم ذات النفوذ والسيطرة العظمى في المعمورة ..فكل شر تعيشه البشرية يقع تحت سمعها وبصرها وفي حدود نفوذها في هذه الحقبة التاريخية السوداء التي حكمنا فيها الوحش الأمريكي.

وأمريكيا هي المسئولة عن الدمار الذي حل بعواصم المسلمين وحواضرهم في سوريا أو ليبيا أو أفغانستان وباكستان، ، بل إن الوحش الاستعماري الأمريكي هو ذاته  المسئول الاول عن الدماء التي تراق في بلاد المسلمين، وأمريكا هي المسئولة عن الظلام والظلم الذي يلف العالم، وما الفقر والجوع والمرض وانعدام الاخلاق والاتجار بالبشر وانتشار المخدرات إلا نتيجة حتمية  لحقبة تاريخية  حكم فيها الوحش الأمريكي الرأسمالي العالم  ونشر قيمه العفنة فيه.

قيم رأسمالية لا تقدس إلا المادة ولا تقيم وزنا للدماء بقدر ما تقيمه للنفط والغاز والثروات، لذلك فإن حقن الدماء والرحمة بالبشر والقيم الإنسانية والأخلاقية والتحرر من عبودية المستعمرين لن تتحقق إلا باجتثاث جذور الاستعمار من بلادنا، وإن العدل لن يعم الأرض ولن ترى المعمورة النور والهداية ولن تنعم بالأمن إلا بعد أن  يتسنم شرع  الله وقوانينه  عرش الحكم في دولة الخلافة التي ستنشر النور والعدل وتخلص العالم من شرور الرأسمالية.

آن للبشرية أن ترى نور ربها عبر شرع الله مطبقاً في دولة الخلافة ليصبح نموذجا للعدل والرحمة والإنسانية والروحانية وارتباط المخلوق بالخالق لتصبح أحكام الإسلام عرفا تتحاكم إليه البشرية يخرجها من ظلم الرأسمالية المادية إلى روحانية وعدل الإسلام.

والى ان تشرق شمس الخلافة على البشرية المعذبة فإن على الأمة الإسلامية أن تحمل ذلك العبء على أكتافها وتستمر في ثورتها حتى إقامة خلافة على منهاج النبوة، فالبشرية المعذبة لا أمل لها إلا في أمة الإسلام التي اختارها الله لحمل رسالة العدل والنور والهداية والرحمة للبشرية وعليها تنعقد الآمال وعلى كاهلها تقع التضحيات الجسام،

 

 لذلك ورغم كل الألم ....الثورة يجب ان تستمر.

*عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير في فلسطين