أمريكا والحرب على المسلمين 2: شهادات أمريكية على طبيعة الصراع

الدكتور ماهر الجعبري

بيّنت الحلقة السابقة من هذا المقال التحدي والصراع في مسيرة الإرهاب الأمريكي ضد المسلمين وعرضت أشكال الحرب الأمريكية ضد الإسلام بما يشمل الحروب العسكرية والمؤامرات السياسية والصراع الفكري الثقافي والهيمنة الاقتصادية، وبينت أن ذلك كلّه يأتي ضمن مسيرة عدائية ممتدة في التاريخ. وهذه الحلقة تبين محور الصراع وطبيعته بشهادات رأس الهرم السياسي الأمريكي.

الخلافة... تصريحات أمريكية تكشف عن صراع في الوجود وفي الوجدان

خلال قيادة الحزب الجمهوري لأمريكا كثرت التصريحات السياسية التي تكشف عن التوجس من الخلافة، منها مثلا ما أفصح عنه رئيس أركان القوات المسلحة الأمريكية في حينه ريتشارد مايرز أثناء شهادته أمام لجنة شؤون القوات المسلحة في مجلس الشيوخ  في 26/6/2004: "بأن الإرهابيين في العراق يريدون إقامة خلافة إسلامية والعودة إلى القرن السابع"، ومنها ما نقلته مجلة النيوزويك في عددها الثامن من نوفمبر 2004 عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر :"إن العدو الرئيس هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام التي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة وكل المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقا أمام اقامة الخلافة"، وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير قد سار على نهجهم في التخويف من الخلافة، فقال في المؤتمر العام لحزب العمال بتاريخ 16/7/2005:"إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تُحكِّم الشريعة في العالم الإسلامي عن طريق إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية"، ثم قال وزير الداخلية البريطاني السابق تشارلز كلارك في كلمة له في معهد هيرتيج في 6/10/2005: "لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات حول إعادة دولة الخلافة ولا مجال للنقاش حول تطبيق الشريعة الإسلامية".

ومن ثم صرّح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن في خطاب له للأمة الأمريكية في 8/10/2005 قائلاً : "يعتقد المقاومون المسلحون أنهم باستيلائهم على بلد واحد سيقودون الشعوب الإسلامية ويمكنونهم من الإطاحة بكافة الحكومات المعتدلة في المنطقة، ومن ثم إقامة إمبراطورية إسلامية متطرفة تمتد من إسبانيا إلى اندونيسيا". وتبعه وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حيث قال في جامعة جون هوبكنز في 5/12/2005: "ستكون العراق بمثابة القاعدة للخلافة الإسلامية الجديدة التي ستمتد لتشمل الشرق الأوسط وتهدد الحكومات الشرعية في أوروبا وأفريقيا وآسيا، وهذا هو مخططهم لقد صرحوا بذلك وسنقترف خطأ مروعاً إذا فشلنا في أن نستمع ونتعلم". وكرر بوش التخويف من الخلافة في أكثر من مناسبة عام 2006، منها ما كرره فيمؤتمر صحفي مطول في البيت الأبيض في 11/10/2006، وقال "أن وجود أمريكا في العراق هو لمنع إقامة دولة الخلافة التي ستتمكن من بناء دولة قوية تهدد مصالح الغرب وتهدد أمريكا في عقر دارها" ...وقال "إن المتطرفين المسلمين يريدون نشر أيديولوجية الخلافة التي لا تعترف بالليبرالية ولا بالحريات ولهذا يريدون لنا أن نرحل ولكننا باقون حتى لا نندم، وليعلم الشعب الأمريكي حينئذ أن وجودنا في العراق كان يستحق المغامرة والرهان".

صحيح أن مصطلحات "حرب الأفكار" لم تعد بارزة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي عام 2010، وفي استراتيجية الأمن القومي الأمريكي عام 2015، في انعكاس واضح لأسلوب الحزب الديمقراطي في تنفيذ المصالح الأمريكية، ولكن النشاطات السياسية ظلت تركز على مواجهة الفكرة الأساسية للأمة الإسلامية وعلى تحدي مشروعها السياسي الكبير الذي يتمثل في صدام حاد في ثورة الشام، ولذلك ركّزت أمريكا (وديمقراطيوّها الحاكمون لها في هذه الفترة) على مواجهة ثورة الشام بالمؤامرات السياسية، وبمد بشار بالعون السياسي، وبتجنيد إيران وحزبها للعون العسكري، ومع السماح لجسر العون العسكري الروسي أن يبقى ممتدا عبر قناة السويس التي يديرها عملاء أمريكا.

ورغم نعومة أساليب الديمقراطيين، لم يستطع أوباما تجاهل التعبير عن الخوف من الخلافة وتحدي مشروعها، وقال في مقابلة نشرت مقتطفات منها صحيفة نيويورك تايمز في 8/8/2014 "لن نسمح لهم بإقامة خلافة بصورة ما في سوريا والعراق" (حسب الجزيرة نت 9/8/2014). وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون قد عبّرت عن طبيعة الصراع وعن قلقها من العمل للخلافة في باكستان (حسب ما جاء على محطة جيو الباكستانية في 8/12/2009)، وهو قلق جدد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن التعبير عنه عندما أكّد أنَّ باكستان هي أكثر ما يقلقه، كونه "بلد كبير، ولديه أسلحة نووية يمكن نشرها، وفيه أقلية مهمة فعلاً من السكان المتطرفين" (اليوم12/2010 ).

اذاً، فإن التحذير من الخلافة ظل حاضرا في تصريحات الساسة الأمريكان على اختلاف مستوى النبرة وطبيعة أساليب الحزبين الأمريكيين.

 

ثورة حتى الخلافة... تحرر الأمة وترعب الغرب وأمريكا

قبيل انبثاق الثورات، نشر المفكر المصري-القبطي رفيق حبيب مقالا بعنوان "الإسلام الجديد ... مشروع بلا خلافة"، ظهر على موقع أخبار العالم في 12/2/2010، أجاد فيه تصوير حالة الصدام بين المشروع الحضاري الإسلامي وبين مشروع العولمة الرأسمالي، وجاء عنوانه مدللا على سعي الغرب لإنتاج إسلام لا يهدد الغرب، وجاء فيه "في قلب المعركة بين العولمة كمشروع غربي، والمشروع الحضاري الإسلامي، نجد مسألة الخلافة الإسلامية في مرمى النيران. فهي الحاضر الغائب في كل معارك الغرب مع الحركة الإسلامية، وفي كل معارك العلمانية مع المشروع الإسلامي، وأيضا في معارك النخب الحاكمة".

وقبل بزوغ الفجر الثوري، نشرت مؤسسة جالوب الأمريكية (المتخصصة في استطلاعات الرأي العالمية) نتائج كشفت "أن أكثر من 90 بالمائة من الشعب المصري يؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية، وأن حوالي ثلثي المصريين يطالبون بجعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع"، واشارت إلى تأييد الأغلبية الساحقة في مصر وإيران وتركيا لتقنين الشريعة الإسلامية لتكون أحد مصادر التشريع في بلادهم (وذلك عام 2008 حسب موقع محيط).

إذن، كان التوجس الغربي من الشريعة والخلافة حاضرا قبيل الثورات، ومع انطلاق الثورات بعفويتها في تعبير عن مشاعر الأمة، أدرك الغرب أن الخلافة هي الخطر الكامن فيها، بل صرّح بعض إعلامييه أنها هدف الثورات، من مثل الإعلاميّ الأمريكيّ جلن بيك (Glenn Beck) الذي شرح للأمريكان –في برنامجه على قناة فوكس نيوز الأمريكية بتاريخ 29-6-2011- سياق الربيع العربي في ضوء الحديث النبوي الذي يبشر بالخلافة، "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"، وعرضه مترجما على الشاشة الأمريكية. وإذ يمكن لبعض المحللين والإعلاميين أن يعتبر ما عرضه بيك نوعا من شحن الرأي العام، ولكن الحقيقة أن ساسة أمريكا مشحونون ذاتيا ضد الخلافة ومشروعها، ولا يحتاجون لبرنامج إعلامي ليوجههم ضدها.