مواقف عزة وتضحيات
قاسم: الله خيرٌ من الزوجة والولد
 
عن ابن عباس، قال : كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما، فقال: (يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف.)
وفي هذه القصة سنرى كيف أنّ أخانا قاسماً قد أدّى الواجب وصدع بكلمة الحق وسط حقل من الألغام -السلطة الفلسطينية الظالمة وعيونها- فحفظ الله، فحفظه الله، ولم يضره شيء.
 
لا مكان للتردد أو التقاعس عن أداء الواجب
 
كانت مهمة أخينا قاسم أن يلقي رسالة حزب التحرير- فلسطين التي وجهها إلى السلطة بخصوص تفريطها وخيانتها لقضية فلسطين، وذلك في أحد المساجد في الضفة الغربية، ولكنه ليس أي مسجد، فهو مسجد بقرب مركز للشرطة ويصلي فيه عدد كبير من رجالات وعيون السلطة الظالمة.
 
ولكن لأن قاسماً لا يعرف التردد أو التقاعس في أداء الواجب، ويؤمن بأنّ النافع والضار هو الله، ويدرك تمام الإدراك أنّ الإنسان إنما يحيا في هذه الحياة الدنيا من أجل عبادة الله دون سواه، لأجل ذلك لم يتردد قاسم في قبول المهمة، ولبى الطلب وانقض مسرعا كالأسد الذي لا يخشى من أمامه.
 
فقرأ الرسالة وجهر بالحق بكل ما أوتي من قوة صوت ورباطة جأش، دون أن يقاطعه أحد أو يشوش عليه، حتى أنهى الرسالة كاملة، وسط تأييد الناس ومباركتهم له.
 
قطاع الطرق !!
 
ما إن خرج قاسم من المسجد حتى فاجأه رجال السلطة وأزلامها كقطاع الطرق، وتجمع عليه أكثر من عشرة عناصر من أجهزة الأمن الفلسطينية، ليقوموا باعتقاله، وسط شجب الناس واستنكارهم لهذه الخطوة المخزية من السلطة التي تقدم فيها على اعتقال الشاب من أمام المسجد لصدعه بكلمة الحق.
 
ولأن السلطة تعرف سوء فعلتها وشناعة موقفها، حرص عناصرها على اعتقاله دون "شوشرة"، فقام عنصر بالزي المدني بالإمساك بقاسم وابتعد عنه العناصر المرتدون لزيهم العسكري حتى لا يستدروا نقمة الناس عليهم، حتى أوصلوه إلى مركز الشرطة القريب من المسجد.
 
الله خيرٌ من الزوجة والولد
 
بدأت المباحث بالشرطة عملية التحقيق مع قاسم، وبعد السؤال عن بعض المعلومات الشخصية قال المحقق لقاسم: ما الذي دفعك للقيام والتحدث بعد الصلاة؟
لم يتوقع المحقق جواب قاسم الذي يقطع قول كل بليغ.
قاسم: ما دفعني هو رضا الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حاول المحقق أن يلعب دور الشيطان الذي يغري الإنسان بالدنيا وزينتها الفانية فقال لقاسم: ألم يكن من الأفضل لك لو أنك ذهبت إلى البيت وتناولت الغذاء مع أولادك بدلا مما فعلت؟
وهنا جاء جواب قاسم الذي يفيض حكمة وخيراً: طاعة الله والانقياد الكامل لأوامره خير من الزوجة والأولاد.
المحقق: طيب وماذا قلت في المسجد؟
لم يخش قاسم أن يعيد كلمات الحق التي نطق بها، فلخّص للمحقق الرسالة التي قرأها في المسجد والتي تنكر على السلطة خيانتها وتفريطها بفلسطين، وتخاذلها أمام يهود في مقابل عدائها للإسلام ولدعوة الخلافة. 
يحاول المحقق مرة أخرى تثبيط عزائم قاسم وإيجاد مداخل للشيطان فيقول: وهل أنت وحدك المخاطب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
قاسم: كل من يقول لا اله إلا الله مخاطب وأنا منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).
المحقق: لماذا وجهت رسالة إلى الناس؟
قاسم: حتى يعلموا ما هو المطلوب منهم وحتى لا يتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكانت هذه الكلمات هي نهاية التحقيق.
وجاء دور التوقيع على الإفادة،
المحقق: تفضل وقع على الإفادة.
قاسم: نحن لا نوقع، وأكتب عندك رفض التوقيع.
ولما أرادوا تحويل قاسم إلى المخابرات كعادة الدول البوليسية، قال أحدهم للمحقق: ولكن هناك آخر مثله لم نأخذ إفادته!!
المحقق: لا داعي فهم لا يوقعون على الإفادة.
 
ما هكذا يكون المتهم!!
 
نُقل قاسم إلى جهاز المخابرات، وهناك تجدد التحقيق، وتجددت مواقف العزة والتضحية.
المحقق: ماذا تريدون منا؟
قاسم: أنتم ماذا تريدون منا؟!! فنحن حزب نعمل لإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في القارات الخمس وعلى وجه الكرة الأرضية كاملة فماذا يضركم هذا؟ ثم أنتم اعتقلتموني من مسجد أدعو فيه إلى الله ولم تأخذوني من خمارة أو مكان ربوي أو كنت متلبسا بسرقة.!!
حينها عرف المحقق أنه لا يتحدث إلى شخص عادي يمكن له أن يأخذه بالصوت.
فبدأ التحقيق يأخذ منحى آخراً.
فبعد السؤال عن المعلومات الشخصية. سأل المحقق عمّا جاء في الرسالة.
وكما فعل قاسم في الشرطة فعل في المخابرات، حيث أخبر المحقق بما جاء في الرسالة دون أن يخشى قول كلمة الحق.
المحقق: وكيف اعترفت السلطة باليهود؟ وكيف تنازلت عن أرض 48؟
قاسم: القبول بحل الدولتين هو أكبر اعتراف بيهود على أرض ال 48، أرض الإسراء والمعراج، الأرض التي فتحها الصحابة بدمائهم.
لم يجد المحقق ما يقوله أمام حجة قاسم الدامغة.
المحقق: لماذا توجه رسالة للناس؟
قاسم: لأن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي على الجميع، فيجب على كل الأمة أن تعمل للإسلام، لأنّ تطبيق الكفر في بلادنا له أثر على الجميع وليس على فرد أو مجموعة أفراد. فالعمل للإسلام وإعادة الإسلام إلى واقع الحياة فيه رفعة لي ولك ولابني وابنك ... فهل من يفعل ذلك يكون مجرما؟
المحقق: لا أحد يحارب الإسلام ولا أحد يحاسبك إذا صليت، فأنا أصلي وأقوم الليل.
قاسم: الإسلام ليس صلاة وقيام ليل فقط، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).
ولم يكتف قاسم بذلك بل تابع قائلا:
كل مسلم سيقف بين يدي الله ليس بينه وبينه ترجمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسل: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة)
فنحن نعمل في القارات الخمس من أجل دين الله وسنجد هذا على يميننا إن شاء الله وكل من يعادي دين الله ويحول دون عودة الخلافة ستكون أعماله على شماله والعياذ بالله.
 
أفلس المحقق ولم يجد ما يقوله، فقال لقاسم اقرأ إفادتك.
قاسم: لماذا؟
المحقق: حتى توقع عليها.
قاسم: نحن لا نوقع، لا أنا ولا غيري ... ولو قُطعت الرؤوس لن نرجع عن طريق دعوتنا، واكتب عندك رفض التوقيع.
 
وبعدها أخذوه إلى الزنزانة التي أمضى فيها ثلاث ساعات، ليأتي فرج الله، والله لا يضيع أجر العاملين. {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.
وبذلك يكون قاسم قد سطر قصة أسد آخر من أسود حزب التحرير الذين لا يخشون في الله لومة لائم.
 
8/2/2011