بسم الله الرحمن الرحيم

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

جواب سؤال: بيان مفهوم الفتنة

إلى Nbiha Essam

 

السؤال:

سيدي، أمام قولكم "أليس منكم رجل رشيد يقضي على أولئك الرويبضات، ويعيد سيرة الأنصار، فينصرنا لإقامة حكم الإسلام، خلافة راشدة على منهاج النبوة...؟" أريد أن اشير إلى الحديث النبوي الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أمانتهم، وكانوا هكذا» وشبك بين أصابعه، قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك، جعلني الله تبارك وتعالى فداك؟ قال: «الزم بيتك، وابك على نفسك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة»

 

كأن هناك تناقضاً بين ما أمر به الرسول وما تدعوننا إليه، وبارك الله لك.

 

الجواب:

(إن الحديث الذي ذكرته ورد بتمامه عند أبي داود في سننه على النحو التالي:

 

"حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ»" انتهى.

 

هذا الحديث وغيره من أحاديث الفتنة المختلفة وردت في حالات اختلاط الحق بالباطل فلا يعرف الحق... فمن يختلط عليه الأمر فالحكم الشرعي بالنسبة له أن يلزم بيته إلى أن يتبين الحق من الباطل وعندها عليه السير مع الحق.

 

والمتدبر لما ورد في الحديث معنى ومبنى يتبين له هذا الأمر بجلاء... انظر كلمة (وكانوا هكذا) وبيان الراوي ما وقعت عليه الإشارة بقوله (وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) أي خلط بين أصابع يديه إشارة إلى تموج بعضهم في بعض وتلبيس الأمر عليهم... وكل هذا يدل على التباس الحق بالباطل وعدم تمايزهما عن بعضهما البعض، ففي هذه الحالة كما قلنا آنفاً يكون الحكم الشرعي بالنسبة له هو القعود... إلى أن يتبين الحق من الباطل وعندها عليه السير مع الحق.

 

 

إن الوقوف مع الحق، سواء أكان ذلك من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو نصرة للمظلوم أو العمل الجاد المجد في طلب النصرة من أهل القوة لإقامة الدولة الإسلامية في حالة عدم وجودها... هو أمر توجبه الأدلة الشرعية، ومنها:

 

1- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها:

 

- قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر﴾.

- أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتم أُمتي تَهَابُ الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تُوُدِّعَ منهم». وأخرج أبو داود قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ: وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ». وأخرج الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُوْنَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ». وأخرج الترمذي وأبو داود كذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «كَلاَّ، وَاللهِ لَتَأمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، وَلَتَأخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتَأطِرُنَّهُ عَلَى الحَقِّ أطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّه عَلَى الحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَننكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ». وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ». وللنسائي عن أَبي عبدِ الله طارِقِ بن شِهاب البَجَليِّ الأَحْمَسِيّ رضي الله عنه: أنَّ رجلًا سأل النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد وضع رِجله في الغَرْزِ: أيُّ الجِهادِ أَفضلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ».

 

 

2- في نصرة المظلوم ومنها:

 

- قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.

- أخرج البخاري في صحيحه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ... وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ». وأخرج كذلك عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ». وأخرج أيضاً عن البراء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، ... وَنَصْرَ المَظْلُومِ».

 

3- ثم في طلب نصرة أهل القوة لإقامة الدولة الإسلامية في حال عدم وجودها، ومنها:

 

- أخرج ابن هشام في السيرة قال: "قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ... فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِض نفسَه فِي الْمَوَاسِمِ، إذَا كَانَتْ، عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَل، وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَيَمْنَعُوهُ حَتَّى يبينَ لهم ما بعثه به الله." انتهى

 

- وأخرج أبو الفتح، فتح الدين في عيون الأثر قال: "وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ... عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي خُرُوجِهِمَا هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم... فَقَالَ أبو بكر: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: مِنْ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، هَؤُلاءِ غُرَرٌ فِي قَوْمِهِمْ، وَفِيهِمْ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ، وَمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ... فقال أبو بكر:

 

أو قد بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَهَا هُوَ ذَا، فَقَالَ مَفْرُوقٌ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ، فَإِلامَ تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَدْعُو إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُؤْوُنِي وَتَنْصُرُونِي... فقال هانئ... وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي الْكَلامِ المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى به حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا، فَقَالَ الْمُثَنَّى: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ... وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صري الْيَمَامَةِ وَالسَّمَامَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ما هذان الصريين» فَقَالَ: أَنْهَارُ كِسْرَى وَمِيَاهُ الْعَرَبِ... وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَى أَنْ لا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلا نُؤْوِي مُحْدِثًا... فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نُؤْوِيَكَ وَنَنْصُرَكَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَعَلْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَسَأْتُمْ فِيَّ الرَّدَّ إِذْ فَصُحْتُمْ فِي الصِّدْقِ، وَإِنَّ دِينَ الله لن ينصره إلا من حاط مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ..." انتهى

 

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب نصرة أهل القوة من القبائل ليسلموا وينصروه صلى الله عليه وسلم ليقيم حكم الله بين ظهرانيهم، فلم يستجيبوا إلى أن شاء الله... فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم مصعباً إلى المدينة فاستجاب الأنصار وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية ثم هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأقام الدولة هناك...

 

ذكر ابن هشام في السيرة قال: (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوْسِمِ مَعَ حَجَّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ، فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَقَبَةَ، مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، حِينَ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَالنَّصْرِ لِنَبِيِّهِ، وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَإِذْلَالِ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ... قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم... قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبَّاسُ جَالِسٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ مَعَهُ، فَسَلَّمْنَا ثُمَّ جَلَسْنَا إلَيْهِ... قَالَ كَعْبٌ: ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجِّ، وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجِّ، وَكَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا... قَالَ: فَنِمْنَا تَلِكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا: نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، أُمُّ عُمَارَةَ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ...

 

قَالَ: فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَلَا الْقُرْآنَ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ، وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ (نَبِيًّا)، لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ وَاَللَّهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا (عَنْ كَابِرٍ)... ثُمَّ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ...

 

قَالُوا: ... فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ نَحْنُ وَفَّيْنَا (بِذَلِكَ)؟ قَالَ: الْجَنَّةُ. قَالُوا: اُبْسُطْ يَدَكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ.

 

قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ارْفَضُّوا إلَى رِحَالِكُمْ. قَالَ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: وَاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ: إنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ...)

 

وأخرج البيهقي في دلائل النبوة قالَ: (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ... عن ابن الزُّبَيْرِ: مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ... فَوَاعَدَنَا شِعْبَ الْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعْنَا فِيهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنٍ، حَتَّى تَوَافَيْنَا عِنْدَهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَى مَا نُبَايِعُكَ فَقَالَ بَايعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ يَثْرِبَ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ... فَقُمْنَا إِلَيْهِ نُبَايعُهُ رَجُلًا رَجُلًا، يَأْخُذُ عَلَيْنَا شَرْطَهُ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ...) انتهى

 

وكل هذه الأدلة، وأدلة أخرى نحوها، توجب عدم القعود، بل هو فقط في حالة الفتن عندما لا يعرف المرء الحق من الباطل، فإذا عرفه فالواجب عليه أن يقول الحق فيأمر بالممعروف وينهى عن المنكر، وينصر المظلوم، ويطلب نصرة أهل القوة لإقامة الدولة الإسلامية "الخلافة الراشدة" بالطريقة الشرعية، إن لم تكن الخلافة موجودة، فهذا أمر واجب، وفي القعود عنه إثم عظيم. ولو قعد المسلمون، ولا سيما الصالحين، عن نصرة الحق الظاهر المعلوم ولزموا بيوتهم لظهر الفساد، واستطال أهل البغي والمبطلون وتحكموا في رقاب العباد، علاوة على مخالفة القعود في هذه الحالة للنصوص الشرعية الموجبة لنصرة الحق كما بيّنا أعلاه...

 

هذا هو معنى الحديث الشريف الذي سألت عنه، أي هو في الفتنة عندما لا يتبين الحق من الباطل... فأين هذا أيها السائل الكريم من قولنا: (إننا نتوجه إلى جيوش المسلمين: أفليس منكم رجل رشيد ينكر على الحكام خيانتهم لله ولرسوله والمؤمنين...؟ أليس منكم رجل رشيد يغار على دينه وعرضه فيقف في وجه أعداء الله قاطعاً حبالهم وعصيهم...؟ أليس منكم رجل رشيد يقضي على أولئك الرويبضات، ويعيد سيرة الأنصار، فينصرنا لإقامة حكم الإسلام، خلافة راشدة على منهاج النبوة...؟) انتهى، حيث الحق فيها واضح وبيّن وهي دعوة لنصرة دين الله وإقامة حكم الله، وقطع لدابر الكافرين، وإنكار على الخونة لله ولرسوله وللمؤمنين... فليست هي دعوة إلى فتنة، ولا مشاركة في فتنة، بل هي دعوة حق مبين، لا يختلف في أمرها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان، فأين مناقضتها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم...! وهل دعوة المسلمين إلى الأخذ بكتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأخذ على يد الظالمين والكافرين، والاستجابة إلى نصرة الدين يمكن أن تكون مناقضة لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟!

 

 

فتدبر هذا الأمر يرحمك الله... وفقنا الله أجمعين إلى عز الإسلام والمسلمين.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

   

04 من ربيع الاول 1436

الموافق 2014/12/26م