بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة من أمير حزب التحرير إلى حملة الدعوة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،

الإخوة الكرام، يا حملة الدعوة الأكارم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

لقد كنت أيها الإخوة قد كتبت لكم سابقاً: (وإني هنا لا أريد أن أمنعكم من الاطلاع على تلك الصحائف السود، بل لا آمركم ولا أنهاكم، ولكن ما آمركم به وأشدد عليه هو أن لا ترسلوا إلي شيئاً من تلك الصحائف السود، فإني أريد أن أنشغل بحسن السير واستقامة المسير، فتصل القافلة حاملة شعلة من نور إلى حيث عقر دارها الخلافة الراشدة بإذن الله في أجل قضاه الله وقدره، ولكل أجل كتاب... وإني أسأل الله سبحانه أن لا يكون ذلك الأجل بعيداً ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾).

 

 وكنت أحب أن لا تنشغلوا في الردود على تلك الأقوام فهم كسقط المتاع كلما قلّبته ونظرت فيه أحييته وشغلك عما هو خير... ولكني علمت أنكم تكثرون الرد عليهم!

 

إني أدرك أنكم كنتم تردون عليهم لبيان افتراءاتهم وإفكهم لعل جوابكم يوضح لهم الحقيقة فينتفعوا بالجواب ويقلعوا عن غيهم، ولكن هذا لو كانوا يقولون تلك الافتراءات جاهلين ليسوا عامدين، لكنهم يقولونها كذباً عامدين متعمدين، كما صنع أشياعهم من قبل فافتروا... وأرادوا الجواب والرد فقلنا لهم في حينه: (قائل هذه الافتراءات أحد اثنين: واحد يقولها كذباً عامداً متعمداً وهذا لم يقلها وهو يريد جواباً عليها ينتفع به، وآخر يقولها وهو فاقد للبصر والبصيرة وهذا لا ينفعه جواب)، فهؤلاء شأنهم شأن أشياعهم من قبل...

 

وإني أدرك كذلك أنكم كنتم تردون عليهم خشية تأثير افتراءاتهم في الحزب فيلحقون به أذى، أو يؤثرون في قيادة الحزب عند المطلعين على صحائفهم السود، وهذا أمر لا يكون بإذن الله:

 

- أما تأثيرهم في الحزب فقد حاول ذلك من هم أشد منهم قوة وأكثر جمعاً... حاول ذلك الكفار المستعمرون، وحاول ذلك عملاؤهم الظالمون، وحاولت ذلك أجهزة هؤلاء وأولئك المخابراتية، ومع ذلك فقد خسروا جميعاً رهانهم، وماتوا بغيظهم، وما زال الحزب واقفاً قائماً بالحق لا يضره من خذله ولا من سقط من القافلة وهي تغذ السير والمسير دون أن تضعف أو تهون، بل في خط مستقيم لا عوج فيه بإذن الله العزيز الحكيم.

 

- وأما قيادة الحزب فهي ثابتة على الحق بإذن الله لا تضعف لها عزيمة ولا تلين لها قناة، فتصعد من شاهق إلى شاهق، لا يؤثر فيها كل ساقط أو ناعق، بل إنها مطمئنة بأن النصر آتيها إن شاء الله، ولكن على أيدي أخيار أبرار مثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن النصر سيكون خلافة على منهاج النبوة، أي مثل الخلافة الأولى التي قامت على أيدي أولئك الصحب الكرام رضي الله عنهم، وعليه فكلما تساقط من المسيرة الذين في قلوبهم مرض كان النصر بإذن الله قد اقترب...

 

وهكذا فلا تخشوا على الحزب ولا على قيادته من أولئك، لا من نعيق كبارهم ولا من ثغاء صغارهم، فكما قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم : ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾، فإننا مطمئنون بأن الله سيكفي عباده المؤمنين شر المستهزئين والمفترين والأفّاكين، والله قوي عزيز، وهو سبحانه يتولى الصالحين...

 

 أيها الإخوة الكرام، يا حملة الدعوة الأكارم،

 

 تذكروا دائماً هاتين الآيتين الكريمتين:

- ﴿إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾، فأيُّ دفعٍ يقف أمام دفع الله المنتقم الجبار...؟، وقوله سبحانه ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، فالله لا ينصر رسله فحسب، بل كذلك ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾، وليس النصر ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، أي في الآخرة فحسب برضوان الله وجنة الفردوس، بل كذلك ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ بالعز والتمكين... فلا تيأسوا أيها الإخوة من روح الله مهما بلغت الشدة، بل إن الشدة مؤذنة بالفرج، وظلمة الليل تؤذن ببزوغ الفجر: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وعسر واحد لا يغلب يسرين.

 

ثم عود على بدء، فكما أمرتكم بأن (لا ترسلوا إلي شيئاً من تلك الصحائف السود)، فإني أحب لكم أن لا تنشغلوا بالرد عليهم فهم أهون عليكم من ذلك، فانشغلوا بأمر الدعوة وعلوها واتركوا أولئك في غيهم يعمهون...

 

املأوا صفحاتكم بما يرفع من شأن الدعوة... املأوا صفحاتكم بما يدفع العمل إلى الأمام... املأوا صفحاتكم بما ينفع الناس... املأوا صفحاتكم بكشف مؤامرات الكفار المستعمرين وعملائهم الظالمين ومخابراتهم الذين يلاحقون عباد الله المؤمنين... ولا تنشغلوا بأمر سقط المتاع فهم أهون من أن تنشغلوا بهم، ولا تنخدعوا بالأرقام على صفحاتهم فهم كمن يكتب (واحداً) ثم يضع بعده (أواحد) فيبدو كأنه أحد عشر أو مئة وأحد عشر! وعلى كل، فهم مهما كانوا فإننا نحمد الله أن ليس بينهم عضو عامل في الحزب، بل هم إما ناكث أو تارك أو معاقب، وإما منافق يُظهر حب الحزب ومدحه، وفي الوقت نفسه يأكل مال اليتيم ويكيد للحزب وقيادته وكل مسئوليه... وفي كل ذلك دليل على صفاء الحزب ونقائه، ورسوخ قدم قيادته في طاعة الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزكي على الله أحداً.

 

وفي الختام، فهاتان كلمتان من عقلهما يدرك عاقبته أين تكون:

الأولى إلى الكفار المستعمرين وعملائهم ومخابراتهم: بأن لا يفرحوا بهذه الفتنة التي حدثت، وهي ليست بعيدة عن أصابعهم وخيوطهم، سواء أكانوا هم الخياطين الذين نسجوها وحاكوها بأيديهم، أم لم يكونوا، بل ألقوا شباكهم وخيوطهم فتلقفها فاقدو البصر والبصيرة، فكان ما كان... أقول لهم أن لا يفرحوا بفتنتهم، فالله المنتقم الجبار لأهل الشر بالمرصاد ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾، ولو كان أولئك الأشرار عقلاء لاتعظوا بأحداث النكث حيث ازداد الحزب بعدها قوة وتأييداً، ولكنهم لا يعقلون.

 

والثانية لأصحاب الفتنة: ففي حديث مع بعض أصحابي حولهم ورد بأن من هؤلاء من يستحق الفصل، وهذا صحيح، لكنني آثرت أن لا يكون، وأن يُكتفى بما هم فيه من عقوبة الإهمال التام وتعميمها، فلعلهم يرعوون، أو يتوبون فيستغفرون ويعيدون مال اليتيم الذي خانوه، يعيدونه لأهله... حتى وإن كان كل ذلك بعيد الاحتمال من قوم مردوا على الانحراف والفتنة، ولكن ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

 

وخاتمة الختام فأكرر (أحب أن لا تنشغلوا في الردود على تلك الأقوام فهم كسقط المتاع كلما قلّبته ونظرت فيه أحييته وشغلك عما هو خير...)، وإني لأسأل الله سبحانه أن يقينا شر ما قضى، وأن يقينا شر مخلوقاته أجمعين، وأن يعزنا بعزه، ويفتح علينا فتحاً تطمئن به القلوب وتنشرح له الصدور، ويسر الناظرين، وما ذلك على الله بعزيز.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الثالث عشر من جمادى الآخرة 1439هـ                                                                                              أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

الأول من آذار 2018م

للمزيد من التفاصيل