بسم الله الرحمن الرحيم

لن نخذلك أبداً يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(مترجم)

 

استلزم التسييس المجنون والمتسارع لحوادث شارلي إيبدو هذا الأسبوع بشكل غير مسبوق، للتعرض هذه القضية ببعض الاستفاضة، ولو كان الأمر خلاف ذلك لما استحق حتى الوقوف عنده.

 

يُقتل المئات من الناس كل يوم في جميع أنحاء العالم في ظروفٍ متباينة، لكن لم تصل أيّةٌ من تلك الأحداث لنفس المستوى من الانفعال والغضبة الأخلاقية، كما يحدث حالياً من أجل حوادث فرنسا!! إن المعاملة الانتقائية فيما يحدث تظهر لامبالاة السياسيين الغربيين عندما يتعلق الأمر بالأرواح التي تزهق بسببهم كل يوم.

 

إنّ غفلة البعض وغطرستهم في أستراليا لا تجعلهم يرون أنّ استفزاز وإهانة المعتقدات الأساسية عند الناس يمكن أن تنتهي بهذه الحدة. وكذلك شاهدنا أكبر مجرمي العالم مثل أوباما ونتنياهو وهم يسعون لاستغلال أحداث هذا الأسبوع لأغراضهم السياسية الشائنة، على الرغم من أنّ الغبار لم يهدأ، والحقائق لم تتأكد بعد.

 

لهذه الأسباب، نود إيصال رسائل واضحة للسياسيين في أوروبا وللمسلمين؛

رسالة إلى أوروبا:

 

1. إن حجم التفاعل السياسي الهائل لحادث شارلي إيبدو يعزز انتهازيّة أوروبا ورغبتها المبيتة في تكثيف الضغط الذي لم يتوقف أصلاً على المسلمين. الآن وبطريقة لم يسبق لها مثيل في العهود الأخيرة، نرى أوروبا تستجيب صراحة لجشع الطبقة السياسية، بما في ذلك المظاهرات الأكبر في الآونة الأخيرة والتي تشرف عليها وتقرها السلطات الرسمية، مما يشير إلى الاستغلال المسيس والبشع للمشاعر تجاه الأحداث التي شهدتها فرنسا هذا الأسبوع.

 

2. لا يمكن تفسير تلك المظاهرات في عزلة عن الاحتجاجات التي لم تتوقف أصلاً، والتي تنادي ليل نهار بكراهية الإسلام، والتي أصبحت جزءأً علنياً من روتين الشوارع الأوروبية. قد يكون شكلها مختلفاً اليوم، ولكن الجميع يعتمد السيناريو نفسه، بأنّ مواقف المسلمين هي المشكلة.

 

3. ليس هناك أيّة صلة بين "الحرية" المدّعاة والتهجّم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق. إنّ نداء الحرية الذي ينادي به الغرب ما هو إلا شعار أجوف، يستخدمه في كل مرة عندما يسعى لحرمان المسلمين من أحد حقوقهم الأساسية. هل نسينا حظر الحجاب الإسلامي في فرنسا؟ ومغامراتها العسكرية البربرية والمدمرة خارج حدودها؟ أو علاقاتها الودية الحليفة مع الحكام المستبدين في العالم؟ كل ذلك تبرره من خلال آخر موضة من الأيديولوجيات، عندما تدعو إلى عقيدة الليبرالية الجديدة. هذه الحروب التي تفتعلها ليست لها أية علاقة بالحرية، ولكنها الاستعمار الجديد بأبشع صوره، إضافة للتصدي على وجه التحديد للمسلمين عندما يسعون لتحرير أنفسهم من أغلال قرون من الاستعمار الأوروبي.

 

4. لقد تعرضت السياسات الصحفية وأعمال شارلي إيبدو لانتقادات العديد من الأصوات العاقلة في أوروبا. وقد أعرب العشرات من أصحاب المعتقدات وحتّى الملاحدة، وكل من يمتلك أدنى وعي تجاه تماسك اللحمة الاجتماعيّة، عن استيائهم من الإهانة المتعمدة والاستفزاز للمعتقدات الأساسية للناس، محذراً من أن مثل هذه الاستفزازات سوف تولد ردود أفعال غير متوقعة تدمر كل الدعوات إلى الوئام بين الطوائف.

 

5. ينبغي على المتنفذين الأوروبيين أن يدركوا أنهم ليسوا الوحيدين، الذين يعتبرون معتقداتهم مقدسة. المسلمون، أيضاً، لهم مقدساتهم، ولديهم خطوط حمراء غير قابلة للمساومة. وتجاهل هذه الحقيقة هو الجهل بعينه والغطرسة العمياء.

 

ورسالة إلى المسلمين:

1. لا يحتاج المسلمون إلى محاضرات حول قدسية الحياة البشرية، خاصة عندما يحاضر فيها أكبر مجرمي العصر الحديث. ومع أن هناك من شكّك في التردد الواضح لكثير من المسلمين في إدانة الهجمات مثل تلك التي نفذت في مجلة شارلي إيبدو، ولكن الحقيقة هي أن هذا التردد هو رغبة واعية أو باطنة لمقاومة النظرة الحقيرة والعنصرية والنرجسية للغرب، التي تسلط الضوء عندما يتعلق الأمر بالبشر الأوروبيين، ولكن عندما لا يكون للغربيين علاقة، يتم التجرد من المشاعر الإنسانية، وتصبح حياة غير الأوروبيين كأنها غير مرئية. وينبغي أن يكون رفضنا الرضوخ للتناقض الأخلاقي للغرب سبباً للفخر والمديح، وليس سببا للإدانة.

 

2. على مدى القرنين الماضيين، هيمنت القوى الأوروبية بوحشية على المسلمين، رغم أنه منذ فترة ليست طويلة كان ذلك يبدو لهم صعب المنال. وقد زاد الطين بلة نجاحهم بنشر ثقافتهم في العالم الإسلامي، وإبعاد الكثير من المسلمين عن جوهر الإسلام، وذلك لإرساء أسس التبعية السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية لضمان سيطرتهم في المستقبل. لقد كان حجم هذه الهيمنة غير مسبوق، وترك المسلمين عاجزين سياسياً عن الوقوف في وجه المعتدين.

 

رغم ذلك لا تزال القوى الغربية غير مكتفية، وتهدف إلى ما هو أبعد من ذلك، لتصبح الهيمنة شاملة، ومن شأن ذلك أن يجعل المسلمين عاجزين بشكل دائم. ولكي يتحقق للغرب ذلك، يتطلب أن تزال الأسس الرئيسية للإسلام إلى الأبد من قلوب المسلمين، وإبقاء تقاليد جوفاء، والتركيز على تزكية النفوس وحسب.

 

3. إنّ آخر جبهة في هذا الصراع هي عقيدة المسلم نفسها، والتفاني في سبيل الله سبحانه وتعالى ومن أجل الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم. تريد القوى الأوروبية والغربية منا أن تكون حرياتهم أحب إلينا من إسلامنا، ولهذا لم يعطوا المسلمين سوى خيارين: قبول هذه الحريات باعتبارها معايير ضابطة لأي تصرف، وبالتالي قبول حقهم في إهانة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو تعريض أنفسنا لغضب آلات السياسة الغربية وجيوشها، سواء بين ظهرانيها أو في العالم الاسلامي. تماماً مثلما فعلت الولايات المتحدة بعد 9/11، إنّ أوروبا لا تدخر أي جهد الآن لفرض الأجندة العلمانية لها على المسلمين في أعقاب الأحداث الأخيرة، وقد جاءت فرصتها.

 

إنّ هذا الدافع الدائم والراسخ للكفار تجاه المسلمين يظهر جلياً في الكلمات الخالدة لله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ...﴾ [البقرة: 217].

 

4- إنّ هجمات الغرب على القيم الإسلامية لا هوادة فيها، وهي جزء من صراع طويل الأمد سبق الحقبة الاستعمارية الحديثة. والفرق الوحيد اليوم هو أنه، خلافاً للماضي، لا يملك المسلمون اليوم السلطة السياسية التي تتولّى الدفاع عن عقيدتهم ومصالحهم. وبإنشاء الخلافة فقط، تصان المصالح الحقيقية للبشرية جمعاء. وهي الرد المضمون الوحيد لجرائم القوى الأوروبية والغربية، وهي التي ستحاسب كل من يؤذي مسلماً أو غير مسلم على حد سواء.

 

 

21 من ربيع الاول 1436

الموافق 2015/01/12م                                                                                             حزب التحرير 

                                                                                                                             أستراليا 

للمزيد من التفاصيل