بسم الله الرحمن الرحيم

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

جواب سؤال

 

قاعدة الضرورات تبيح المحظورات

إلى ابو القاسم نصار

 

السؤال:

شيخي الحبيب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وددت أن أسألك عن القاعدة الشرعية التي تقول الضرورات تبيح المحظورات.. فما المقصود الشرعي من كلمة الضرورات؟ وسأذكر حالتين لأبين مقصدي:

الأولى: هي فتوى للشيخ يوسف القرضاوي في إباحة خلع الحجاب في المدارس الأجنبية بقصد التعليم، وعدّ ذلك من الضرورات.

الحالة الثانية: توليد النساء من قِبل أطباء ذكور.

وإن قلنا أن الضرورات فقط تعني حصول موت وهلكة.. فلماذا إذاً يكشف الأطباء الذكور على النساء الحوامل ويقومون بتوليدهن في بعض الأحيان وهذا من مقتضيات الضرورة لعدم وجود أنثى مثلاً...

فنجد أن الضرورة إذا قلنا عنها الموت لم تتحقق في الحالتين.. في التعليم والولادة؟

وبارك الله فيك وجزيت الجنة

 

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:

لقد أخذ بعض العلماء بقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وقد استدل القائلون بهذه القاعدة بأدلة من مثل قوله تعالى: الآية 173 من سورة البقرة: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وقوله تعالى: الآية 3 من سورة المائدة: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وقوله تعالى: الآية 115 من سورة النحل: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

 

 

 

والناظر في هذه القاعدة يتبين له أنها غير صحيحة:

إن الأدلة التي ساقها القائلون بهذه القاعدة لا تدل على ما ذهبوا إليه، بل غاية ما تدل عليه أنه يجوز عند الاضطرار الأكل من الميتة وأمثالها بسبب الجوع: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ والمخمصة هي الجوع والمجاعة القريبة من الهلاك... فعندها يجوز له أن يأكل من الحرام... والاضطرار كما هو واضح في الآية مقيد بالمجاعة ولا يتعداها فاللفظ ليس عاماً أو مطلقاً حتى يتعدى مدلوله بل هو مقيد بالمجاعة.

وفي بعض شروح هذه المادة عند القائلين بها يجعلونها كالرخص، ولكن حتى الرخصة فهي تحتاج إلى نص لا أن يحددها العقل دون نص... فمثلاً الفطر في رمضان خلال السفر أو عند المرض رخصة، وذلك لورود النص كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر﴾. وهكذا كل الرخص لورود النص.

وعليه فإن هذه القاعدة غير صحيحة بإجرائها على العموم كما هو نصها عند القائلين بها. والصحيح الذي تدل عليه الأدلة التي استند إليها القائلون بهذه القاعدة هو أنه يرخص للمسلم أن يأكل أو يشرب ما حرم الله من المطعومات المحرمة في حالة الاضطرار، ولا تدل على غير ذلك. والرخصة عند الضرورة في حالات أخرى تحتاج إلى أدلة أخرى.

ومن الجدير بالذكر أن هذه القاعدة أصبحت في عصرنا هذا تُكَأَة لإباحة كل محرم بجعل كلمة الضرورات كلمة فضفاضة يدخل تحتها كثير من الأمور وفق تفسيرهم للضرورة التي يرونها حتى كثر الوقوع في الحرام باسم الضرورة!.

وأما الأمثلة المذكورة في السؤال التي يجيزونها بحجة قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، فإنها لا تجوز، فالمرأة المسلمة البالغة مكلفة شرعاً بلبس الخمار، ولا يجوز لها أن تخلع خمارها بحجة الدراسة في المدارس الأجنبية، بل عليها إذا أرادت الدراسة ولم يتيسر لها في المدارس الأجنبية أن تبحث عن مدارس أخرى تسمح لها بلبس الخمار والجلباب، أو تعتمد وسيلة أخرى للدراسة، أو تهاجر مع محرمها إلى بلد يتيسر لها فيه الدراسة... دون أن تخلع خمارها، لأنه لا توجد أدلة تجيز للمرأة البالغة أن تخلع خمارها من أجل الدراسة، والتعلم.

وأما اطلاع الطبيب على عورة المرأة لعلاجها فإنه أيضاً ليس مندرجاً تحت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، بل تدل عليه أدلة جواز التداوي كقول النبي eفي الحديث الذي رواه الترمذي في سننه عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «الهَرَمُ»، ولا شك أن كشف العورة من مستلزمات التداوي في كثير من الحالات، وتنطبق عليها أدلة جواز التداوي، وفي هذه الحالات فإن الكشف يكون للمواضع التي تلزم للعلاج والتداوي ولا يجوز أن يكون الكشف عن غيرها من مواضع العورة، أي فقط عن مكان التداوي اللازم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

للمزيد من التفاصيل