تعليق صحفي

السلطة بإجراءاتها السقيمة تضاعف الأزمة الصحية وتضيف إليها أزمات بعضها فوق بعض!

أعلن المتحدث باسم حكومة السلطة الفلسطينية إبراهيم ملحم عن سلسلة من الإجراءات الوقائية في ظل انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد19) في محافظات الضفة الغربية، ومن بين تلك الإجراءات إغلاق رام الله والخليل ونابلس وبيت لحم لمدة أربع أيام إضافية، وإغلاق القرى والمخيمات والأحياء المصابة في المحافظات الأخرى، ومنع الحركة يومياً من الثامنة مساءً وحتى السادسة صباحاً في جميع المحافظات ولمدة أسبوعين على أن يتم مراجعة ذلك حسب حدة الوباء، وإغلاق جميع المحافظات من الساعة الثامنة من مساء الخميس وحتى صباح يوم الأحد مع السماح للأفران والصيدليات بالعمل ولمدة أسبوعين.

لقد استهل ملحم مؤتمره الصحفي بتحميل الناس مسؤولية فشل السلطة في التعامل مع الوباء قبل أن يبدأ بالإعلان عن سلسلة من الإجراءات العقيمة في مواجهة توسع انتشار المرض، فالمدقق في تصرفات السلطة وحكومتها يرى مدى التخبط في التعامل مع الأزمة وكيف أن الحكومة باتت تدور في حلقة مفرغة من الإغلاقات المتكررة وأن السلطة تحاول جاهدة تغطية تقصيرها وفشلها بتحميل الناس المسؤولية عما يحدث.

إن المسؤول عن الحال الذي وصل إليه الناس في فلسطين هي السلطة، فهي أول من خالفت أبجديات الحجر والوقاية من الأوبئة،كما  بينهوأرشد إليهالإسلام،وهو منع التنقل بين الأماكن المصابة والسليمة وفي أضيق صوره؛  فالسلطة هي من طالبت العمال بالتوجه إلى كيان يهود في ذروة الوباء بعد أن تركتهم بلا بديل أو خيار أخر يعتاشون منه،ومن ثم هي من طلبت منهم العودة، وهي من قصرت في إجراء الفحوصات لهم وتأمين أماكن حجر مناسبة لهم، وهي من قبل من جلبت الضنك على أهل فلسطين وأثقلت كاهل الاقتصاد وحالت دون توفير حياة كريمة للعمال لتحصيل لقمة عيشهم بين أهلهم فدفعتهم للمخاطرة بأنفسهم والعمل في الداخل، وفي ظل ذلك التقصير والتنقل المستمر بين الأماكن المصابة والسليمة فإن حصول موجة ثانيةمن الوباءكان نتيجة طبيعية.

أما عن عدم التزام الناس بإجراءات الوقاية الذيتحدث عنهملحم،فالمبرر يكمن في النماذج الهزلية التي قدمتها السلطة للناس في كيفية التعايش مع المرض من خلال إقامة المهرجانات والاحتفالات الوطنية!! وفي فتح الأسواق وكل شيء على مصراعيه،وخاصةالبنوك،مع إصرارها على إغلاق بيوت الله بشكل سافر، وكيف أنها فتحت البلاد على مصراعيها قبيل العيد حتى امتلأت الأسواق بالناس وكانت تنوي فتحها بعد العيد مباشرة وحصرت الإغلاق بأيامالعيد بشكل استفز الناس ودفعهم لإدراك مدى استخفاف السلطة بعقولهم السليمة التي ترفض فكرة أن الفايروس لا يتواجد إلا في أيام عيدهم وعبادتهم ويغيب قبل ذلك وبعده! وتناست السلطة أنها تحكم أناسا مسلمين وتجاهلت أصواتهم التي تعبت وهي تطالب بفتح المساجد بإجراءات وقائية وأنه لا يجوز إغلاقها، فتحدتهم في إبقاء المساجد مغلقة،رغم فتحها للبلاد واكتظاظ الأسواق،  فما كان من الناسإلا أن تحركوا غيرة على دينهم ومساجدهم!! فكانت تلك الحادثة شوكة عالقة في حلق السلطة وحكومتها يحاولون انتزاعها وغرسها في قلوب الناس.

وفي ظل إهمال السلطة المشهود للقطاع الصحي وتحميلها  المسؤولية للناس،تعمل السلطة على مضاعفة الأزمة بإجراءاتها الكارثية،التي إن استمرت بها فإنها سوف تدمر ما تبقى من الاقتصاد وتنشر الفقر وتنهك الناحية الصحية والمعنوية للناس، وهذا ما حذر منه جمهور من العلماء والأطباء والسياسيين والاقتصاديين بل وحتى منظمة الصحة العالمية التي فشلت في التعامل مع الأزمة وصدعت السلطة رؤوس أهل فلسطين وهي تتبجح بأنها تلتزم بتوصياتها، وجاء ذلك في مؤتمر عقدته منظمة الصحة العالمية والاتحاد العالمي للصحفيين العلميين بتاريخ 25-6-2020 حيث قالت فيه الدكتورة ماريا فان كيروف وهي اختصاصية وبائيات الأمراض المعدية من منظمة الصحة العالمية "إنهم يأملون أن تكون جائحة كورونا فرصة لحشد الاستثمارات في القطاع الصحي واعتبرت أن التأثير الاقتصادي والاجتماعي والنفسي خلال فرض الإغلاق الشامل تسبب في الكثير من الخسائر"، وأضافت "فقط لنوضح الأمر، نحن لا نوصي باستخدام إجراء مثل الإغلاق الشامل فالإغلاق الشامل عبارة لا نستخدمها في منظمة الصحة العالمية وبينت أن فرض الإغلاق الشامل في العديد من الدول كان بسبب أن قدراتها تعرضت للضغط، وكانت بحاجة للوقت للتأهب، مثل توفير أسرّة في المستشفيات".

أما السلطة فقد فوتت الفرصة التي منحها لها الإغلاق الشامل الأول لتطوير القطاع الصحي لتتجنب سياسة الإغلاق الشامل مرة أخرى كما ينص بروتوكول منظمة الصحة -التي تعتبرها السلطة قبلة لها- وحزمت أمرها مرة أخرى باتخاذ إجراء الإغلاق الشامل وسيلة لمواجهة الأزمة بشكل متتالي،وهي مصرة على ذلك،ولو كان على حساب تدمير أهل فلسطين وتحطيم معنوياتهم وما تبقى من اقتصادهم المثقل بالديون والشيكات التي تقارب المليار والنصف دولار في الشهر بحسب تقارير لسلطة النقد.

إن اصرار السلطة على الإغلاق مع التنصل التام من مسؤولية توفير لقمة العيش للناس بل على أقل تقدير دون تخفيف الضرائب وفواتير الكهرباء والماء عنهم، كما فعلت السلطات في الدول التي تحاول تقليدها السلطة، فإنهابذلك تأخذ من بروتوكولات منظمة الصحة وإجراءات بعض الدول الشق السيء والضار وتترك الشق الثاني الذي يمنع انهيار الناس وإفقارهم!

ولا أدل على تخبط السلطة وفشلها في إدارة الأزمة مما طفا على السطح من خلافات بين أركان السلطة نفسها ليلة أمس، فيما يتعلق بإغلاق محافظات رام الله وبيت لحم والخليل ونابلس، وتضارب المواقف بين المحافظين ورئاسة الوزراء، وهو ما يدل على أنّ السلطة إنما تتخذ القرارات والإجراءات بغير هدى ولا علم، وهي تندفع إما للضغط على الناس وانهاكهم لتسهيل تركيعهم للمؤامرات التي تتوافق عليها السلطة مع المستعمرين، أو انصياعا لمؤسسات وهيئات ومنظمات استعمارية لا يسرها أن ترى فلسطين عامرة بأهلها ودينها، أو تقليدا أعمى لدول وكيانات لا دين لها ولا إله تعبدهفتلجأ لشرعهلتستقي منه المعالجات والأحكام التي تجلب الخير وتدفع الشر عن العباد!

إن سياسة الإسلام في التعامل مع هكذا ظروف هي سياسة واضحة تقوم على عزل المرضى فقط وتوفير الرعاية الصحية الكريمة اللازمة لهم وللفئة المهددة من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وتوفير متطلبات العيش الكريم لأسرهم بتلبية احتياجاتهم وإعالتهم، ومنع التنقل بين الأماكن المصابة والسليمة على أضيق نطاق، أحياء أو شوارع أو قرى صغيرة، دون تعطيل لمصالح الناس أو إيقاف للحياة، وتركيز الجهد على تطوير القطاع الصحي وإمداده بكل ما يلزم ليسبق الأزمة بخطوات، وفي المقابل استمرار الأصحاء بمزاولة الحياة والإنتاج والعمل بالشكل الطبيعي لا أن يحجر الناس في بيوتهم ويمنعوا من تحصيل لقمة عيشهم وإقامة شعائرهم فتلك سياسة من لا يرقب في الناس إلاًولا ذمة!!.

إنّ الخير والصلاح كله إنما يكون باتباع أوامر الله وأحكامه، والسير على هدي النبوة في التصدي للوباء وحسن الرعاية للناس، أما السلطة بعقليتها العلمانية بل ومحاربتها لدين الله، فإنّ الله لن يهديها السبيل وستبقى تتخبط وتورد الناس المهالك، وهو ما يوجب على أهل فلسطين رفع الصوت عاليا في وجه السلطة لتتوقف عن الاستهتار بأرواح الناس وأموالهم ومصالحهم، ولتترك اتباع أوامر المستعمرين والمجرمين، ولتنفق السلطة الأموال التي تنهبها من الناس على مصالح الناس وحاجاتهم وخاصة القطاع الصحي المتهالك بدلا من انفاقها على الجهاز الأمني الذي يسهر على حماية كيان يهود ومشروع السلام الخياني.

13-7-2020