تعليق صحفي

المبادرة الفرنسية خيار الإفلاس للسلطة الفلسطينية

تصاعد الحديث في الأيام الأخيرة حول المواقف من المبادرة الفرنسية لتحريك المفاوضات ما بين السلطة الفلسطينية وكيان يهود. إذ أبدت أمريكا إشارة فضفاضة حول ذلك الحراك، عندما قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية مارك تونر: إن حكومة بلاده تبحث آفاق المشروع الفرنسي مع القوى المعنية الأخرى، وذلك بعدما رفض كيان يهود المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام (القدس 29/4/2016)، بينما اعتبرت السلطة الفلسطينية أن ذلك الرفض "برهان واضح على تجديد تل أبيب موقفها الرافض لعملية السلام وإصرارها على سياسة تدمير حل الدولتين، بما يعنيه من تحد سافر للإرادة الدولية" (الحياة 30/4/2016)، وكانت حركة حماس قد رفضت تلك المبادرة قبل أيام ووصفها الناطق باسمها بأنها "غير مكتملة"، وأنها تقوم على "إنكار للحقوق الفلسطينية التاريخية" (المصري اليوم 26/4/2016).

يدرك عدد من المحللين السياسيين أن المبادرة الفرنسية التي ظلت فرنسية ولم تتحول إلى أوروبية، غير جادة وليست قادرة على إحداث اختراق، بل تسير نحو التحلل والاضمحلال، لأن فرنسا عاجزة عن إحداث تغيير جوهري في مسار القضية، وهي لا تملك أدوات الضغط على كيان يهود، ولذلك فهي تستمر في الهبوط في أسس المبادرة لاسترضائه.

ومن المعلوم أن بعض الدول الأوروبية الفاعلة، إذ تحاول الحضور العالمي من باب استغلال الأجواء السياسية للولوج إلى ساحة الحراك، لا تخرج عن خط "حل الدولتين" الأمريكي. ولكنها لا تلبث أن تتعثر وتسقط أمام حقيقة التناقض الجوهري ما بين مضمون "حل الدولتين"، وبين الرؤية الليكودية التوسعية الرافضة لأي انتقاص من "السيادة" اليهودية على فلسطين، والتي تعززت بعد الانتخابات اليهودية.

ومن المعلوم أن جلّ ما تقوم به أمريكا من تحركات سياسية حالية هو من باب إدارة الأزمة، لا حلها، ومن أجل إبقاء ملف القضية بأيديها لئلا تزاحمها القوى الأوروبية، ولذلك لا يمكن تحميل التصريحات الأمريكية حول المبادرة الفرنسية أكثر من ذلك المستوى، وخصوصا أن أمريكا في حالة البطة العرجاء خلال فترة الانتخابات الرئاسية. من ثم فإن "الدندنة" مع هذا العزف الفرنسي لا تخرج عن سياق المحاولة لاستدامة الأوضاع الحالية.

ورغم كل ذلك، فإن رئيس السلطة الفلسطينية يتشبث بالمبادرة، بعدما صرّح مرارا وتكرارا عن تقديسه لمسار المفاوضات وللحفاظ على دور السلطة الفلسطينية في حفظ أمن الاحتلال اليهودي، مهما حصل، ولذلك فهو يرى فيها "طوق النجاة" من الغرق السياسي، لعلها تحذف "خيار انهيار السلطة".

إن مضمون المبادرة الفرنسية يزداد هبوطا عن الأطروحات السياسية السابقة، وهو يمثل مزيدا من الدحرجة لقضية فلسطين على منحدر التنازلات: فهو يحاول إيجاد مرجعية جديدة "للعملية السلمية"، تكون بديلة عن قرارات ما تسمّى "الشرعية الدولية" التي لا يوافق عليها كيان يهود، مع "تبادل الأراضي والقدس عاصمة لدولتين"، وهو يُسقط حق عودة اللاجئين بالحديث عن "حل عادل ومتوازن وواقعي" يرتكز على "آلية التعويض" (الجزيرة نت 20/5/2015).

ومع ذلك فإن الجانب الأمني - المسكوت عنه من قبل الفصائل الفلسطينية - هو أخطر ما تضمنته، إذ يطرح خطة لمراقبة فعالة للحدود "لمنع الأنشطة الإرهابية وإدخال الأسلحة"، مع جعل الترتيبات الأمنية من خلال وجود طرف ثالث، مما يعني وجوداً عسكرياً - أمنياً دولياً.

لذلك فإن الواجب على حركات المقاومة أن تبرز خطورة هذا الاحتلال الدولي المطروح في المشروع الفرنسي، وأن تعلن رفضها لأي مبادرة سياسية (مهما اكتملت أو تكاملت!)، لأنها تقوم على شرعنة وجود الاحتلال اليهودي، فوق أرض الإسراء والمعراج. ثم إن رفض هذه المبادرة يقتضي أيضا رفض الحراك التركي - التطبيعي - مع كيان يهود، ورفض الطرح الأوروبي الذي دار في الأشهر الماضية حول اتفاق التهدئة، إذ إن كل تلك الأطروحات لا تخرج عن سياق حل الدولتين، وترسيخ واقع السلطة الفلسطينية الذي مسخ قضية فلسطين.